محمد الوشيحي

على وحدة ونص

اسمها “سما المصري”، وأتحدى جنابكم إذا كنتم قد سمعتم بهذا الاسم النكرة من قبل، وسأتكفل بريوقكم (إفطاركم) بجبنهِ وزيتونهِ ولبنته وخبزه الحار إذا لم يملأ أسماعكم خلال أيام قلائل. كل الحكاية أن راقصة مصرية من الدرجة السابعة، طموحة، ولديها ما يكفي ويفيض من مواهب الشخلعة و”الشهق” وضرب الكفين و”ما يحكمشي يا الدلعادي” وكل أدوات الليل ولوازمه… أدركت أن “الرقص وحده لا يكفي”، وأن السكارى في المراقص لن يسدوا الحاجة، فقررت الانتقال إلى التمثيل السينمائي، وحسمت أمرها وحزمت خصرها وقررت إنتاج فيلم سينمائي على حسابها ومن “عرق جبينها”، أطلقت عليه اسم “على وحدة ونص”، على أن تكون هي بطلته. إلى هنا ولا شيء فوق العادة ولا شيء تحتها، فكم من راقصة قبلها احترفت التمثيل، إلا أن الفاضلة “سما المصري” لم تكتف بالتمثيل والرقص، بل أضافت على الفيلم الكثير من البهارات والفلفل، فاختارت قصة تدور حول صحافية تحولت إلى مذيعة ومنها إلى راقصة، ويظهر معها في الفيلم رئيس تحرير يمتهن القوادة، وأشياء من هذا القبيل غير النبيل، فقامت قيامة الزملاء الصحافيين المصريين، واحتدوا و”احترّوا” واحتجوا واحتكوا بالفيلم وصاحبة الفيلم ورفعوا دعوى قضائية غاضبة، ودخل معهم على الخط رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحافيين، محمد إحسان عبدالقدوس، وثار الغبار. وقد نجد عذراً ولو مستعملاً لمن يحتج على الفيلم من الصحافيين المغمورين الباحثين عن الشهرة، بل سأقول أكثر من ذلك، وهاتوا آذانكم لأهمس فيها: “لا أستبعد أن تدس الست الراقصة بعض المقسوم في جيوب بعض الصحافيين ليرفعوا عليها دعوى قضائية، ويهاجموها في الصحافة، فتلتفت إليها رقاب الناس، ويزداد الفضول لمشاهدة فيلمها”، لكننا بالتأكيد لن نجد أي عذر مهما كانت حالته لأخينا رئيس لجنة الحريات، وهو الذي يعلم أكثر من غيره أن الصحافة كصندوق العجائب، فيه من يسقي الزرع، وفيه من يقطع الضرع، وفيه الحاوي الذي يعزف بالناي ليرقص الثعبان، وفيه التقي الشقي والنقي، ووو، فهل نسي أخونا رئيس لجنة الحريات ما كان يفعله بعض رؤساء التحرير في عهد مبارك؟ والله لولا الحياء لقلت إن مقالات أولئك “الرؤساء” يرفضها القوادون أنفسهم، وتلفظها أعتى الراقصات، والإنترنت شاهد عيان. وما يجري على صحافة مصر يجري على صحافة الكويت، فمصر، كما قلت سابقاً، تساوي الكويت ضرب ستة، كمعادلة رياضية. وبعدين أيها الزميل الجميل عبدالقدوس هل تعلم أن أحداً لن يلومني كخليجي عندما أرفع قضية على بطلة الفيلم ومخرجه وكاتبه وبائعه وشاريه بحجة “تشويه صورة الخليجي”، بعد أن ظهرت لقطة، في مقطع الدعاية، فيها رجل يرتدي الغترة والعقال وينثر الأموال تحت أقدام الست الراقصة. وطبعاً أنت مثلي تعلم أن أحداً من النمساويين أو الأستراليين أو أيّ من سكان هذا الكوكب المعطاء لا يرتدي الغترة، باستثنائنا نحن الخليجيين. والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه. فما قولك؟ يا عبدالقدوس ما بالنا كصحافيين نغضب إذا رفع أحدهم سياط النقد وهوى بها على ظهورنا، ونحن الذين اعتدنا وضع سياطنا في الماء والملح قبل أن نهوي بها على ظهور المارة وعابري السبيل من المسؤولين واللاعبين والفنانين وكل ذي شخصية عامة. يا عبدالقدوس، إذا احتج المحامون على فيلم يتحدث عن فساد “بعض” المحامين، وغضب الأطباء على فيلم يكشف فساد بعضهم، وغضب المدرسون، والصيادلة، وضباط الشرطة، ووو، فعن ماذا تتحدث السينما؟ عن فوائد الجزر والليمون ومضار التدخين بالغليون؟ ثم إذا كانت الصحافة بهذه الطهارة فما بال الثورة الطاهرة عزلت كل رؤساء تحرير الصحف القومية؟ يا عبدالقدوس، بعض الصحف أقذر من المواخير، وكنت أظنك مثلي ستفرح بنقدها وجَلدها بحبل من مسد… سامحك الله.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *