سامي النصف

مطلب الناس كافة.. أعطوهم فرصة!

  نبارك للإخوة الوزراء الجدد ثقة القيادة السياسية بهم ونشكر الوزراء السابقين على ما قاموا به من جهد لخدمة وطنهم، ونذكّر مرة أخرى بأن نجاح الحكومة الجديدة هو نجاح لنا جميعا من أقصى شمال البلاد الى أقصى جنوبها، وإفشال عملها هو فشل لنا جميعا، لذا فمطلب جميع الكويتيين هو ان تعطى الوزارة الجديدة الفرصة كاملة للعمل دون ان يتم استقصاد قياداتها او وزرائها بالاستجوابات الكيدية.

***

في برلمانات بعض الدول الأخرى ينجح المحافظون فيشكلون الحكومة ويبقى الليبراليون من الحزب المنافس ممثلين في المجلس، وفي ديموقراطيات أخرى يفوز المحافظون في الانتخابات فيعين الليبراليون من رجال ونساء في المجالس الموازية مثل الشورى والأعيان.. إلخ، للتأكد من تواجد جميع التوجهات تحت قبة البرلمان، وفي الكويت الوزراء هم نواب بالتعيين، لذا يستحسن ان يتم اختيار أغلبهم من التيار الأقل تمثيلا في البرلمان، اي اذا فاز الوطنيون والليبراليون وجب ان يكون أغلب الوزراء من الإسلاميين والعكس بالطبع صحيح.

***

ونتائج الانتخابات هي انعكاس لتوجهات الناس في فترة معينة من الزمن، إضافة بالطبع الى مقدار مهارة التيار السياسي المعني في عقد التحالفات وحسن استخدام الموارد المالية والإعلامية كي يحقق النجاح على منافسيه، وهذه النتائج «المؤقتة» التي يمكن ان تتغير الى العكس في الانتخابات اللاحقة كما حدث مرارا وتكرارا في الانتخابات الكويتية، يجب ألا تستخدم لإملاء تعديلات دستورية ذات صفة «دائمة»، فحين ينجح المحافظون أو الليبراليون في انتخابات الدول المتقدمة لا يستغلون ذلك الفوز في تغيير دساتيرهم كي لا تصبح مجالا للعب والمناكفة مع ظهور نتائج كل انتخابات.

***

عرضت المعارضة مشكورة شرط توزير 9 وزراء اي الأغلبية في مجلس الوزراء، وهو امر لو تم لتحولنا الى منهاجية الحكومة الشعبية دون الحاجة لتعديلات دستورية، المرجو ألا يصبح ذلك الرفض عذرا للعودة سريعا لمنهاج المعارضة لأجل المعارضة والمناكفة ومن ثم إشغال البلد فيما لا ينفع، كي لا يحبط الناس من الديموقراطية والعملية السياسية بعد ان تزداد فجوة التقدم والإنجاز بيننا وبين الأشقاء الخليجيين.

***

آخر محطة: الشكر الجزيل للمنسق العام للملتقى الإعلامي الكويتي ـ الأردني الأخ منصور العجمي على الجهد الطيب في التحضير والتنسيق لذلك المنتدى الذي حضر فعالياته جمع من كبار المسؤولين الأردنيين تقدمهم وزير الإعلام راكان المجالي، والشكر موصول لسفير الكويت في الأردن د.حمد الدعيج وطاقم السفارة والزملاء الذين سعدنا برفقتهم، د.سعد البراك وحجاج بوخضور وفيصل القناعي وجاسم كمال ووائل الشطي.

