بمناسبة كل هذا الحراك السياسي والعسكري البالغ النشاط الذي تشهده منطقتنا، وفي دول عدة في الوقت نفسه، اجد من المفيد العودة لمقال كتبه الصحافي والكاتب البريطاني باتريك سيل، Patrick Seale، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، بعنوان What’s Really Wrong with the Middle East ونشر في نوفمبر 2009، حيث تطرق فيه لكتاب زميله ومواطنه بريان ويتيكر Brian Whitaker، المتخصص الآخر في شؤون منطقتنا، والذي نشر في العام نفسه، وبعنوان مقال سيل نفسه، حاول فيه أن يكون صريحا مع العرب، لدرجة الألم، بكشفه للتناقضات الحادة التي تعيشها مجتمعاتهم وما فيها من خلافات قبلية وعنصرية وجنسية! واستغرب سيل وقتها عدم اهتمام أحد بترجمة الكتاب، وربما لم يترجم حتى الآن، على الرغم من مادته البالغة الأهمية. ويقول إن هدف ويتيكر، الذي عمل سنوات في الشرق الأوسط كمراسل لــ «الغارديان» البريطانية، هو دفع العرب لمناقشة أوضاعهم بصراحة، إن أرادوا اللحاق بالعالم المتطور. وان من أهم المعوقات امام تطورهم هو ان مسائل مثل التغيير والابداع ووضع حلول للمشاكل والتفكير النقدي، أو الخلاق غير مرحب بها جميعا من اي سلطة! وهذه ليست النهاية، بل يضيف للقائمة أمورا أخرى كاصرار الحكومات، أو المجتمعات العربية، على الانكار المنظم للحقوق الحيوية للملايين من مواطنيهم بسبب التفرقة على أسس الدين، الأصل، الجنس، او الخلفية العائلية وغيرها. ويتحدث ويتيكر في الفصل الأول من كتابه عن فشل التعليم العربي بشكل عام، وان علاج هذا الفشل يتطلب احداث تغيير يبدأ بما في العقول، ولكن الأنظمة العربية، لسبب ما، لا تسمح بالمناقشة الحرة ولا بحرية التفكير، بل تحث على الطاعة والاستسلام، ومخاطر ذلك معروفة، ولكنه يستدرك أن تطوير التعليم لا يمكن أن يحدث بغير تغيرات اجتماعية وسياسية «راديكالية» جدا، وهذا ما لا يمكن توقع حدوثه في المستقبل المنظور. وقال ان نقطة الضعف الثانية التي يتطرق لها ويتيكر هي العصبية القبلية والمذهبية والعائلية، فهذه تجعل الفرد خاضعا لسلطة «العصبية» التي قبل بالانتماء لها، ولا يخفى أثرها السلبي على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. ويستخلص من ذلك أن من الاستحالة على العرب الدخول في عهد جديد من الحرية، والمواطنة، والحوكمة السليمة ان كان الولاء للعائلة أو القبيلة أو المذهب أو الدين هو الحكم في تصرفاتهم ويأتي قبل الولاء للوطن. والى مقال الغد.
أحمد الصراف