أرسل الزميل العراقي عبدالخالق حسين ايميلا تضمن مقالا تنويريا بعنوان «لماذا يغيّ.ر المثقفون قناعاتهم؟». وذكر فيه أنه سبق أن تطرق لهذا الموضوع في مقال نشر قبل 7 سنوات رداً على مقال كتبه السيد نجم عبدالكريم، في صحيفة «ايلاف» الالكترونية، تهجم فيه على المثقفين والليبراليين، لدأبهم على تغيير مواقفهم! وقد استوقفني مقال الزميل حسين وجعلني أفكر في الكثير من مواقفي القديمة ومقارنتها بالحالية، فوجدت، بالرغم من اتفاقي مع ما ذكره من أنه ليس عيبا على المثقف، ان كنت مثقفا، تغيير مواقفه وآرائه، بأنني قلما تغيرت سياسيا ودينيا وفكريا منذ نصف قرن تقريبا! فوفق ما تسعفني ذاكرتي فان أغلب آرائي في الحياة صمدت بشكل عام، وخصوصا في ما يتعلق بالمرأة ومكانتها وحقوقها. اما سياسيا فلا شك أنها تبدلت وتغيرت مع الوقت، فقد شاركنا الكثيرين في «شبه عبادة» عبدالناصر. كما ساهمت بساطة الحياة السياسية التي كنا نعيشها في ستينات وسبعينات القرن الماضي في جعل آرائنا أكثر ثباتا، فانتماءاتنا الحزبية كانت هامشية، واقرب للترف الفكري، عكس ما كان الحال عليه في دول كالعراق وسوريا ومصر وحتى لبنان والأردن، وبالتالي لم يتقلب المثقفون بغالبيتهم أو حتى انصافهم من حزب لآخر أو من عقيدة سياسية لأخرى بشكل مكثف، ولم تعرف الكويت السجون السياسية أو سجناء الرأي الا نادرا! ولكن مع هذا يمكن القول إن التغيير طال الجانب الديني عند الكثيرين، فنسبة من تقلبوا من جانب الى آخر كبيرة حقا، فقد رأينا كيف انقلب السكير والشرير الى داعية يضع على رأسه شرشف سرير، وكيف حدث العكس أيضا، ولكن من غير شرشف ولا سرير! كما نجد أن التغيير طال افكار وآراء الكثيرين من قضايا كالثورة الايرانية ومن صدام حسين، ومؤخرا من السيد حسن نصر الله، الذي انقلبت آراء الناس فيه من حب، لبغض، لوله، لكراهية! وهنا نجد، كما ورد في رسالة الزميل حسين، أن لا بأس، الى حد ما، من قيام فرد بتغيير مفاهيمه او مواقفه متى ما ظهرت له حقائق جديدة لم يكن يعلم بها، ولكن يصبح الأمر انتهازيا متى ما كان التغيير من أجل تحقيق مصالح شخصية، وهذا ما رأيناه في مصر اخيرا عندما تحول ضابط الشرطة السابق الى داعية سلفي ومرشح لعضوية مجلس الشعب!
ولتأكيد أن التغيير يعني التطور وأن لا شيء ثابتا في الكون استشهد الزميل بمقولات لمثقفين وفلاسفة كبار، يؤكدون فيها ضرورة تغيير المثقف لـ «جلدته» متى ما تطلب الأمر ذلك، فالفيلسوف البريطاني برتراند رسل يقول: أنا لست مستعداً أن أموت في سبيل أفكاري لأنها قد تتغير. وعن الأديب فكتور هوغو: «انه لثناء باطل أن يقال عن رجل ان اعتقاده السياسي لم يتغيَّر منذ أربعين سنة، فهذا يعني أن حياته كانت خالية من التجارب اليومية والتفكير والتعمق الفكري في الأحداث، انه كمثل الثناء على الماء لركوده وعلى الشجرة لموتها». وفي قول لعلي الوردي، المفكر وعالم الاجتماع العراقي: «الأفكار كالأسلحة تتبدل بتبدل الأيام. والذي يريد أن يبقى على آرائه العتيقة هو كمن يريد أن يحارب الرشاش بسلاح عنترة بن شداد». وفي قول آخر له: «كلما ازداد الانسان غباوة ازداد يقيناً بأنه أفضل من غيره في كل شيء»! ألا يذكرنا القول الأخير بالبعض منا؟
أحمد الصراف