أيقظ نواب الغم بجلسة الخميس الماضي أرواح موسوليني والجنرال فرانكو وغيرهما من رموز الفاشية الأوروبية من قبورهم، وزفوا لهم بشرى بأنكم ليس وحدكم في التاريخ يا عتاة الفاشية الأوروبية، بل لنا وجودنا ومستقرنا هنا في برلمان البؤس الكويتي، ولنا مكاننا الأكيد في تراثنا الغابر وأشكال أنظمة حكمنا المختلفة. فلم تكن سالفة المغرد المتهم بالاعتداء على الرسول وأهل بيته غير “زلقة بطيحة” وضرب عصفورين بحجر واحد، عند هؤلاء النواب المطالبين بإيقاع حد الردة على المغرد المتهم، وكأنه يوجد في قانوني الجزاء أو المطبوعات حد للردة، كي يستتاب المرتد مثلما بشرنا وزير الأوقاف والعدل! كانت فرصة لهؤلاء النواب ومن والاهم في تجمع الإرادة حين حرقوا علم الجمهورية الإيرانية أن يشعلوا نيران “الغضب” والكراهية الدفينة في مشاعر الجمهور السني ضد إخوانهم الشيعة، ولم تكن دعوة النواب المطالبين بالرقابة على الحسينيات أو مساجد الشيعة غير تحريض فج لنفي الآخر المسلم الجعفري اليوم، وبالغد نفي وإعدام كل من همس ولو بكلمة واحدة ضد مملكة الاستبداد لفقهاء المجلس ومريديهم. وضعت كلمة “غضب” بين قوسين كي أنبه القارئ إلى أن الفكرة الفاشية تقوم بداية ونهاية على استغلال حالة الغضب عند أقلية من الناس، ثم تنقله إلى جماعات أكبر لتصل في النهاية إلى الجمهور الشعبي العريض! هكذا فعل هتلر عندما استثمر “الغضب” الألماني على اتفاقية فرساي حين فرضت التعويضات على ألمانيا، وتم إلحاق إقليمي الإلزاس واللورين لفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى، وقبل هتلر بسنوات بسيطة فعل مثله موسوليني في استثمار غضب الجمهور الإيطالي على الكساد الكبير في نهاية عشرينيات القرن الماضي، وبالمناسبة، لنا مقاربة لفظية تحت اسم “الفساد الكبير” في الكويت حين يستغل العجز المزمن بالدولة في مكافحة الفساد المالي، لترفع أعلام الفاشية و”كتائبها” ضد الآخرين شيعة أو بدوناً أو ليبراليين ثم الأجانب عرباً كانوا أو غير “خليجيين”، ألا تستحق أغنية “أنا الخليجي” أن تكون النشيد الوطني للفاشية الجديدة هنا! قضية المغرد المتهم بالإساءة للرسول كانت أعظم مناسبة لإخضاع شيعة الكويت لوصاية علماء المجلس، وليس بالبعيد، لا قدر الله، وضعهم في الأيام القادمة بمعسكرات اعتقال خاصة، تمهيداً لـ “هولوكوست” (محرقة اليهود بألمانيا النازية) أو القتل حسب الهوية في مخيم صبرا وشاتيلا بصورة أخرى، أليست كتائب الأمس اللبنانية مستنسخة من كتائب الحزب الفاشي الإيطالي! دائماً توفر الأقليات العرقية أو الدينية الحالات الكاملة كقرابين يمكن تقديمها على مذابح الغضب الجماهيري. أسأل أين سلطة الحكم اليوم مما يحدث في جريمة تقطيع رحم هذا الوطن الصغير؟ هي تقف كمتفرج خجول، أو كشخص تائه وخائف لا يعرف ماذا يصنع في تيه الأصوليات المتشددة وربيعها المقيت. أين هي الدولة الآن وأين هو حكم القانون؟ نسأل أهل الذكر الخيرين عنهما.
الشهر: مارس 2012
رسالة إلى الماء
أعلنت شركة اماراتية عن توصلها لصنع جهاز «علمي» مصنع بأفضل المواصفات، اطلقت عليه اسم «رسالة الى الماء»! وهذا الجهاز يتم تركيبه على براد الماء في البيت أو المكتب، ويقوم بقراءة القرآن على كامل الماء ويعيد القراءة ذاتياً، كما له خاصية التحكم في الصوت والتوقيف والاعادة، وخاصية الاحتفاظ بكمية من الماء داخل العبوة. وميزة الجهاز أنه يجعل بالامكان شرب مـاء بعد اسبـوع مقـروءا علـيه ختمـات عـدة. اضافة الى ذلك فان للماء الذي يشرب من هذا الجهاز خاصية التحصين من «العين والحسد والسحر». كما يزيد من مناعة الجسم، ويرفع مستوى الاستيعاب الدراسي وينشط الذاكرة، ويصلح علاجا للمشاكل الزوجية والامراض المزمنة والمستعصية، واعطاء القدرة على التحكم في التهور والتخلص من الخوف والتردد والقلق، وتحسين القدرة على النطق وسرعة الكلام، والوقاية من الامراض الخبيثة كالسرطان وغيره، والتخلص من العادات السيئة. كما يحصن شرب هذا الماء، وفق اعلان الجهاز، المسجل لدى وزارة الاقتصاد في الامارات، من الشيطان، ويطرده من المكان الموجود فيه الجهاز، وهذا يعني أن كل بيت يحتاج الى عدد منه. كما يساعد شرب ماء الجهاز في التخلص من حب الشباب، وهي من مشاكلنا القومية الخطرة!! ويساعد في السيطرة على «المايغرين» الصداع النصفي، والقضاء على الاحلام المزعجة، (وحتى الحشرات)، ويقوي جهاز المناعة، وغير ذلك الكثير، وثمنه بعد كل هذا يعادل 30 دينارا، شاملا التوصيل. وهنا نطالب بتعاون وزيري الصحة والتربية الجديدين والتكاتف واستيراد نصف مليون من هذا الجهاز، وتوزيعه على بيوت المواطنين بمعدل 4 اجهزة لكل بيت ليستفيد منه الجميع، اما المقيمون فبامكانهم تدبير أمورهم مع المصنع مباشرة. أكتب ذلك وانا على ثقة، بعد صحوة ما بعد الصحوة الأولى، والتي ضربت أطنابها مؤخرا في ديارنا، بأن البعض سيتضايق مما كتبت، وسيسعى آخرون حتما للحصول على الجهاز! وذكرني الاعلان بآخر نشر قبل سنوات في الكويت عن توافر «سراويل» اسلامية، هذا طبعا غير الحجاب الاسلامي، ولا أعرف ما هو الحجاب غير الاسلامي، وغير ذلك، فهي تجارة في الدين ربحها الدنيوي مضمون وهذا هو المهم!
أحمد الصراف
عليكم بتواير الوزراء
لمسات بسيطة كانت تنقص متابعي استجواب النائب عاشور لسمو رئيس مجلس الوزراء… بيانو وشمعتان ومنظر عاشقين متعانقين يقسم أحدهما للآخر: “معك إلى آخر محطات العمر”. ولا أظن أن عاشقاً يبحث عن الهدوء سيجد مكاناً أفضل من الكويت في فترة ما قبل وأثناء استجواب رئيس الوزراء الحالي، في حين لم يكن ينقص استجوابات رئيس الوزراء السابق إلا صافرات الإنذار، ونزول الناس للملاجئ، وإعلان الكويت “دولة منكوبة”، لشدة الصراخ والعويل والنحيب والولولة التي قامت بها وسائل الإعلام “التابعة”. مشكلة الأقلية الحالية أنها تريد أن تفعل كما فعلت المعارضة في البرلمان السابق، عندما أقلقت الحكومة السابقة وطردت النوم من عينيها. وإذا كانت غضبة المعارضة السابقة مغلفة برعد مزمجر مرعب وبرق لامع يخطف العيون وعواصف عاتية وأمطار غزيرة تغرق الطرقات وتسيل منها الوديان، فإن غضبة الأقلية الحالية جاءت على شكل ثلاث قطرات من المطر، لا رعد فيها ولا برق، لم توقظ حتى عنزة من قيلولتها. وإذا كان استجواب عاشور لرئيس الحكومة كقطرات مطر ثلاث، فإن استجواب النائب القلاف لوزير الإعلام سيكون بحجم قطرة واحدة، تك وبس. وبالطبع لن يخلو استجواب وزير الإعلام من الأداء المسرحي وتعبيرات الوجه ومط العيون والشفاه. فيا أصدقائي نواب الأقلية المنكوبة، تذكروا قول المثل: “ما كل من هاز الجبل يرقاه”، وترجمته ما كل من أقدم على صعود الجبل استطاع ذلك. وصدقوني، للاستجوابات رجالها وشروطها وفنها، وليس عيباً أن تفشلوا في أمر ما، بل العيب أن تستمروا في الفشل. دونكم أنا، فقد أردت أن أصبح لاعب كرة قدم، ولم يبق نادٍ رياضي لم أسجل قيدي فيه، لكن أحداً من المدربين لم يهده الله فيوافق على ضمي للفريق، لأنني، بحسب ادعائهم، لا أفرق بين حلبة الملاكمة وملعب الكرة، ثم إن قوانين الكرة تسمح بأن يمرر اللاعب الكرة بين رجلي خصمه، لكنها لا تسمح للاعب الذي مرت الكرة بين رجليه أن يبطح خصمه على الأرض ويجثم على رقبته وصدره، لذا كان قرار الطرد من النادي يأتي كلمح البصر، وكنت أنتقم من المدربين عبر عجلات سياراتهم وسيارات الإداريين فأفرغها من الهواء، وأحياناً أخطئ فأغزو عجلات سيارات أولياء أمور الناشئين. ولا يشعر بسعادتي، وأنا مختبئ أراقب المدرب وهو واقف إلى جانب سيارته يضع كفيه على وسطه أو على رأسه، إلا مجرب. لهذا، أقترح على كتلة الأقلية أن توفر الوقت على نفسها وعلى البلد، فتترك الاستجوابات، وتتجه إلى عجلات سيارات الوزراء. وبدلاً من أن تلتقط الصحافة صوراً للنائب المستجوب مع أمين عام البرلمان، ستلتقط صوراً للنائب المستجوب مع عجلة سيارة الوزير المراد استجوابه. فكروا في الأمر وستجدون أن إفراغ عجلات سيارات الوزراء من الهواء أشد عليهم من استجواباتكم لهم.
بين حزب البيجاما الكويتي وريادة الغنوشي
يجاهد متزمتو الدولة الدينية في مجلس النواب الكويتي لتفصيل الدستور على شكل “بيجاما” نوم قصيرة (تتناسب مع ثقافتهم) يرتدونها في المساء، وفي النهار ينزعونها حسب متطلبات العمل السياسي ولكسب اللاوعي الجماهيري. فمرة يطالبون بتعديل المادة الثانية من الدستور لتصبح الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع، بما يعني احتمال تفجير كل القوانين السائدة في الدولة حين يرى فقهاء اللاعقلانية أن القوانين السائدة كافرة. ومرة أخرى يتقدم أمراء حضارة الربيع العربي في دول البترودولار باقتراح يسوقونه على أنه “وسطي” يتمثل في تعديل المادة ٧٩ من الدستور، بحيث لا يجوز تقديم أي قانون يخالف الشريعة، وكأن الشريعة مجرد نصوص جامدة وتفسير فقهي واحد هم وحدهم دون غيرهم أحباره يفسرونه ويؤولونه كما يملي عليهم العقل المنغلق عن الثقافات والفلسفة الإنسانية. وفي كلتا الحالتين لا فرق في النهاية بين المطلبين حين ينتهيان إلى وأد “بقايا” الدستور، وما تبقى لدينا من ذكرى عابرة عن الدولة المدنية عشنا قليلاً تحت ظلالها أيام الستينيات. يحدث هذا في الكويت التي تحيا في بحبوحة خيرات أسعار النفط ودعوات الصالحين، ونطالع في تونس المحرومة من بركة الزيت الأسود خبراً عن قرار حزب النهضة الإسلامي يرفض فيه فرض الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع، ويكتفي بمادة في دستور ٥٩ تقرر أن دين الدولة هو الإسلام وأن العربية لغتها الرسمية. من يفسر هذا بأن حزب النهضة الإسلامي يحكم بائتلاف سياسي مع أحزاب أخرى علمانية هو الذي فرض مثل هذا الطرح الذكي من النهضة يعد تفسيره ناقصاً، فحزب النهضة لم ينزل وعيه التقدمي من السماء، ففي تونس فرض نظام بورقيبة منذ استقلال الدولة في أربعينيات القرن الماضي نظاماً شبه علماني في التدريس وفي القوانين وفي الثقافة التونسية بوجه عام، ورغم استبداد النظام البورقيبي فإنه وضع أرضاً صلبة للدولة المدنية للمستقبل، ورغم معاناة قادة حزب النهضة مع النظام “البورقيبي” وخلفه زين العابدين، فإن الثقافة التونسية المنفتحة فرضت نفسها على رؤية حزب النهضة لواقع الدولة، وفي هذا لا يوجد اختلاف كبير بين تاريخ تونس أيام بورقيبة وكمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة. مثل هذا التاريخ شبه المشترك في تركيا الكمالية وتونس البورقيبية لم يحدث في أي من الدول العربية القومية بشكليها الناصري أو البعثي، فرغم عداء تلك الدول القومية العروبية للتيارات الدينية واضطهادها لها، فإنها تناست الواقع الاجتماعي، ولم تحاول أن تنهض بالتفكير العلمي في دولها، وآثرت تلك الدول القومية العروبية الوسطية الانتهازية أن تبقي الباب مفتوحاً لخلط الدين بالسياسة، وجاء السادات في مصر والنميري في السودان ليحركا وفق مصالحهما الاستبدادية الحركات الدينية السياسية، وضرب القوى القومية الناصرية، وبقية الحكاية نعرفها حين انقلب السحر على الساحر في مصر، وهو السحر ذاته الذي قلب بن لادن المناضل ضد “الكفار” السوفيات في أفغانستان ليرفع السيف في ما بعد على حليف الأمس الساحر الأميركي. الأنظمة العربية الفاقدة للشرعية الديمقراطية اليوم التي تريد مسايرة “ربيعها” المغبر حتى تتجنب “شروره”، ضيعت بوصلتها، بسبب جهلها المركب في معنى التقدم والتغيير، فالعلة ليست علة حكم مستبد فقط، وإنما هي “علل” شعوب مغيبة الوعي التاريخي والعلمي لعقود ممتدة، والثورات الحقيقية التي تغير مستقبل شعوبها ليست “تغييراً” في شكل النظام الحاكم، وإنما في وعي الناس أي الجمهور، وتخليصه من هيمنة الأسطورة والخرافة في ثقافته، وفصل الدين كمنظومة أخلاقية إنسانية تخص الإنسان وفرديته والسياسة كتطلع للحكم. وهذا لن يحدث في “الربيع” العربي في الغد القريب، ويبقى على القوى التقدمية أن تتطلع للتجربة التونسية الفريدة كمدرسة يمكن أن يتعلموا منها الكثير لتأسيس الدولة المدنية، أما حال جماعة البيجاما الدستورية في الكويت، فلا جدوى منهم، فقضيتنا معهم خاسرة، والرهان على حماية سلطة الشيوخ لما تبقى من حرياتنا الفردية، هو رهان خاسر مقدماً، وليس على التقدميين كقلة يتقلصون يوماً بعد يوم في أمواج الدينيين غير الاعتماد على الذات، وقبل كل شيء عليهم فتح نوافذ الحوار مع الجماعات الدينية المعتدلة والمنفتحة على الآخر من طراز مدرسة الغنوشي والسائرين على دربه، فبهم يوجد بعض الأمل للتغيير.
رويترز والبنا
أجرت وكالة رويترز لقاء مع جمال البنا، شقيق مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين، وهو مفكر «إسلامي» كبير وله أكثر من مائة مؤلف وعشرات المقابلات التلفزيونية والمقالات المستنيرة، قال فيه ان من الأفضل لمصر حاليا أن يقودها رئيس «علماني»، وإن الخلط بين السياسة والدين مآله الفشل، مؤكدا أن شقيقه لم يكن ليقر خطط «الإخوان» في الحكم الآن، وأن هناك فرقا كبيرا جدا بين وضعهم فى الأربعينات والآن، وأن طموحات حسن لم تكن سياسية، بل جعل الإسلام منهج حياة! وحول المخاوف من صعود «الإخوان» والسلفيين، قال ان هناك تخوفات حقيقية لأن الرؤوس التي ترأس «الإخوان» والسلف ليس لديها أفكار من يحيا حياة العصر، أو يفهم كيف تنهض الدول فيه! وقال إن جماعة «الإخوان» صارت أكثر تشددا بمرور السنين في شأن حقوق المرأة بسبب انتشار الفكر الوهابي المتشدد، مضيفا أن السعودية حولت النساء إلى «شبح أسود»، وهنا يشير للنقاب والقفازات السوداء التي ترتديها النساء في المملكة، وأن الحجاب ليس من الإسلام وإنه تراث خليجي (!!). وقال انه يرفض خلط الدين بالسياسة، ويخالف في ذلك «الإخوان» الذين يرفعون شعار «الإسلام هو الحل». ويضيف «أي دولة تقوم على الدين لا بد أن تفشل، وتجربة ذلك موجودة في الإسلام والمسيحية». واوضح ان هؤلاء حققوا النجاح الانتخابي بدعم من شعور السخط الذي عانوه لعشرات السنين بسبب الاستبداد وليس بسبب تأييد شعبي لبرنامجهم، كثيرون من الذين انتخبوهم كانوا يقولون: «جربنا الاشتراكية والناصرية والقومية العربية، فلماذا لا نجرب الإخوان؟».
ويعتقد البنا أن من مصلحة مصر أن يحكمها رئيس ليبرالي، قائلا إن المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي كان الأنسب لرئاسة البلاد لكنه أعلن انسحابه من السباق!
هذه ليست شهادة رجل عادي، وشاب غر، بل هي شهادة مفكر كبير جاوز التسعين، ولا يزال متوقد الذهن عالما بما يقول، فمتى يأتي وقت الانصات لصوت العقل، وتغليب المنطق على العاطفة؟
أحمد الصراف
الملكية الدستورية في الخليج!
حضرت أخيرا منتدى ليبراليا خليجيا شهيرا اكتشفت مع ختام فعالياته ندرة الفكر الليبرالي الحقيقي في المنطقة، فما ان يقدم أحد المحاضرين رأيا حتى يتبارى الجميع في إعلان دعمهم لمحاضرته وفكره، بينما يفترض بالفكر الليبرالي أن تتنوع التعقيبات فيه بين مؤيدين ومخالفين دون زعل أو غضب، وهو ما قمت به ود.شملان العيسى مع كل ورقة قدمت في المنتدى كي نجرئ الليبراليين المخضرمين والجدد على ممارسة الليبرالية الحقيقية!
***
وقد طرح أحد المشاركين من السعودية ورقة بها تصوره لماهية الإصلاح في المملكة وتتلخص رؤيته في ضرورة التحول بالمملكة الى نظام الملكية الدستورية والأحزاب.. إلخ، وقد أيده كالعادة المعقبون وخالفته مبتدئا بالقول ان السعودية دولة مفصلية وليست محطة تجارب تخطئ وتصيب، فالتغيير المطلوب هو التغيير «للأفضل» وليس التغيير لذاته أو للأسوأ كي لا نبكي كالشاعر على يوم كان به فلما صار في غيره بكى عليه، وهو تماما ما حدث في عواصم الحضارة العربية ابان هوجة الخمسينيات والستينيات، ومازلت أذكر سرور الراحل الكبير د.أحمد الربعي بعدم نجاح ثورتهم في ظفار وإلا لأصبحت عمان المتطورة والمتقدمة والمستقرة سياسيا وأمنيا هذه الأيام كحال اليمن الجنوبي الذي قتل شعبه الأبي الجوع ودمرته الانقلابات والاغتيالات المتلاحقة!
***
ومما ذكرته في المداخلة أن نهج الملكية الدستورية عمل به في الممالك الأوروبية والممالك العربية في مصر والعراق والأردن والمغرب كون عائلاتهم الحاكمة لم تكن تنتمي في الأغلب للشعوب التي تحكمها حتى ان بعض ملوك بريطانيا من الأصول الألمانية ممن لم يكونوا يتحدثون الانجليزية كانوا يختارون وزيرا مميزا كي يتحدث عنهم سمي بالوزير الأول أو رئيس الوزراء، بعكس واقع الأسر الحاكمة في الخليج التي هي من صلب شعوبها، بل وتعتبر من أكبر أسرها وقبائلها.
***
كذلك، فعدد أفراد العائلات المالكة في أوروبا ومصر والعراق والأردن والمغرب وليبيا (بعد طرد الملك إدريس السنوسي أبناء عمومته من الحكم) لم يكن يتعدى أصابع اليد الواحدة، أي لا يضير كثيرا عزلهم سياسيا كأحد استحقاقات الملكية الدستورية، حيث لن يسمح بدخولهم لقبة البرلمان كنواب كي لا ينافسوا أفراد الشعب ولا كوزراء في الحكومات الحزبية، أما في الخليج فيتجاوز عددهم الآلاف، ولا يجوز منطقيا أن يكافأ من أنشأ الدول بتحويلهم الى مواطنين درجة ثانية لا يحق لهم ممارسة حقوقهم السياسية وقديما قيل: إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع!
***
ميزة أخرى لوجود بعض أفراد الأسر الحاكمة كوزراء في الحكومات المتعاقبة هي كونهم يقفون على مسافة واحدة من جميع شرائح المجتمع، وتظهر التجربة الكويتية الحالية والتجارب الحزبية في الملكيات الدستورية بمصر والعراق.. الخ، عيبا شديدا في تقلد بعض النواب والحزبيين للمناصب الوزارية، كونهم يميلون لمبدأ «الاستباحة» حيث يستبيح الوزير أو المسؤول المناصب الإدارية والأموال العامة في وزارته ويقوم بتوزيعها على الأحباب والأقارب والحزبيين كوسيلة للفوز في الانتخابات اللاحقة على حساب مصلحة الأوطان، ومنهاجية الاستباحة تلك هي التي كفرت الشعوب العربية بالحياة الحزبية التي كانت قائمة حتى الخمسينيات في دولنا العربية حيث لم يعد أحد آمنا على وظيفته أو معيشته.
***
آخر محطة:
(1) أظهرت تجربة نصف القرن الماضية أن القيادات السياسية الخليجية كانت في الأغلب أكثر ليبرالية من بعض القوى السياسية والشعبية المنغلقة والمتزمتة، وأكثر وطنية وإيمانا بالأوطان من كثير من القوى السياسية والشعبية التي لا تؤمن أساسا بالوطن وتعتبره وثنا.
(2) اكتسح التيار المتزمت الانتخابات البلدية في السعودية بنسبة مذهلة جدا هي 100% وهي حقيقة يفترض أن تجعل كل ليبرالي ووطني وعلماني يعود إلى رشده وألا يدعو الى ما.. يضره!
(3) عطفاً على ما كتبناه في مقالنا السابق يوم الاثنين عن الخطأ في عزف السلام الجمهوري لكازاخستان، اتضح لنا ان الفريق الزائر لم يحضر معه كما هو متفق ومعروف شريط السلام الخاص بهم، ومن ثم اضطرت الشركة الإعلامية الراعية لاستخراج السلام عن طريق الإنترنت الذي اتضح انه السلام الخطأ، وقد قام الاتحاد الرياضي المعني بالاعتذار رسميا كما حدث رغم انه لم يكن الجهة المعنية بالخطأ، بل اتحاد الوفد الزائر والشركة الإعلامية الوسيطة.
عندما يهان الكبير
على الرغم من أن مقر الاخوان المسلمين يقع في مصر فان امبراطوريتهم المالية والسياسية تمتد لعشرات الدول. ويقول الزميل ابراهيم عيسى، («الدستور» المصرية، 25/3)، إن دخلهم من اشتراكات الأعضاء في مصر وحدها يبلغ نصف مليار جنيه، كما تحصل الجماعة على نسبة من أرباح شركات رجال أعمال «الاخوان» تحت بند «التبرعات» وهذه تصل أحيانا الى 20 مليون جنيه. وتحصل كذلك على نصف مليار دولار كعائد على استثماراتها في دبي وتركيا وهونغ كونغ، ويتم تحويل هذه العائدات سنويا في صورة سندات في بنوك سويسرية. ومع ذلك، غالبا ما تكون خارج نطاق أي رقابة مالية أو سياسية! ويتكون هيكل التنظيم من المرشد العام، ومكتب الارشاد، ومجلس الشورى العالمي العام. وقد تأسست الحركة قبل 84 عاما (مارس 1928)، ويهيمن المرشد العام على كل شيء تقريبا، ويسعى التنظيم الى ايجاد حكومات اسلامية في كل الدول، عن طريق اصلاح المجتمع. ويبايع أفراد الجماعة المرشد بيعة الولاء، مع التعهد بالسمع والطاعة له، وهي طاعة تعلو على طاعتهم لدستور الدولة التي قد يصبحون أعضاء في برلمانها، وهم بذلك يشبهون نظام الحكم في ايران، حيث الولاء للمرشد الأعلى يأتي قبل اي ولاء. وقد رأينا مؤخرا كيف زاد نفوذهم في الكويت والبحرين والأردن، وامتد لتونس، حيث أصبح عضو مجلس شوراها العالمي، راشد الغنوشي، مهيمنا على كل شيء، وان من وراء الستار. ولمعرفة بعض ما ستقوم به جماعة الاخوان عند تسلمها للسلطة في أي بلد، وموقفها من القضايا العامة