كانت أمس الأول جلسة خيبة للبرلمان، وبالتأكيد ستلحقها من دون حساب جلسات خيبات أكثر وأكثر، مادام تمترس هذا المجلس بالنهج الطائفي والتخندق في بؤر تصفية حسابات قديمة ورد ديون مستحقة من المجلس الماضي، أي المجلس التابع لحكومة الشيخ ناصر المحمد. يفترض أن هناك فكراً قانونياً كحد أدنى يقدم المشورة لأعضاء المجلس، هذا بالإضافة إلى الأعضاء الحاليين من رجال القانون، وكان أولى أن يعلم مكتب المجلس أن تغيير صيغة البلاغ المقدم إلى النيابة عن اقتحام أو إتلاف مرفق عام إلى “دخول” ذلك المرفق بمعية وقبول أعضاء في المجلس لن يغير شيئاً من “تكييف الواقعة” التي قدم فيها البلاغ أساساً، فلن يقرأ القاضي الفروقات اللفظية التي أملتها اعتبارات السياسة بين البلاغ الأول لمكتب المجلس القديم المتهم بالتبعية لحكومة الأمس، وبلاغ “الصفح” الثاني، وعفا الله عما سلف، لمجلس الأغلبية الدينية، فهناك الوقائع من شهود وصور فوتوغرافية وهي التي ستملي على القاضي قناعاته في النهاية، أو يفترض ذلك، وعلى ذلك فلا جدوى من تعديل مفردات البلاغ من قبل مكتب المجلس قانوناً، إلا أن للسياسة اعتبارات تبناها المكتب مسايرة لحكم الأغلبية البرلمانية، ولها عذرها في الاعتبار السياسي، فالذين دخلوا أو اقتحموا المجلس ومن شايعهم هم أغلبية أعضاء مجلس اليوم.
وقد يفهم من ذلك أن فيها بعض التجاوز للسلطات، وتدخلاً في أعمال القضاء، فبمجرد تقديم البلاغ، وليس الشكوى، لم تعد الواقعة ملكاً للمبلغ، وإنما تبقى تحت هيمنة السلطة القضائية، لكن للسياسة اعتبارات لا يفهمها حكم القانون. من جهة أخرى، لم يكن هناك داع لمعركة الديكة في الجلسة بين الأغلبية الحاكمة للمجلس والأقلية (التي كانت أغلبية بالأمس) حين وضعت الأخيرة الأعلام السوداء أمامها احتجاجاً على بلاغ الصفح الثاني، فهذا حقهم في التعبير عن رأيهم، في الوقت الذي تضيق فيه يوماً بعد يوم حرية التعبير في الدولة ببركة الفكر الأصولي المهيمن في مجلس النواب ومسايرة الحكومة له، ولا علاقة بين العلم الأسود والموالاة للمذهب الجعفري هنا، فوضع العلم الأسود مجرد عملية رمزية للاحتجاج، ولا أكثر من ذلك، ولن يختلف الأمر لو وضع المعترضون وشاحاً أسود، إلا أن الفهم المذهبي القاصر عند بعض النواب شطح بهم إلى ما لا يمكن أن يقبله العقل أو المنطق، فكان الهمز والغمز في الآخر الذي لم يكن له أي مبرر.
الدولة تنتظر الكثير من نواب اليوم، فالتحديات في المنطقة بين احتمالات حرب إيرانية- أميركية أو ضربة إسرائيلية للمفاعلات الإيرانية، وقبلها الحرب الأهلية المأساوية في سورية وانعكاساتها على الساحة الكويتية كل ذلك أهم وأكبر من أن تضيع سلطة التشريع أولوياتها في تصفية حسابات قديمة، وجر البلد إلى تحزب مذهبي وديني منغلق على ذاته يرفض الآخر. وفي الداخل هناك معارك الكوادر والميزات المادية لمعظم النقابات والتي تقود من إضراب إلى آخر يضرب اقتصاد الدولة في الصميم، ويتعين أن يقرأ المجلس والحكومة معاً هذا الأمر ليتم التوازن بين اعتبارات العدالة والإنصاف، من ناحية، في تقرير المزيد من الكوادر، واعتبارات إرهاق ميزانية الدولة بتلك الكوادر من ناحية اخرى. ليس هذا وقت الجدل والعراك في جنس الملائكة، ولا أحد يريد أن تضيع الدولة وحلم الأجيال في الرخاء والتنمية الحقة حين نغرق في مستنقعات القلق لما يجري اليوم، فارتقوا بخطابكم السياسي، واسألوا أنفسكم: “وين رايحين”؟!