الجمركيون مضربون عن العمل، والكاتب كتاجر الحرب، يستغل المآسي، لذا سأحرص على نشر كل ما لا ينشر في هذه الفترة التي لا تفتيش فيها.
وأنا مع الجمركيين في إضرابهم، لا من باب الحمية الجاهلية، فلا عِرق يربطني بالجمارك “لا هم بني عمي ولا من خوالي”، ولا من باب المنفعة الشخصية، ولا من باب كره الحكومة، ولا من أي باب قد يفتحه البعض ليتفقد ما وراءه… أنا مع الجمركيين لأن حالهم، مقارنة بأقرانهم الخليجيين، تصعب على نتنياهو وعلى أمية بن خلف، وعلى كل صهيوني وكافر، خصوصاً وهم يشاهدون حكومتهم تستخدم أسلوب “تنقيط المعازيم في العرس” على الدول الأخرى، ذات يمين الخارطة وذات شمالها.
ومع الجمركيين يُضرب موظفو وزارة الداخلية، وموظفو وزارة المالية، وأساتذة الجامعة، ووو، ويضرب كذلك المطر عن الهطول، وتُضرب أرض هذا البلد عن “إنبات العشب ونثر اللون الأخضر المبهج”، وتضرب الابتسامة عن ممارسة عملها على شفاه المارة وعابري السبيل، وتضرب البهجة، وتعينها نقابة الأمل وتساعدها في إضرابها، كما تفعل نقابات موظفي الوزارات بعضها مع بعض، إذا أضربت نقابة تداعت لها سائر النقابات بالسهر والحمى، ويُضرب الإبداع، ويضرب التسامح، ووو، وحده الحسد يلتحق بمقر عمله، وهو حسد من الأعلى إلى الأسفل، أي أن الميسرين يحسدون المعسرين، لا العكس، إضافة إلى بقية ألوان الحسد الأخرى… حفلة.
ولا أسهل ولا أهون من حل مشاكل الإضراب التي انتشرت في جسم الكويت. حلها كطرقعة الأصبع، هكذا. لكن سبباً مخفيّاً يحول بين البلد وحل مشاكله، وهو رغبة البعض، في الحكومة وخارجها، في إشغال الناس بأنفسهم، وما تحت أقدامهم، كي لا يلتفتوا إلى الأمام ويطالبوا ببقية حقوقهم، وما أكثرها.
الأمر أشبه بزراعة الألغام في طريق القوات المتقدمة. والألغام لا تمنع القوات من التقدم، وإن كانت تعطّلها وتلخبط خططها وتشغلها بأنفسها لفترة، قبل أن يتم فتح “ثغرة” تدخل من خلالها القوات وتحقق انتصارها.
ولكل من يتساءل: “لماذا لا يشعر الكويتيون، أو معظمهم الأعظم، بودّ تجاه حكوماتهم المتعاقبة، ولا يثقون بها ولا يصدقونها؟”، أقول: “لأسباب عدة، أتفهها وأسخفها عدم ظهور الناطق الرسمي للحكومة أمام الصحافيين كل أسبوع ليضع الناس “بالصورة”، ويشركهم مع حكومته بالأفراح والأتراح. وأرجو ألا يضحك القارئ إذا علم أن الحكومة، حتى هذه اللحظة، بلا ناطق رسمي، تمشي عارية، سلط ملط، لذلك تتناهشها مخالب الإعلام والنواب والمواطنين، بل والدول الأخرى”.
ولم أضحك منذ فترة كما ضحكت عندما علمت أن وزيراً طلب من موظفي الوزارة الغاضبين ترشيح متحدث باسمهم يمكنه التفاهم معه، باعتبار أن “السالفة مو فوضى”! ولو كنت أنا من بين الموظفين الغاضبين، لاستعنت براقصة من اللواتي يجدن ضرب الكفين بعضهما ببعض، مع إطلاق صوت قبيح يستخدمه “الإسكندرانية الأقحاح”.