ومن الأقليات غير المسلمة بالذات، دعونا نتعرف على فكر واحد من أكبر دعاتها، وهو وجدي غنيم، الذي يبين، من دون اي مواربة، موقف الاخوان من ملايين المصريين والسوريين واللبنانيين من غير المسلمين، حيث ذكر، اثر سماعه نبأ وفاة الأنبا شنودة: الحمد لله بالأمس من فضل الله علينا هلك رأس الكفر والشرك المسمى شنودة، الله ينتقم منه، واستراح الناس منه والعباد والشجر والدواب(!!) استراحت مصر منه لأنه كان صاحب فتنة طائفية هذا الهالك المجرم الملعون المسمى شنودة، هذا الذي قالوا له إن القرآن في سورة المائدة يقول: «واذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله». قال شنودة لا لا احنا مش بنتخذ المسيح وأمه الهين من دون الله، دا المسيح هو الله! وهو كان واضحاً جدا في الحقيقة في عدائه للاسلام، وهو رد على شعار «الاخوان» القرآن دستورنا قائلا: الانجيل دستورنا، وردا على شعار «الموت في سبيل الله أسمى أمانينا»، قال: لا، الموت في سبيل المسيح أسمى أمانينا. وكان يقول بأن مصر محتلة من المسلمين، ويطالب بالغاء الشريعة الاسلامية واعتبار مصر دولة قبطية (!!) وكان يريد الفتنة الطائفية ويريد يولع مصر. يبقى بالله عليكم ده نعزي فيه، ولا نزعل؟ نحن نفرح لهلاكه، نفق والحمد لله، في ستين داهية، الله ينتقم منه في نار جهنم، هو وكل من يسلك مسلكه.
والآن هل نتوقع سلاما أهليا في أي دولة قد يحكمها «الاخوان» يوما، وفيها من هم غير مسلمين؟ وهل يستحق أصحاب مثل هذا الفكر تسلم السلطة وأن نثق بهم ونضع مصائرنا بين أيديهم؟ اين ذهب التسامح الذي يدعونه؟ اين المحبة أين الاخاء، أين العيش المشترك؟ وهل يجوز لـ «داعية اسلامي» وصف رجل دين كبير، غادر دنيانا وغير قادر على الرد، بمثل هذه الأوصاف التي تشمئز منها النفس؟ وألا ترون ان الأواني تنضح بما فيها؟ نص التصريح على الرابط
http://www.youtube.com/watch?v=uRRJA6Ej_x4&feature=youtube_gdata_player
أحمد الصراف
لهذه الأسباب ولد ميتاً
يفترض ان تتم مناقشة الاستجواب الذي قدمه النائب صالح عاشور إلى سمو رئيس مجلس الوزراء صباح اليوم الاربعاء. وقد لاحظ المراقبون ضعف الاهتمام الإعلامي بهذا الاستجواب. ولأول مرة يُقدَّم استجواب من دون أن تتعطل مصالح البلاد والعباد وذلك لسببين اثنين:
الأول، النهج الجديد الذي تعاملت به الحكومة مع هذا الاستجواب! فلأول مرة يتم الاعلان مبكراً ان الحكومة لن تطلب جلسة سرية، ولن تطلب تأجيل الاستجواب أو إحالته إلى «الدستورية» او «التشريعية»! هذه الخطوة جعلت النواب يثقون برئيس الحكومة وقدرته على تخطي هذا الاختبار السريع.
الأمر الآخر أن مادة الاستجواب فضحته! فمعظم المحاور لم يكن رئيس الوزراء الحالي مسؤولاً عنها، وهذا بعلم مقدم الاستجواب. اذاً، الهدف من تقديمه هو احراج الحكومة وطلبها إحالة الاستجواب الى المحكمة الدستورية وموافقة الاغلبية النيابية على الطلب لموضوعيته وعقلانيته ووجاهته، وبذلك يكون «ما فيش حد أحسن من حد»، اغلبية اليوم تتعامل بأسلوب أغلبية الأمس نفسه، وهو موافقة رئيس الوزراء على طلبه! لكن يا فرحة ما تمت. لذلك، ولأن هذا الاستجواب لم يقدم للاصلاح، سيكون معظم عقلاء المجلس ضده.
وللعلم، فالاستجواب يتوقع له ان يتوقف عند الجلسة الاولى اليوم لاستحالة ان يجد المستجوب عشرة نواب يوافقونه على اعلان عدم التعاون، اذ لم يتبق له إلا من لا دخل له بالرقابة والتشريع ولم يأت للمجلس للاصلاح (5 + 2).
***
فريق أول ضاحي خلفان
• أعلن الفريق أول ضاحي خلفان انه واستنادا الى معلومات غربية وصلته فان عام 2013 سيكون بداية سقوط الانظمة الحاكمة في دول الخليج، وان الاسر الحاكمة ستكون اسراً مالكة ولا تحكم! وطبعاً هذا سيكون بفعل فاعل وهم «الاخوان المسلمين»!
الاخ بوفارس.. كأنها قوية حيل! اذا «الاخوان المسلمين» في تونس ومصر ملكوا اغلبية في البرلمان ولم يتفردوا بالحكم بل اشركوا خصومهم معهم، فكيف بدول الخليج اللي ما لهم إلا اربعة من خمسين في الكويت وباقي الدول ماكو؟!
سؤال اخير لكن لصحيفتنا القبس: لو أن شيخ دين له موقف شديد من العلمانية والتيار الليبرالي في الكويت زار الكويت لمدة يوم واحد، هل كنتم ستتراكضون عليه لاخذ تصريح منه ونشره بالصفحة الأولى؟!
اللحية الطويلة تفل القصيرة
علماء النفس “يطلع منهم”، إذ يقدمون أحياناً أفكاراً ونظريات تربوية يمكن اسقاطها على الأوضاع السياسية أو الاقتصادية، أو حتى على رأس الجالس إلى جوارك. من أفكارهم في علوم تربية الأطفال: “إذا رغب ابنك في شيء ضار، وفشلت محاولات ثنيه عنه، فأغرقه فيه ليكتشف حقيقته ويعافه”.
ولو استمع عشاق الدولة المدنية في مصر إلى نصيحتي، لقلت لهم: “أنتم الفئة الأقل، والسيطرة اليوم للإخوان المسلمين يليهم السلف، فبدلاً من أن تعادوا الفئتين فتخسروا، لماذا لا توجهون أصواتكم إلى السلف كي يتغلبوا على الإخوان، فيستحوذوا على البرلمان والحكومة، ويضعوا أيديهم على كرسي الرئاسة، كغنائم انتخابات”. وإن قلتم لي ليش وما الحكمة؟ سأقول: “لأنه لا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يفل اللحية القصيرة إلا اللحية الطويلة، ولا يفل الإخوان إلا السلف”. وأجزم أن ربع الشعب المصري أو نصفه، بعد سيطرة السلف على الهواء والماء، سيهاجر ويهرب هروب من احترق بيته، دون أن يلتفت إلى الخلف، وسيبحث عن أبعد رقعة في الأرض ينيخ فيها ركابه، بحثاً عن الأكسجين المفقود في مصر، تماماً كما فعل العراقيون المدنيون بعد سيطرة المالكي وحزبه وحَمَلة فكره على مقاليد البيت العراقي، وبعد أن أصبح المعارض العراقي للمالكي، فجأة، معادياً لآل البيت، وكارهاً للحسين بن علي رضي الله عنهما.
خذوها مني، لا تقاوموا السلف ولا الإخوان المسلمين، كي لا تظهروا بمظهر أعداء الدين، الكارهين للخلفاء الراشدين، فقط انصروا أحدهما على الآخر، تحديداً انصروا السلف على الإخوان، وسيتكفل السلفيون بمصاريف الرحلة، وستصلّون معهم صلاة لا ركوع فيها ولا سجود (صلاة الميت) على آخر مواطن ينتمي إلى الإخوان (بالطبع لا أقصد الموت الجسدي، بل التنظيمي والفكري) إذ سيظهر الإخوان بمظهر العاصين لله المشكوك في منهجهم، والفرقة الضالة المضلة، وسيفوزون بكم دعوة في الأسحار “تشل يمينهم” و”تسكّن ما تحرك منهم وتُحرك ما سكن” و”يشتت الله شملهم ويذل عزيزهم ويعز غريمهم” ووو…
وتدور الأيام فيأتي يوم يخرج فيه تلاميذ المدارس في رحلاتهم المدرسية لتشرح لهم معلمة التاريخ: “هنا كان يجتمع الإخوان المسلمون، وهي جماعة انقرضت، حظرها حسني مبارك، ثم أبادها السلف! هذه آثارهم، وهذه رسوماتهم على الجدران، وهذه أوانيهم التي كانوا يتناولون فيها طعامهم، وهذه وهذه وهذه”.
بعد ذا، ستخلو الساحة للسلف، فيمنعون، أول ما يمنعون، التلفزيونات، وتمتلئ السجون بالفاسقين من مشاهدي التلفزيونات، وتمتلئ ساحات الجلد بالعاصين حالقي لحاهم، وتمتلئ المقاصل بالكفرة هواة الأغاني، ووو، إلى أن “تصفو” سماء مصر من كل “شائبة”، فلا يجد السلفيون من يُقصونه ولا من يجلدونه ولا من يكفرونه، فيلتفت بعضهم إلى بعض، ويشتم الجار منهم جاره فيكفّره وينفّره، عبر الحائط الفاصل بين بيتيهما، ويبدأ تراشق التكفير عبر البلكونات، فيطل هذا من بلكونته على جاره الجالس هو الآخر في بلكونته يتناول إفطاره مع زوجته وعياله: “اللهم اجعل الشاي الذي في يده يتحول إلى قطران مبين، اللهم واجعل التوستاية التي أمامه تتحول إلى حية تسعى فتلتهمه وأولاده وقبلهم زوجته حمالة الحطب، اللهم اجعل واجعل واجعل”، فيرد عليه الثاني بمثل دعائه “وتمنياته” أو بأحسن منها.
وهكذا حتى لا يبقى في بر مصر “عودٌ أخضر”، فيغضب المصريون غضبة لا قبلها ولا بعدها، فيتحولون إلى سيل جارف، ويعتمدون دستور الدولة المدنية العاقلة التي توفر السجادة للمصلي والمصلية، والمسرح للفنان والفنانة.
