حسن العيسى

مرة ثانية وثالثة… وين رايحين؟!

أين سيصب غضب الناس المستهلكين غداً، بعد ثورة الإضرابات التي عمت تقريباً معظم جيوش موظفي الدولة، وأخطرها إضراب نقابة الجمارك والموانئ! هل سيلوم الناس الحكومة التي لم تتفهم مطالب المضربين حين ظلمتهم في توفير زيادات الكوادر، ولم تراع “العدالة والإنصاف” في توزيعها، كما يقول مضربو الجمارك اليوم، أم أن السخط الشعبي القادم سيكون ضد النقابات المضربة، ومعهم النواب المتهمون بالتحريض على الإضرابات! أم أن الإدانة ستكون ضد الفريقين الحكومي والنقابي- النيابي مجتمعين بعد أن تهنا في دوامات الفشل في إدارة أمور الدولة، وأصبحت الأطراف جميعها حكومية أم نيابية تتكسب من الفشل المزمن وتلقي باللوم على الآخر، لتحقيق طموحات سياسية يدفع ثمنها الناس البسطاء.
الدولة الآن تختنق يوماً بعد يوم، فلا تصدير لسلعة النفط اليتيمة، وهو مصدر رزق الدولة الوحيد، ولا استيراد للسلع الغذائية وغير الغذائية التي ستؤلم بشدة التجارة في الدولة، إضافة، وقبل ذلك، الناس المغلوبون على أمرهم في دولة السير على البركة. لكل طرف حججه وأسبابه في أخطر أزمة “حياتية” تواجه الدولة اليوم منذ الاحتلال الصدامي، ولست أبالغ في هذا الوصف، فذكريات الوقوف في طوابير ممتدة أمام الجمعيات التعاونية وتخصيص “ريشن” محدد لكل عائلة من المواد الغذائية مرت علينا بسوادها وقلقها أيام الاحتلال. الحكومة تقول إن مثل تلك الزيادات التي “افتلتت” حبات سبحتها من يوم إقرار زيادة عمال النفط، وقال وزير النفط يومها البصيري في الحكومة السابقة إن مثل تلك الزيادة لن تكلف الدولة ديناراً واحداً! ثم زيادة المعلمين… ثم العاملين في الفتوى “ربما قبل المدرسين”، وبعدها انفتح سيل الكوادر من غير حساب، والتي سترهق ميزانية الدولة في المستقبل، ولم يبالغ الاقتصاديون حين قالوا إن الدولة ستكون عاجزة عن توفير الرواتب بعد نحو ثماني سنوات مالم تبلغ أسعار النفط 300 دولار للبرميل! بينما يؤكد المطالبون بزيادات الكوادر، إنه إضافة إلى غياب العدالة في توزيع الكوادر، فإن تكاليف المعيشة ارتفعت أكثر بكثير من حدود الرواتب، ولم يعد بالإمكان السكوت عن هذا الظلم مع مماطلة الحكومة في توفير أبسط إمكانات العيش الكريم.
ما العمل الآن، فكل فريق “راكب راسه”، والمضربون يقولون إن الحكومة لا تفهم غير لغة الإضراب، والمهم “أنا” وجماعتي مادام الوقر قد أصاب الآذان الحكومية، فلم تعد تسمع شيئاً، ولا تنصت لغير الفعل بالتحرك وشل الدولة بالإضراب. أما الكلام “القوي” من الحكومة بأنها ستستعين بجهازها العسكري للقيام بعمل المضربين، فهذا مجرد كلام “مأخوذة زبدته”، فيبدو جلياً أن جهازها العسكري ليس له الدراية والإمكانيات للقيام بدور موظفي الجمارك وغيرهم. فهذا الجهاز تدرب فقط لقمع المظاهرات، وملاحقة البدون، وإرهاب المغردين، وقمع حرية التعبير في وسائل الإعلام حين تخرج عن طوع قانوني النشر والجزاء بكل موادهما “الدراكونية”، أو حين تصل وشايات المحتسبة الانتهازيين من المزايدين على طرح الجماعات الأصولية إلى النيابة العامة ضد أصحاب الفكر والقلم…!
من جديد أكرر عنوان “وين رايحين”، وماذا سنصنع مع حكوماتنا ونقاباتنا فقد ضاعت الحسبة؟، ولن نقول “الشيوخ أبخص”، ولا نوابنا أبخص، ولا أحد أبخص، فأيام مغبرة أمامكم، وغبارها قد أعمى العقول عن رؤية نور الحقيقة والعدالة.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *