أثناء الحرب الدامية في أميركا بين الهنود الحمر – سكان أميركا الأصليين – والغزاة البيض، قال مستشار الحرب لجيش الغزاة جملة حملها القادة العسكريون على محمل من الجدية يليق بها: “مصيبتنا ليست في هذه الجموع، مصيبتنا في تلك المجموعة الصغيرة”. كان يتحدث عن المجموعة الصغيرة التي تحيط بقائد قوات الهنود الحمر “الثور الجالس”، وهي مجموعة مشكّلة من عدد من الانتحاريين، الذين تطوعوا للالتفاف من خلف جيش الغزاة ومهاجمة مراكز القيادة، بهدف إشغالها عن إدارة المعركة، بعد أن يقسم الواحد من الانتحاريين هؤلاء أمام زملائه على ألا يعود إليهم مرة أخرى. وكان لا يعود.
قال مستشار الحرب في جيش الغزاة جملته تلك، وأردف: “يجب أن نتعامل معها قبل أن تتعامل معنا”. وبالفعل تم ذلك، وكانت خطته واحدة من أهم أسباب هزيمة الهنود الحمر.
ولو كنت أنا مكان السلطة أو الحكومة ما كنت انشغلت بالبرلمان وتفاصيله و”جموعه” وتجاهلت “الحراك الشبابي الصامت”، الواقف هناك، والذي يسعى إلى “بتر” المعادلة السياسية الحالية و”زراعة” معادلة سياسية أخرى تحل محلها، شبيهة بالمعادلات السياسية الأوروبية، بهدف تحويل الكويت إلى “إمارة دستورية”، يرأس حكومتها مواطن من خارج الأسرة الحاكمة، مع بقاء الحكم، بالطبع، محصوراً في الأسرة الحاكمة، في ذرية مبارك الصباح (مبارك الكبير) تحديداً كما نص الدستور.
أقول، لو كنت مستشاراً للسلطة لنصحت بأن يتم تخصيص أقل من عين واحدة لمراقبة البرلمان وخطواته؛ ثلاثة أرباع عين واحدة تكفي وتزيد. أمّا العين والربع، أو بقية النظر، فتركز على “تلك المجموعة الصغيرة من الشبان” التي تركت الصدام يدور، والتفّت من خلف الصفوف لفرض سيطرة الشعب على القرار السياسي.
لن أطلب، لو كنت مستشاراً للسلطة، قمع هؤلاء الشبان أبداً، ولا إخراس ألسنتهم وقطع الهواء عنهم، بل الجلوس معهم للتفاوض وتخفيض سقف مطالبهم، باستخدام المناورات السياسية والخطط الاستراتيجية، وأولها عدم المكابرة.
وها هي “ذقني” أمامكم، معشر القراء، وأعلن استعدادي لمسحها من الخريطة، بعد أن أمسح “شنبي” وحاجبيّ الكريمين، إذا لم يكن الانتصار حليفاً للشبان، عاجلاً أم آجلاً. أقول هذا والأدلة تتزاحم أمام عيني… منها، وهذا الأهم، إيمان الشبان التام بقضيتهم، وإخلاصهم لها، وعزيمتهم التي تخجل عزيمة البحارة، وصبرهم الذي يمكّنهم من التصدق بكميات منه للفلاحين دون أن ينقص أو يتأثر، ودهاؤهم القتالي، وخبرتهم التي اكتسبوها من الحروب السياسية السابقة مع السلطة، ومن خلفهم التأييد الشعبي الذي يتكاثر يوماً بعد يوم لمسعاهم، إضافة إلى نشرات الأخبار التي تنقل ما يدور في العالم من سيطرة الشعوب على مقاليد الأمور، فتبث فهم روح الحماسة… في مقابل سلطة تعاقدت مع “الوقت” على حمايتها، واعتبرته من القوات الصديقة! وأحاطت نفسها بمستشارين، يدّعون أنهم “أحفاد روميل” في الدهاء، في حين لا يستطيعون تسويق “علكة”، مجرد علكة، للشعب، فما بالك بالرؤى السياسية، ولا يجيدون إلا الغمز بالعين اليسرى.
وكنت سابقاً قد أعلنت “انتصار الأقلية المعارضة” عندما كانت في لحظات ضعفها، استناداً إلى إيمانها بقضيتها، وإخلاصها لها، في مقابل “أغلبية” تعرف قوافل الشام واليمن ما الذي يجمعها ويفرقها.
راقبوا معي ما الذي سيفعله الشبان، تحت غطاء ضوضاء البرلمان، وسترون بأنفسكم النتائج قريباً. لم أقل جداً.