صدقوني، أنصار الدولة المدنية، لا أمل لكم في هزيمتهم، لذا، احرصوا على توفير المايكروفونات للسلف، وتحملوا تكلفة الكراسي في ندواتهم، وهيئوا لهم ساحات “القصاص”، وانتظروا إلى أن تحين ساعة الصفر، أو النصر.
خذوا النفط واعطونا الكتاب
كتب توماس فريدمان في «النيويورك تايمز» (3/10)، أنه عندما يسأل عن أفضل بلد لديه، عدا وطنه، فإنه يجيب: تايوان! فتايوان بلد خال من أي موارد طبيعية وأرضه صخرية ويقع في بحر تتلاطمه العواصف من كل جهة، وبحاجة لاستيراد كل شيء حتى الرمل والبحص، ومع هذا يمتلك رابع أفضل احتياطي مالي في العالم، لأنه اختار الحفر في عقول أبنائه بحثاً عن الإبداع بدلاً من الحفر في الأرض بحثاً عن المعادن، فالبشر هم طاقته الوحيدة غير الناضبة والقابلة للتجديد. ويقول إنه وجد إجابة لتفوق تايوان في دراسة لمنظمة OECD الإقليمية عن علاقة مخرجات التعليم في 65 دولة في مرحلة الثانوية، مقارنة بما تحققه كل منها من دخل من مصادرها الطبيعية، وأن هناك علاقة سلبية بين الثراء المتحقق من الموارد الطبيعية، كالنفط، وبين مخرجات التعليم وما يحصل عليه الطلبة من معرفة ومهارات، وأن الظاهرة عالمية. وبيّنت الدراسة أن طلبة سنغافورة وفنلندا وكوريا وهونغ كونغ واليابان حققوا أفضل النتائج بالرغم من خلو دولهم من الموارد الطبيعية، بينما حقق طلبة ثانويات قطر وكازاخستان والسعودية والكويت وسوريا والجزائر والبحرين وإيران أسوأ النتائج، وحقق طلبة لبنان والأردن وتركيا، الأقل في مواردهم الطبيعية، نتائج أفضل. وأن طلبة دول مثل البرازيل والمكسيك والأرجنتين، الغنية بالموارد الطبيعية، حققوا نتائج متواضعة في الوقت الذي حقق فيه طلبة كندا وأستراليا والنرويج، الذين تتمتع دولهم بغنى الموارد نفسه، نتائج جيدة، لأن هذه الدول حافظت على ثرواتها بطريقة سليمة، وأعادت إحياءها، واستغلت العوائد بطرق سليمة، وابتعدت عن استهلاك ما حققته من ثروات في الرواتب والمنح، كما يفعل البعض بجنون واضح. ويقول فريدمان إنه يمكن قياس تقدم دولة ما في القرن الـ 21 من خلال ما تنفقه على «خلق» المدرس الناجح، وتربية الأبناء وزرع الجدية فيهم والاهتمام بمقرراتهم، وليس بما تمتلكه من ذهب وألماس ونفط، فمستوى مخرجات التعليم هو الذي سيحدد قوة أمم المستقبل وثراءها وليس الدخل من الموارد الطبيعية، ولو نظرنا إلى جنسية غالبية الشركات المدرجة في سوق ناسداك، بخلاف الاقتصادات الكبرى، لوجدنا أن جميعها فقيرة في مواردها الطبيعية، فالمعرفة والمهارات هما عملة المستقبل. (وأعتقد أن سبب تميز اقتصاد دبي وشعب البحرين عن بقية «المشايخ والممالك» يعود لفقرهما النفطي)! ويختم فريدمان مقاله بأن من المفيد أن يكون لدى دولة ما نفط وغاز وألماس، ولكنها تصبح بلا جدوى إن لم تستغل بطريقة سليمة، خصوصاً أن هذه الموارد تضعف أي مجتمع في المدى البعيد، إن لم يتم الاهتمام بالتعليم والإيمان التام بالثقافة، فالذي يحرك الإنسان ليس الذي يأتي إليه طوعاً، بل ما يدفعه ليحضره بنفسه.
وقد ذكّرني مقال فريدمان بمسابقات مزاين الإبل، واختيار أفضل تيس وأجمل نعجة، وهذا ربما لا بأس به كتسلية، ولكننا نصبح دولة بائسة عندما نعطي التيس أهمية أكبر من التعليم! كما ذكّرني المقال بما سبق أن ذكرته في محاضرة للأستاذ إبراهيم البليهي من أننا، كخليجيين، لا يمكن أن تقوم لنا قائمة والنفط موجود، وأن الحاجة هي التي ستجعلنا ننهض! ولكني اكتشفت أخيراً أننا في خضم شراهتنا للصرف، وإهمالنا التعليم، وجمعية معلمينا خير مثال، فإن النفط سينضب بأسرع ما كنت أتصور، وبالتالي لا حاجة لحرق آباره! وتساؤلي قبل الأخير هو: لماذا يهتم البعض كل هذا الاهتمام بتوفير أفضل التعليم لأبنائه، ولو على حساب راحته، وتفشل الحكومة في توفير الأمر ذاته لأبنائها، على الرغم من أن مواردها وقدراتها أعظم بكثير؟ وأخيراً: ألم يحن الوقت لنصحو من «سكرة البترول»؟
أحمد الصراف