احمد الصراف

التعليم.. التعليم والتعليم

جلس الضيوف، بعد انتهاء العشاء، يتبادلون الحديث، فالتفت رئيس شركة كبيرة إلى معلمة مدرسة، وكان الحديث قد اتجه إلى مستوى مخرجات المدارس، وقال لها: لا أدري ما الذي يمكن أن يتعلمه طفل من شخص وجد ان أفضل خياراته في الحياة هو أن يصبح مدرسا؟! وأنت يا سيدتي كم تكسبين من عملك؟ فنظرت إليه هذه بهدوء وقالت: حسنا، دعني أخبرك، أنا أجعل الطفل يعمل بأكثر مما يعتقد أن بإمكانه القيام به، وأنا أجعل طلبتي يجلسون وينصتون إلي لأربعين دقيقة أو أكثر في الوقت الذي ليس بإمكان والديهم دفعهم للجلوس لخمس دقائق من دون حركة، وأن يبقوا لساعات بغير هاتف نقال أو «آيباد»، أو لعبة إلكترونية، أو مشاهدة صور متحركة أو فيلم سخيف لا يصلح لأعمارهم. وتريد أيضا أن تعرف كم أكسب؟ أنا أكسب من دفع الأطفال إلى أن يتساءلوا بطرح الأسئلة، وان يعتذروا، بصدق، إن أخطأوا، وأن يحترموا غيرهم، وأن يتحملوا المسؤولية في واجباتهم وتصرفاتهم. كما أعلمهم الكتابة من غير لوحة مفاتيح، وأعلمهم القراءة والقراءة والقراءة، وأن يستخدموا عقولهم في الرياضيات من دون آلة حاسبة، وأسعى إلى أن أجعل فصلي مكانا آمنا، وأن أجعلهم يدركون أنهم إن نجحوا في الاستفادة من قدراتهم وامكاناتهم، وعملوا بإخلاص، فإنهم حتما سيحققون النجاح. وهنا سكتت المدرسة لبرهة وأكملت: وعندما يحاول البعض الحكم عليَّ من خلال ما أكسبه من مال، وأنا التي لا أعتقد أن المال هو كل شيء في الحياة، فإنني أرفع رأسي عاليا، ولا ألتفت إلى ما يقال، لأنه كلام جهلة، وإن كنت مصرا يا سيدي على معرفة ما أكسب، فإنني أكسب من إحداث الفرق في حياتكم جميعا، فأنا التي أعدّكم لأن تصبحوا رؤساء شركات ورجال أعمال ناجحين وأطباء ومهندسين مميزين!
وهنا خيم الصمت على الجميع، ولم ينبس مدير الشركة الكبيرة بحرف!
ولو قام وفد صحفي من القبس بطلب الاجتماع بشريحة عشوائية من أعضاء جمعية المعلمين في مبناهم، والاستماع إلى أفكارهم عن كيفية تطوير التعليم ورفع شأنه، فما الذي سيسمعه من الغالبية، وهذا ما جربته شخصيا في أكثر من لقاء: زيدوا رواتبنا وشوفوا شنسوي! وسيصدم الوفد أيضا من حالة فوضى المرور حول وداخل مبنى الجمعية، ومخالفته لكل القواعد، وسيتساءل عن الكيفية التي يمكن فيها لمن لا يعرف النظام أن يعلم ابناءنا النظام!

***
• ملاحظة:
كعادتنا كل شهر، فإننا سنتغيب عن البلاد والغبار لفترة ثلاثة اسابيع بين أمطار ماليزيا، أما المقالات فسيستمر هطولها!

أحمد الصراف

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

احمد الصراف

إدارة الإعمال – جامعة الدول العربية – بيروت 1974 / الدراسات المصرفية والتدريب في بنك باركليز – لندن 1968 / البنك الوطني في فيلادلفيا – فيلادلفيا 1978 / الإدارة المصرفية – كلية وارتون – فيلادلفيا 1978
email: [email protected]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *