علي محمود خاجه

خسرنا

اجتهدنا وعملنا وخسرنا الانتخابات فتقلص عدد ممثلينا في المجلس إلى ما هو أقل من القليل، واستوطنت لحى السياسة و”الفرعيون” والطائفيون من المذهبين في المجلس. تلك هي الديمقراطية، وهذا هو اختيار الناس باستثناء “الفرعيين” طبعاً، فهم ليسوا اختيار الشعب بل هم مزورون لإرادة الأمة.
ولأنها الديمقراطية فإني أقبل بها، ولو أن مخرجاتها تخالفني ولا تمثلني، ولكني قطعاً لن أقتحم أو أحرق أو أكسر أو أشتم في سبيل تغييرها، بل سأمارس دوري طوال سنوات المجلس أو أيامه في كشف تعدياتهم على الدستور إن تعدوا، ومعالجة أسباب خسارة تياري الوطني المدني المخلص ذي المبدأ.
ويبقى السؤال الملح على عقلي منذ بدء الانتخابات إلى اليوم هل أخطأ التيار المدني في سلوكه ومنحاه في الفترة الماضية كي تحجب عنه ثقة الكثيرين؟ والإجابة نعم أخطأ، ولكن قبل الشروع في مناقشة خطئهم لابد أن أشير إلى عقلية أغلبية من شارك في التصويت من أهل الكويت اليوم والنتائج قطعاً تعكس العقليات.
العقلية التي سادت هي المذهب أو القبيلة أولاً، وثانياً المعارضة بعقل أو دون عقل لا يهم فالمهم المعارضة، أو الموالاة بعقل أو دون عقل أيضاً لا يهم… فالمهم الموالاة، ولنا في المخرجات أمثلة؛ مدانٌ أكثر من مرة بالنصب والاحتيال لكنه فاز لتطرفه، وآخر متهم بتضخم الحسابات لكنه أيضاً فاز وهو الوحيد من المتهمين الذي فاز بالانتخابات بالمناسبة، وتيار وقف ضد الكويت في الغزو، رحم الله سعود الناصر الذي كشف ألاعيبهم، لكن الكويتيين اختاروهم، وآخر لم يقف للعلم فحظي بعدد هائل من الأصوات، وموالون للحكومة السابقة بخيرها وشرها انتخبهم الناس، ومعارضون للحكومة السابقة بخيرها وشرها وفازوا كذلك.
هكذا كان الاختيار الشيعي لا يعطي السنّي والعكس صحيح، والقبلي لا يعطي الحضري والعكس صحيح، تلك كانت أصوات أغلبية الناخبين ممن شاركوا في التصويت ولا يمكنهم إنكار ذلك فالأرقام تتحدث.
أما تيار المبدأ الذي وقف مع الحق أينما كان فرفض وذكّر، كما رفض ياسر الحبيب، وطالب بدخول الفالي كما طالب بدخول العريفي، وأدان “الاقتحام” كما أدان “الإيداعات”، وتصدى لمن يشتم القبائل كما تصدى لمن يشتم أي مكون آخر من مكونات المجتمع، هو الوحيد الذي خسر الانتخابات.
ولكنه أخطأ في خجله أحياناً في إعلان مواقفه بصراحة وبسرعة، وهو ما يحتاج إلى عمل الكثير لإعادة الدور السابق الذي لا يخجل من الحق، فالشيعي بات يعتقد أنه لا أحد معه سوى أبناء طائفته، والسني كذلك، والقبلي كذلك، وهو أمر غير صحيح إطلاقاً، فالتيار المدني التزم بمبدأه ولكن صوته كان خافتاً بالمقارنة مع البقية.
إننا اليوم مطالبون كتيار بأن نكون صرحاء في مواقفنا وبأعلى صوت دون التخوف من أن نخسر أحداً، فقد خسرنا الانتخابات وكسب كثير من المتطرفين، ولا يوجد شيء نخسره أكثر، لا للحسابات السياسية ولا للمواءمة وغيرها من الأمور بل الصراحة والجرأة ولا شيء سواهما.

احمد الصراف

الرقي والإنسانية

سبق ان تطرقنا قبل عشر سنوات تقريبا لموضوع هذا المقال، ونعيد كتابته بعد الترحيب الذي لقيه مقال سبقه عن الدرس الحضاري الذي تعلمته من سيدة إنكليزية!
ما ان أقلعت طائرة الخطوط البريطانية من مطار هيثرو، في طريقها لبوسطن، حتى اقتربت المضيفة من مسافرة وسألتها إن كانت قد فقدت شيئا، فنفت هذه ذلك! عادت لها بعد دقيقتين وكررت السؤال وطلبت منها ان تبحث في حقيبة يدها، وأن المطار على اتصال بكابتن الطائرة بهذا الخصوص، وان الإرسال سينقطع خلال لحظات! هنا بحثت السيدة في حقيبة يدها فتبين أنها فقدت محفظة نقودها، وفيها مبلغ نقدي لا بأس به وبطاقات ائتمان أشياء ثمينة ومهمة أخرى! أسرعت المضيفة لمقصورة القيادة، ورجعت بعدها لتخبرها بأن محفظتها عثرت عليها بائعة محل العطور، التي أبلغت الأمن الذي قام بالبحث عنها، وفي أثنائها أقلعت طائرتها، فاضطروا للاتصال بقائدها، وهو في الجو، ليُعلموا المسافرة بالأمر! لم تنته الحضارة هنا، بل استمرت في دراميتها عندما سألت المضيفة المسافرة، وهي تخبرها بأن محفظتها سترسل مع الرحلة التالية، إن كانت تحمل نقودا معها، أو ان احداً بانتظارها في المطار، فعندما نفت ذلك، قالت لها انها ستعطيها مبلغ 100 دولار نقدا لاجرة التاكسي ولشراء أي ضروريات! وفي اليوم التالي حضر موظف من شركة الطيران لعنوان سكن السيدة، وسلمها محفظتها بكامل ما كان فيها من نقد وأشياء ثمينة أخرى! هنا نجد أن الحضارة ظهرت في أجمل صورها من خلال تصرف بائعة شابة، ربما كانت في أمس الحاجة لما كان في المحفظة من مال، وكان بإمكانها الاستيلاء على المبلغ، أو حتى التأخر في إعلام الأمن، وهي على ثقة بأنها سوف لن ترى يوما وجه من نسيت محفظتها، لتقول لها «شكرا»، إن هي ردتها لها، ولا أعتقد انه طرأ على بالها دين ولون ولغة وجنسية من نسيت المحفظة، وهذا ذكرني بفتوى الداعية السعودي الذي حلل الاستفادة من بطاقات الائتمان المسروقة إن كان مصدرها بنكاً ربوياً! كما تجلت الحضارة في سرعة تصرف أمن المطار وتجشمهم عناء الاتصال بالطائرة هاتفيا، بعد الاستدلال عليها من خلال تفاصيل بطاقة صعود الطائرة التي أبرزتها المسافرة عند الشراء من محل العطور، وأخيرا توجت مضيفة شركة الطيران هذا الرقي والإنسانية في التعامل مع «البشر»، بسؤال المسافرة عن الكيفية التي ستصل فيها إلى بيتها، إن لم يكن لديها أجرة التاكسي وتبرعها بمائة دولار، وهو مبلغ كبير جدا في معناه بالرغم من تواضعه! وهنا يطرح سؤال نفسه طرحا: كم نحتاج لكي نصل لهذا المستوى من الإنسانية والرقي في التعامل مع البشر بصرف النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية؟

***
• ملاحظة: هذا ليس ملخصا لفيلم هندي، فالمسافرة كانت، ولا تزال، زوجتي، وكان ذلك قبل 25 عاما.

أحمد الصراف

www.kalamanas.com

عادل عبدالله المطيري

ثورة وزير التربية!

«التربية» تعد من أهم وزارات الدولة، منها تبدأ التنمية الشاملة وإليها تنتهي، حيث إنها تعنى بثروة البلد الحقيقية، فلا قيمة لتنمية مادية لا تهدف لبناء الإنسان نفسه قبل أن تنمي محيطه المادي، فالجامعات والمعاهد ومراكز البحث العلمي هي عصب التنمية، ويجب أن تكون على رأس أولويات الخطة التنموية، هناك العديد من مناطق الكويت بحاجة ماسة إلى مدارس، كما أن مناهج التدريس يجب أن تتطور، فبعضها جدا صعب ولا يتناسب مع أعمار الطلبة وقدراتهم، فمثلا مقرر الرياضيات للصف السابع به مسائل إحصائية أكثر تعقيدا مما يدرس لمادة الإحصاء في جامعة الكويت.

يجب أن تتدرج المناهج وفق خطط مدروسة من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية، وبذلك لا تكون هناك مرحلة أو صف معين تكون به الجرعة التعليمية عالية جدا فتربك الطالب وولي أمره، لذا يجب مراجعة مستوى الامتحانات من لجنة فنية محايدة من جامعة الكويت ومعالجتها كما وعد الوزير، بعد تكرار احتجاج الطلبة وأولياء أمورهم على صعوبة الامتحانات.

والمعروف أن المرحلة الثانوية في العالم لا يتعداها الا الطلبة المتميزون ناهيك عن الحصول على نسبة فيها.

وعلى العموم يجب أن تتناسب مناهج الثانوية مع امتحاناتها، لا مانع من أن تكون المناهج غنية بالمعلومات والمهارات وبالتالي تكون الامتحانات صعبة على قدر تلك المناهج، ولكن أن تكون المناهج بسيطة والامتحانات غاية بالصعوبة، هنا يكمن الخطأ.

ان نتائج الثانوية العامة للسنة الماضية وما شابها من لغط، منها سهولة الامتحانات وعمليات الغش الكثيرة والتي استخدمت بها أحدث وسائل الاتصالات يجب ألا تكون معيارا للمقارنة للسنوات التي تليها.

كما نتمنى على الوزير ألا تكون لجان المراقبة على الامتحانات من نفس المدرسة وذلك لمزيد من الشفافية والحيادية.

وأخيرا التعليم العالي، نحن بحاجة لتخصيص أرض حدودية وعمل البنية التحتية لها فقط وعلى الفور لتكون نواة لمدينة جامعية، ومن ثم إعطاء التراخيص لجامعات عربية عريقة لتفتتح فروعا لها، العملية غير مكلفة وبسيطة، ولا تحتاج الا الى قرار جريء وسريع.

وحتى إنشاء مقرات للجامعات الخاصة ممكن أن تعطى تراخيص مؤقتة لعمل مقرات لها في مبان مؤجرة من التربية أو غيرها، كذلك من الممكن التوسع بالابتعاث مؤقتا لاستيعاب مخرجات الثانوية العامة حتى الانتهاء من المبنى الجديد للجامعة في الشدادية.

معالي الوزير نحن نثق بك، والمعروف عنك الشجاعة بالحق، واعتمادك على جيل من الشباب المختصين من الجامعة، فالتعليم في الكويت بحاجة إلى ثورة، لا أتوقع أحدا يجرؤ على القيام بها إلا أنت.

ونتمنى كذلك على سمو رئيس الوزراء تجديد الثقة في وزير التربية، فالتعليم ليس بحاجة إلى رجل يملك رؤية فقط بل قدرة على الدفاع عن تلك الرؤية بكل شجاعة لا تتوافر إلا في قلة من السياسيين منهم الوزير المليفي.‏

سامي النصف

تأملات في الانتخابات

حفاظا على مصلحة الكويت وبقائها، يجب أن تقر الحكومة الجديدة بأخطاء الحقبة السابقة لتصحيحها والاستفادة منها، كما يجب أن تقر قوى المعارضة بأخطاء المرحلة السابقة لتصحيحها والاستفادة منها، وألا تعتبر سياسة حافة الهاوية المتمثلة بالخروج للشارع وتحريك الشباب والاصطدام برجال الأمن أمرا جيدا يجب تكراره، ولنا فيما يحدث في مصر الحبيبة هذه الأيام عظة وعبرة، وإن تكرار سياسة الوقوف على حافة الهاوية قد ينتهي بسقوط الجميع في الهاوية وحينها سنندم حين لا ينفع الندم.

****

يرى البعض أن مجلسنا الحالي هو «مجلس الخمسات»، حيث فاز فيه 5 من حدس و5 من السلف و5 من التكتل الشعبي و5 من العجمان و5 من العوازم و5 من مطير و5 من الرشايدة و5 من القوى الوطنية رغم تباينها (الصقر، الغانم، الراشد، العدساني والعنجري)، لذا لن يبقى أكثر من 5 أشهر قبل حله (!) شخصيا أنا متفائل وأرجو أن تصل الخمسة أطراف الفاعلة في المجلس (الحكومة، قوى السنة، الشيعة، القبائل، الحضر) لتفاهمات تراعي مصلحة الكويت وتوصل المجلس لسنته الرابعة دون مشاكل ومن ثم تجرى الانتخابات في السنة الخامسة.. دون حل!

****

لعبة حسابية طريفة: اجمع الأصوات التي حصل عليها من تم إنزالهم لـ«التشتيت» ثم أضفهم لأصوات بعض المرشحين الحكماء والعقلاء ممن كانوا يستحقون تلك الأصوات لولا نزول المشتتين، وستجد أنه كان بالإمكان وبسهولة فوز مرشحي الحكمة والتعقل، فالتشتيت ـ كما ذكرنا سابقا وكما أثبتته نتائج الانتخابات الحالية ـ يتسبب في كل مرة بفوز القوى السياسية المضادة لمن يدفع بنزول المشتتين.. ويا له من ذكاء سياسي كويتي.. خارق!

****

قال الشيخ محمد عبده «في مصر مسلمون دون إسلام وفي فرنسا إسلام دون مسلمين»، في بعض الدول المجاورة تبرز ظاهرة ديموقراطيين دون ديموقراطية يعكسها رقي الحوار في منتدياتهم و«تويتراتهم»، وفي الكويت ديموقراطية دون ديموقراطيين يعكسها بالمقابل حدة النقاشات والاتهامات ووفرة الشتائم في المنتديات و«التويترات» الكويتية ومعها الرفض الدائم من قادة الكتل السياسية لسماع الرأي الآخر فيما يطرحونه، نصحنا «الأخير» لليبراليين والوطنيين ألا يسعوا لهلاك تيارهم عبر الجري خلف دعاوى الحكومة الشعبية والدائرة الواحدة وإنشاء الأحزاب، وأعلم بشكل مسبق أنهم وكالعادة لن يسمعوا النصح أو القبول بالرأي الآخر وسيكتشفون وكالعادة أيضا خطأ مسارهم بعد السقوط في الحفرة، لا قبله، وليست كل حفرة قابلة للخروج منها.

****

آخر محطة:

(1) يقال إن نقل جلسات مجلس الأمة تلفزيونيا سيتحول من القناة الأرضية الرابعة الى…قنوات الجزيرة الرياضية لكثرة ما ستشهد من معارك ومصارعات حرة!

(2) لنا عودة لمقارنة نتائج الاستفتاءات بنتائج الانتخابات.

حسن العيسى

نكسة للحرية أم مرحلة حتمية!

صحيح، كما كتب الزميل محمد الجاسم في موقعه، أن نتائج الانتخابات كانت “رسالة غضب” تحدث عبرها الشعب الكويتي عن استيائه من أداء السلطة حين كان يطالب عبر الندوات والتجمعات بإقالة الحكومة السابقة، ووجد في هذه الانتخابات فرصة لا تعوض لرد الاعتبار لما سبق من تجاوزات في استعمال العنف والقسوة ضد التجمعات الشعبية.
ومهما تكن الأسباب المفسرة لتألق نجم التيار الديني والسقوط المروع للقوى التقدمية – إن صحت التسمية- فإن رسالة الغضب الشعبية جاءت في غير مكانها الصحيح، فلم يكن ضحايا السقوط فقط هم “ربع الحكومة” المتعيشون من صدقاتها وكرمها، بل إن الضحايا الحقيقيين هم دعاة الحريات الاجتماعية من مطالبين بإعمال روح الدستور الذي تخنقه اليوم حبال الأصوليات المحافظة بتحالفاتها الانتهازية مع قوى التخلف الرجعية، فصالح الملا وأسيل العوضي وحسن جوهر على سبيل المثال لم يكونوا يوماً من الواقفين في طوابير باب النفقات الحكومية، بل لعلهم دفعوا أثمان مواقفهم الصلبة في قضايا الحريات ومعارضة السلطة في الحق؛ تفسير نتائج الانتخابات على أنها رسالة غضب صحيح جزئياً، ولكنه لا يمثل حقيقة الواقع في الكويت، وما يجري في المنطقة مع صعود المرحلة الخمينية (تعبير توماس فريدمان)، فما حدث في الكويت، وقبلها بدول الربيع “السلفي” هي نتائج حتمية لتشوهات في بنية هذه الدول، وعجز أنظمتها عن وضع مجتمعاتها في مضمار الحداثة الحقيقية، إذ آثرت تلك الأنظمة في سبيل ديمومة بقائها أن تبقى النزعات الرجعية المتخلفة في المجتمعات العربية على حالها، ما دامت هي بمنأى عن المساس بالنظام الحاكم، وكان نظاما السادات والنميري قدوتين صالحتين تقتدي بهما بقية الأنظمة العربية وتستلهم تجربتهما، ووجدت الولايات المتحدة ضالتها في الإسلام السياسي بالأمس لتقويض الاتحاد السوفياتي، وكانت تجربة المجاهدين الأفغان التي عاشت على البترودولار مثالاً حياً في حرب الوكالات ضد العدو الشيوعي، أما اليوم، فبالتأكيد لن تكترث دول الغرب إن صعد التيار الأصولي- القبائلي وأمسك بخناق الحكم وتمت التضحية “بالقلة” التقدمية ونحرت الثقافة وجزت رقاب المثقفين والأدباء والفنانين على مذابح منصات حفر البترول، فلعل دول الغرب مقتنعة بأن المرحلة التي تمر بها شعوبنا حتمية في مسارها التاريخي، وتذكرها بالتاريخ الأوروبي في نهايات القرن السابع عشر، أو لعل الدول الغربية تأست بما نسب لسعد زغلول في يأسه من الواقع “مافيش فايدة ياصفية”، وهي صفية العرب اليوم… لنتأمل ما حدث في العراق، ثم ليبيا والآن سورية، ولنترك اليمن التعيس، فهو يمثل نموذجاً رائعاً لما قد تؤول إليه دول منطقتنا تحديداً.
لنعد إلى الكويت، فنتائج الانتخابات “شبه” الديمقراطية هي هزيمة للديمقراطية ذاتها. الديمقراطية لا تذهب إلى حفلات تنكرية ولا تضع القناع الديني ولا الطائفي ولا العنصري أو العرقي على وجهها كما حدث الخميس الماضي، إلا إذا كنا مؤمنين بصناديق الاقتراع التي أتت بالنازيين في ألمانيا والفاشيين بإيطاليا قبل الحرب الكونية الثانية. ليس للديمقراطية غير الوجه الليبرالي الإنساني، أما غيره فليس سوى أقنعة كاذبة.

احمد الصراف

لا شيء يدوم.. لا شيء!

فاز المناصرون والمنتمون للأحزاب الدينية ومن الجماعات المعارضة «للحكومة» فوزا واضحا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهذا ما كان ليحصل لو كانت السلطة أكثر إدراكا للوضع. فوصولهم بهذا الزخم الواضح، وبنسب غير مسبوقة ليس إلا نتيجة أمرين اثنين رئيسيين، إضافة الى أمور ثانوية أخرى، الأول يعود الى فشل الحكومات المتعاقبة، بسبب تخلف المناهج الدراسية، وعلى مدى أربعين عاما، في خلق مواطن ينتمي الى وطن حر ومستقل، وليس منتميا أو منحازا أو حتى متعاطفا مع قبيلته، التي أصبح مجرد الحديث عنها خطا أحمر، أو عن طائفته، وخطها الأكثر احمرارا. وقد أوضح عالم الاجتماع علي الوردي في كتابه عن شخصية الفرد العراقي «والتي أصبحت بسبب سوء مخرجات التربية لدينا صالحة لأن تنطبق على الفرد الكويتي»، كيف يتحول الدين أحيانا في السياق الطائفي الملتهب إلى هوية مغلقة ومجردة من أي التزام أخلاقي، وتوصل إلى أن الإنسان العراقي «أقل الناس تمسكا بالدين، وأكثرهم انغماسا بين المذاهب الدينية، فتراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية أخرى» (علي الوردي: شخصية الفرد العراقي، ص 47). فلو لم يبد المتشددون الشيعة كل هذا الانحياز لطائفتهم، لما اضطر مناوئوهم من المتطرفين السنة إلى وضع خلافاتهم العميقة جانبا والتكتل ضدهم، والعكس صحيح طبعا، فصعب ان نقول ان كانت البيضة قبل الدجاجة أم العكس!
أما الأمر الثاني فيتعلق بفشل الحكومات، خاصة حكومة الشيخ ناصر المحمد الأخيرة، التي بلغ فيها الفساد على مدى سنوات مبلغه، في تحقيق أي إنجاز أو تنمية تذكر. وبالتالي كان طبيعيا نجاح من حاربوها وعارضوها، والدليل فشل، أو عدم ترشح، جميع، إلا واحد، من النواب السابقين الذين خضعوا لاستجواب النيابة، بسبب تضخم أرصدتهم البنكية بصورة مفاجئة!
والآن هل هناك أمل في تغيير الوضع؟ الجواب بنعم صعبة ومشروطة بأمور ثلاثة:
أولا: غربلة المناهج الدراسية بشكل جذري وجعلها أكثر ليبرالية، وأقرب الى العلمانية، وتجسيد الانتماء للوطن قبل القبيلة والمذهب والعائلة.
ثانيا: تطبيق القوانين على الجميع، دون تمييز، وحتى على ابناء الأسرة.
ثالثا: العودة الى الدولة الدستورية، التي أصلا لم توجد إلا لسنوات قليلة! وهذه هي الأكثر صعوبة.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

قراءة هادئة في النتائج

قلنا اكثر من مرة.. إن لكل فعل ردة فعل معاكسة.. وهذا ما حصل في الانتخابات الاخيرة.. حيث كان الهجوم على التيار الاسلامي واضحا من قبل بعض وسائل الاعلام وبشكل غير مبرر وبعيد عن الواقعية، حتى وصل الفجور في الخصومة الى اتهام بالتخطيط لقلب نظام الحكم!! فجاءت رسالة الناخب الى خصوم هذا التيار بهذه النتائج، وبالعكس فاحراق خيمة احد المرشحين ومحاولة «تذكية» شبيهه في احدى القنوات وتكسيرها جاءتا بنتائج عكسية كذلك!!.
الربيع العربي وصل الى الكويت.. لكن بطريقة كويتية.. هادئة.. سلمية.. قانونية..!! قال الشعب الكويتي كلمته.. انه مؤيد وداعم للتيار الاسلامي مهما قيل عنه ما قيل.. وانه ضد التيار العلماني الليبرالي مهما تزين وتزلف وحسّن صورته اعلاميا. فقد اثبتت الايام ان المعارضة مطلوبة في المجلس القادم لتوقف سيل الفساد الجارف والمدعوم من حكومة سابقة ونواب سابقين، لكن هذه المعارضة مطلوبة من تيار ذي معدن اصيل نقي طاهر لم يدنسّ.. معارضته متزنة.. هادئة.. بعيدة عن الحناجر العالية ولكن دون تهاون مع الباطل.. مطلوب معارضة توقف التطرف الطائفي الذي يريد ان تكون الكويت بحرين ثانية!! ويريد ان ينتزع الكويت من جسد مجلس التعاون الخليجي ليلقيها في احضان ضفاف الخليج الشرقية!! مطلوب معارضة لا يمكن الاستحواذ عليها بمنصب وزاري او مناقصة او معاملة علاج في الخارج، مطلوب معارضة تجتمع لتحديد اولويات شعب اختارها.. وتسعى لتمرير هذه الاولويات بهدوء تحت قبة البرلمان من دون صراخ او تأزيم او اضاعة وقت المجلس دون انجاز!!.
اليوم خصوم الديموقراطية يراهنون على فشل هذا المجلس.. لانهم لا يرون ديموقراطية الا بوجودهم وسيطرتهم على مجريات اللعبة الديموقراطية، وهؤلاء الخصوم لا يرون ديموقراطية الا اذا جاءت نتائجها وفقا لمصالحهم.. وإلا فإنها مزيفة او ناقصة!!، وهكذا هم يدعون الديموقراطية وهم ابعد ما يكون عنها في الممارسة والواقع.
ولعل من اهم نتائج الانتخابات غياب المرأة!! واريد ان اؤكد ان سبب غيابها هو الاداء الذي كان دون طموحات المؤيدين لها في المجلس السابق.. كذلك لم يحقق تواجد المرأة في المجلس ما قيل عنه قبل منحها الحقوق السياسية من انها ستساهم في تحسين اداء المجلس، بل تاهت المرأة بين صرخات الرجال وتحركاتهم.. وان تكلمت احداهن قالت «لا تسيسوا السياسة!!»، كذلك لا يمكن ان ننكر ان البدائل بين المرشحات لم تكن بالمستوى الذي يحقق طموحات الناخبين المؤيدين للمرأة!! حتى الاخت ذكرى الرشيدي، التي كان مؤيدوها يتأملون منها تحقيق انجاز في هذه الانتخابات، لم تحسن التكتيك عندما افتتحت مقرها في الفروانية باستضافة بعض من استضافتهم مما كان صدمة للحضور وافقدها الكثير من رصيدها، ولعل توصية الزميل عبداللطيف الدعيج في مقاله يوم الانتخاب، على التصويت لها كان الضربة القاضية!!.
ولا ننسى احد الزملاء الذي يكتب عموده في احدى الصحف، وكان يذكر قراءه دوماً بتصويت بعض النواب ضد اعطاء المرأة حقوقها السياسية ويطالب المرأة بمعاقبتهم.. بس يا خسارة العقاب صار للمرأة وهم نجحوا!!.

سامي النصف

تسونامي الغضب في 2/2

نتائج الانتخابات هي انعكاس لتوجه الناس في فترة ما، لذا فالقراءة الصحيحة للنتائج تدعو لتغيير الاتجاه العام للدولة كي يتم ارضاء توجهات الناخب الذي هو الرقم الصعب في العمل الديموقراطي الذي ارتضيناه منعا لاستمرار غضبه وانفجاره!

****

تسونامي نتائج انتخابات 2/2/2012 هو:

ـ تسونامي غضب شديد ضد الفساد الحكومي والتشريعي الذي أزكمت رائحته الأنوف، فالفساد كان وسيبقى احدى أكثر الوسائل اثارة للعامة، والواجب الحرص الشديد في الفترة القادمة على اقرار قوانين النزاهة والذمة المالية ولجان القيم والبدء بعمليات تطهير الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية من الفساد المعشش في أروقتها وتسليم قيادتها لدماء كفؤة أمينة جديدة.

ـ تسونامي غضب ضد أصوات الاعتدال السني والشيعي والدفع بمنهاجية المواجهة القوية بين الطرفين عبر اسقاط المعتدلين منهم وانجاح المتشددين على قاعدة… كفى!

ـ تسونامي غضب ضد أصوات الاعتدال الحضري ـ القبلي والدفع كذلك بمنهاجية المواجهة القوية بين الطرفين عبر اسقاط المعتدلين وانجاح المتشددين على قاعدة.. كفى!

ـ تسونامي غضب ضد ما يراه بعض الناخبين والناخبات على وجه الخصوص من اخفاق النائبات في عملهن (لا يهم دقة او عدم دقة هذا الادعاء).

ـ تسونامي غضب ضد أصوات الحكمة والتعقل والرزانة (والنائبات ضمن ذلك التوجه) في البلد، فلم يعد صاحب الخطاب العاقل يحوز حتى أدنى الأصوات لصالح صاحب الطرح المؤجج والمدغدغ الذي يسمى كذبا بـ «الطرح القوي»!

ـ تسونامي غضب ضد أصحاب المال ورجال القطاع الخاص بعد ان نجح البعض في تشويه صورة رجال الرأسمالية الوطنية رغم كفاءتهم وحسن طرحهم فسقط البعض منهم وتراجع ترتيب البعض الآخر.

ـ تسونامي غضب من شباب القبائل ضد الفرعيات حيث تم تصدير وتقديم من خرج عليها.

****

كما أثبت تسونامي 2/2:

ـ ذكاء وحسن ادارة الإسلاميين للعبة الانتخابية الى حد يقارب الكمال عبر انتشارهم في الدوائر الخمس والعمل ضمن الواقع القبلي والحضري والطائفي والاستفادة من التحالفات الناجحة وتبادل الأصوات.

ـ الغباء الشديد للتيار الليبرالي الذي دفع سابقا بالتحول للدوائر الخمس مما حرمه من عدة دوائر ضمن نظام 25 دائرة كانت مغلقة بالمطلق او شبه المطلق عليه، كما دفع باتجاه حل المجلس وعدم الاكتفاء بحل الحكومة رغم ان المزاج العام في البلد والمنطقة يظهر بوضوح انصراف الناس عنه، والأمران حذرنا منهما في حينه في عدة مقالات وآخرها في نوفمبر الماضي ولكن لا حياة لمن تنادي.

****

آخر محطة:

(1) في ظل ما حدث في مجلس 2009 من «طق» دون حساب او عقاب وعدم وجود لجان قيم برلمانية، أنصح «بعض النواب» بأن يدخلوا المجلس مرتدين زي محاربي الساموراي الياباني او حديد فرسان العصور الوسطى الأوروبي حيث سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه من سيعتدي عليهم وستسطر به أروع وأجمل القصائد وسيضمن نجاحه لخمس دورات انتخابية برلمانية قادمة على الأقل، وقد أعذر من أنذر!

(2) رغم كل ما يقال.. لا أعتقد اننا سنرى عمليات ارتفاع أصوات بين بعض النواب حيث سيتفرغون.. لأمور أهم!

(3) أخيرا.. مبروك لكل الفائزين والرجاء فتح صفحة جديدة، فعبر تعاون السلطات يتم الانجاز، وعبر الافتراق يتم الاخفاق، والكويت وشعبها يأملون الكثير من المجلس القادم فلا تخذلوهم.

احمد الصراف

أقوال أندي

بعد 92 عاما على وجه الكرة الأرضية، وليس البسيطة، كما يقول البعض، والتي تعني المبسوطة، غادرنا قبل شهرين أندي روني، أحد أشهر المعلقين الساخرين في التلفزيون الأميركي الذي عمل في شبكة «سي بي اس» من 1978 وحتى وفاته بشهر، واشتهر من خلال برنامج 60 دقيقة. كانت ل‍روني قدرة عجيبة على قول كثير في جمل قصيرة لا تزيد على السطرين. وانتشرت اقواله على الإنترنت، وأصبحت جزءا من الثراء الإنساني الأدبي، وكان يسعد كثيرا عندما يسمع الآخرين يرددون جمله، حتى من دون الإشارة إليه، ومن تلك الجمل: تعلمت ان من الأفضل أن اكون رحيما، من أن اكون على حق! وتعلمت ألا أرفض هدية مقدمة من طفل. وتعلمت أنه بصرف النظر عن جدية حياتنا ودورنا فيها، فإننا بحاجة دائما الى صديق. وتعلمت أن الجميع، أو كل واحد منا، في لحظة من العمر، بحاجة الى يد حنون تمسك بيده، وقلب رحيم يتفهمه. وتعلمت أيضا أن الحياة هي كلفافة ورق التواليت، كلما اقتربت من نهايتها أصبحت أكثر سرعة. وتعلمت أن اكون ممتنا لأنني لم احصل على كل ما تمنيته في حياتي. وتعلمت أن الثراء لا يشتري الرقي، وتعلمت أن الأشياء الصغيرة التي تحدث لنا كل يوم هي التي تجعل الحياة رائعة. وتعلمت أن تجاهل الحقيقة لا يمكن لأحد أن يخفيها أو يغيبها. وأن الوقت كفيل بأن يداوي جميع الجروح، وتعلمت أيضا أن من اسهل الطرق لكي أتقدم في الحياة، هو أن أحيط نفسي بأشخاص أفضل مني واكثر علما وخبرة. وأن كل من نقابل يستحق على الأقل ابتسامة منا. وأن لا أحد منا كامل إلى أن نقع في الحب، فنؤمن بكماله! وتعلمت أن الحياة صعبة، ولكني أكثر صلابة منها! وتعلمت أن ليس هناك فرص ضائعة، فما افقده يحصل عليه شخص آخر، وأننا عندما نقبل برسو الحزن على موانئنا، فإن سفينة السعادة سترسو في ميناء آخر. وتعلمت ( وهذا ما لم أتعلمه أنا) أن تكون كلماتي رقيقة ورحيمة، فقد أضطر غدا لمضغها! وأن الابتسامة ارخص طريقة لكي نحسن من مظهرنا!
أكتب هذا متمنيا للجميع حياة سعيدة، ولو أنني أشعر بأن من السهل ترداد مثل هذه الأقوال، من القيام بها، فقد أجريت أخيرا عملية زرع أسنان صعبة ومكلفة جدا، وحاولت أن أريها لكل من أقابل، وأن أعود نفسي على الابتسام، فما استطعت، فقد تشققت اطراف شفتي من الشد المفتعل الذي لم اعتده طوال 60 عاما. وكررت لنفسي القول ان علي ألا أنسى الابتسام، ولكني نسيت ذلك أكثر من مائة مرة في اليوم الأول، فتوقفت عن التصرف ببلاهة، واكتشفت، وربما أكون على خطأ، أن من لديهم، أو لديهن ابتسامات آسرة وجميلة يعود سببها لتركيبة وجوههم، وليس بالضرورة لأنهم قرروا أن يكونوا مبتسمين دائمين!

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

أعيدوا النحاس نحاساً

فجأة، لا نعرف من أين جاءت هذه الفجأة، انقلب كل شيء رأساً على عقب، فارتفع سعر النحاس وانخفض سعر الذهب، واختلت الموازين، وذهل التجار الحقيقيون، ووضعوا أيديهم على رؤوسهم، واحتجوا: “هذا نحاس، إنهم يغشونكم”، فنادى منادٍ من الغوغاء: “أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون”.
وجاء يوم تكفل فيه هذا بتوفير البنزين، وتكفل ذاك بإحضار الحطب، والثالث بتوريد أعواد الثقاب، والرابع حجب الريح بثوبه ووو، وجاؤوا به ليشعلها، فاشتعلت النار أمام بيوت في أطراف القرية، فتعالت صرخات المحترقين، وتعالت ضحكات الحارقين، قبل أن يحملوا النار إلى داخل “أحواش” البيوت.
كان العقل في إجازة لسنوات أربع عجاف، وكانت العيون رمداء، وكان القانون على فراشه يحتضر، وكان الشيطان على رأس عمله، وفي قمة نشاطه وحيويته، فارتفعت الحناجر: “القرية كاملة ستحترق”.
وفجأة أخرى، نعرف هذه المرة من أين جاءت، اشتعلت القرية كلها، فتعالى صراخ الجميع.
لن تنطفئ نار قريتكم ما لم تضعوا النحاس في مكانه والذهب في مكانه.
***
كنت على وشك استئذان القراء وإدارة التحرير للراحة قبل أربعة أشهر، لكن عقارب الساعة وعقارب أخرى حالت بيني وبين إجازتي، ثم دخلنا مرحلة الانتخابات، فقررت تأجيلها إلى أن تضع الانتخابات أوزارها.
واليوم، وبعد أن صمت الكلام في ظل هذه الحرائق المتبادلة، وبعد أن لملمت الانتخابات ثيابها، أشعر أن الإجازة تراودني عن نفسها.
على أن أكثر من يحتاج إلى إجازة هي الكويت، لكنها قبل الإجازة تحتاج إلى رعاية طبية من أطباء مهرة، يجيدون إجراء العمليات الصعبة لاقتلاع الأورام السرطانية التي انتشرت في جسدها حتى كادت تقتلها.
***
شكراً لكل من شاركنا في العزاء في وفاة خالي رحمه الله، ولا أراكم الله مكروهاً في عزيز، و”إنا لله وإنا إليه راجعون”.