مشروع قانون الحشمة الذي ستقدمه “الكتلة” وهي بالفعل كتلة الهم والغم وغياب الأولويات التشريعية أشبهه “بالدبا” أو “الدبى” وهذه تعني، كما وصفها حمد السعيدان في الموسوعة الكويتية “صغار الجراد، الذي كثيراً ما كان يغزو الكويت في الماضي، إما عبر الصحراء أو بصحبة الأعشاب والعرفج التي يجلبها الحطابون، وأشهر غزو للدبا حدث في الكويت كان خلال الفترة ما بين 1 حتى 24 مايو 1890 حيث أصاب المزارع وملأ الآبار وأنتنها، وكانت تعرف بسنة الدبا…”، مشروع قانون الحشمة وما صاحبه من مشاريع حظر عمليات التجميل وقبله قلع الكنائس من الكويت وحظر بنائها الذي تنطع ملاكه بأنه يهدف إلى تحصين العادات والتقاليد الحميدة هو “دبا” سيغزو حريات البشر ويلتهم أبسط حقوقهم الشخصية في طريقة لبسهم وعيشهم وذوقهم وشكل أجسادهم، وهو يفترض أن الكويت صورة خليجية لشاطئ سان تروبيز في فرنسا، مع أننا نتذكر الحكمة الشهيرة لوزير الداخلية السابق، الله يذكره بالخير، الشيخ جابر الخالد حين رد على ممثلي “تورا بورا” في المجلس السابق بعد أن أثاروا الكلام الفارغ عما يحدث في الجزر الكويتية فقال: “لو بحثنا في الكويت من شمالها إلى جنوبها لن نجد حتى امرأة واحدة تلبس “أوزار”، فأي حشمة وأي تعر مزعومين يتحدث بهما هؤلاء الغلاة في مجلس الأمة؟!”. الخطورة اليوم لتلك المشاريع الفاقدة للفكر الإنساني الحضاري ليست في هذا المشروع أو ذاك المصادر لحقوق البشر وحرياتهم، أو بالأصح ما تبقى لنا من حريات، بل في ما تؤشر وتنذر به مثل تلك المشاريع في ظل الغياب التام للوعي الجماهيري بخطورتها، خصوصاً بالنسبة للمرأة، فالقادم، وأنا أجزم بذلك، أعظم، فلن يقتصر إسهال مشروع “الدبا” على “الحشمة”، بل سيمتد شيئاً فشيئاً إلى كل صغيرة وكبيرة في حياتنا اليومية، وستقلب قوانين الدولة رأساً على عقب بحجة أسلمة القوانين والحفاظ على العادات والتقاليد، وكأنه توجد حقيقة قوانين كافرة ومرتدة، فإما تستتاب أو يقام عليها الحد! اليوم قانون الحشمة الذي هناك احتمال كبير أن يبصم عليه نواب الأغلبية مراعاة لمشاعر الجماهير المؤمنة، وغداً سيحرق قانون الجزاء والإجراءات الجزائية وما تضمنه كل منهما من الحدود الدنيا في الحفاظ على الحريات، وبكلام أصح ستعني مثل تلك القوانين رمي دستور الدولة المنتهك في سلة القمامة، وغداً سيكون هناك قانون لفرض الحجاب، وبعده فرض النقاب، وبعده منع المرأة من العمل أو الخروج من المنزل بغير محرم، ومن بعده إقامة الحد علي أي مشتبه فيه أو فيها في جريمة الزنا أو غيرها من جرائم الحدود أو التعازير، ومازال ماثلاً أمامنا مشهد تلك المرأة المسكينة بشريط “يوتيوب” بقندهار الأمس، التي جلست في ملعب كرة القدم ليقف جزار من طالبان خلفها ويرديها مقتولة بطلقة رصاص واحدة في مؤخرة رأسها، من دون أن نعرف أي محاكمة أو أي أصول إجرائية اتبعت في محاكمتها! القادم أعظم وأكبر، (أذكر أن العبارة منسوبة لابن العم خالد السلطان)، فماذا سيبقى لدرة الخليج بعد ذلك؟!، وكيف سيحرق حزب الدبا المنظومة التشريعية التي بناها الآباء المؤسسون في نهاية الخمسينيات بعون من الراحل الكبير عبدالرزاق السنهوري…! ماذا سيبقى لنا من هذه الديمقراطية الكسيحة حين جثم فوق صدرها أعدى أعداء الحقوق والحريات الإنسانية وخصوم الجمال والفن والبهجة، ونسينا أن حكم القانون وصيانة الحد الأدنى من حقوق البشر يتقدمان أي كلام عن الديمقراطية. لنقف عند هذا الحد ونتذكر هذه الأبيات من شعر للمرحوم خالد العدساني في وصف سنة “الدبا” قد جاء كالسيل يعدو ليس يمنعه شيء فما مل من شيء ولا قفا فلم نر طرقا الا وقد ملئت ولا جدارا ولا سقفا ولا غرفا وأصبحت جملة الآبار منتنة كأن في جوفها من ريحها جيفا… والآن، وبعد مرور أكثر من قرن على سنة “الدبا” ما رأيكم لو وضعنا كلمة “أفكار” بدلاً من “آبار”، فلن يتغير معنى رائحة الجيف، وهي بالتحديد جيفة الدستور.