احمد الصراف

يا صاعدين المصاعد

لسبب لا أعرفه وجدت نفسي في أكثر من مناسبة في مصعد معطل، خاصة في بيروت، بسبب استمرار انقطاع التيار الكهربائي فيها، وفي مصر، بسبب قدم عماراتها ومصاعدها، وفي الكويت مرة واحدة، لسبب لا أعرفه، ولكني أعرف أن %90 من مصاعدها تفتقد شروط السلامة! وعندما يتعطل بك المصعد فقد تكون وحيدا، أو تجد معك من يخفف الوحشة عنك، والمثل الشعبي يقول «حشرة مع الناس عيد»، ولكن الآخر قد يكون سببا في ارتباكك وإصابتك بقلق شديد، أو أن تكون أنت سببا في قلق الآخرين، خاصة أن عدد المصابين برهاب الأماكن المغلقة أو المرتفعة، ليس بالقليل، وهذا ما عرفته مؤخرا، وهؤلاء لا يمكن أن تعرف مرضهم إلا متأخرا، فهم عادة لا يظهرون خوفهم للملأ، وبالتالي من الأفضل، أن يتعطل بي المصعد وليس معي أحد، فتجاربي السابقة لم تكن سارة ابدا، فعدم وجودهم يدعو أكثر الى محاولة التصرف بمنطقية أكثر، في غياب الصراخ وطلب النجدة والتعرق الشديد، والضرب على باب «الأسانسير» وغير ذلك من التصرفات التي لا قدرة للمصاب بالرهاب على التحكم بها.
ولكن أن حدث ووجدت نفسك محبوسا في مصعد معطل، فأول شيء يجب تذكره هو الاحتفاظ بهدوء الاعصاب، فليس هناك أسوأ من الشعور بالارتباك والاقدام على تصرف خاطئ. وعليه يجب أولا المحافظة على الهدوء والتفكير في طريقة مناسبة للاتصال بقريب أو صديق أو البحث عن رقم حارس المبنى أو شركة صيانة المصعد بداخله. كما ان بعض المصاعد تزود بخط هاتف «حار».
ثانيا، إن تعرض المصعد لعطل خطر، وبدا هبوطه بسرعة، دون ضابط، فعليك الضغط فورا على ازرار جميع الطوابق، فهذا سيشغل المصدر الاحتياطي للكهرباء، وسيساعد ذلك في توقف المصعد عند أحد الطوابق.
ثالثا، تمسك بقوة بالمسكات الموجودة في المصعد، وهذه لا تتوافر عادة في المصاعد الرخيصة الثمن، وتمسكك سيساعدك في حفظ التوازن والتخفيف من قوة الصدمة.
رابعا، اسناد الرأس والظهر إلى أحد جوانب المصعد، ووضعهما في خط مستقيم، وهذا سيحمي العمود الفقري إلى درجة كبيرة، مع ثني الركبة قليلا للتخفيف من قوة الصدمة على صابونتي الركبتين.
هذه معلومات بسيطة قد ينتج عن حفظها واتباعها في وقت الحاجة إنقاذ حياة عزيز، وبالتالي يرجى اطلاع ابنائكم واحبائكم عليها. ونطالب الإدارة العامة للإطفاء، والدفاع المدني، وهي جهات لم تشتهر أصلا بادائها الجيد بسبب ترهلها وظيفيا، وكونها «مقبرة للكفاءات، الاهتمام ولو قليلا بمواصفات المصاعد المستخدمة، خاصة في المباني القديمة أو السيئة المصنعية، فغالبيتها تفتقر الى أدنى درجات السلامة!

أحمد الصراف

www.kalamanas.co

مبارك الدويلة

عندما يفقد السموّ بريقه

محاولات سمو الشيخ جابر المبارك لعمل نقلة نوعية في العمل الحكومي اصطدمت، كما توقع الكثيرون، بحائط الترسبات العميقة طوال الخمسين سنة الماضية، فباءت بالفشل. لقد حاول إيجاد منصب شعبي لنائب أول لرئيس مجلس الوزراء.. ثم تواترت الأخبار عن وزير وزارة سيادية شعبي.. فاستبشر الناس خيراً بهذا الرئيس الجديد وهذا النهج الجديد، ولأول مرة شعر الناس هنا في الكويت بأن النظام يتفاعل مع مخرجات الانتخابات، وأن هذه النقلة النوعية ستؤدي إلى استقرار في الحياة السياسية، وتحرك عجلة التنمية بعد أن تعطلت من حكومات الفساد المتعاقبة على البلاد خلال السنوات الأخيرة!!
بعد ذلك جاءتنا الأخبار بأن التخلف في التفكير يضرب أطنابه هناك، وأن هذه النقلة هي حلم قد يتحقق عندما نسافر في رحلات سياحية إلى القمر، فرجعنا إلى المربع الأول، وتم إلغاء منصب النائب الشعبي الأول لرئيس الوزراء، وبعدها غض النظر عن وزير داخلية من غير أبناء الأسرة وكأننا يراد لنا أن «لا نطمر العرفج»!! وأن ننتبه إلى أننا مازلنا في أول السلم الديموقراطي!!
كاد الأمر أن ينفرط عند هذه اللحظة، وشعر سمو الرئيس بالإحباط، إلا أن إصراره جعله يلجأ إلى أفكار أخرى تتفق مع النهج الجديد.. فأوصل رسالة إلى جميع القوى السياسية يطالبها بالمشاركة في الحكومة القادمة حتى يضمن نجاحها ونحقق أول إنجاز من نوعه في العمل السياسي، وهو أن الحكومة تمثل المعارضة السياسية أو الأغلبية البرلمانية!!
تفاعلت القوى السياسية الممثلة بالبرلمان مع نداءات سمو الرئيس.. وتراجعت عن قراراتها السابقة برفض المشاركة في الحكومة، وطالبت بأن تشارك مشاركة فاعلة وبالعدد الذي يضمن الإصلاح لا الاتباع فقط!! وقدموا قائمة ببرنامج عمل حكومي إصلاحي. وافق سمو الرئيس على البرنامج الإصلاحي لأنه هو ما كان يطالب به، لكنه تحفظ على العدد المطلوب للمشاركة فيه، وطلب وقتاً للتشاور مع صاحب الشأن، لكننا بعدها رجعنا إلى المربع الأول من جديد، فرفضت مطالب الأغلبية البرلمانية التي بدورها رفضت المشاركة.
وحتى كتابة هذا المقال لا أعلم كيف سيتصرف سموه؟ هل سيستمر في البحث عن كفاءات مستقلة تحقق طموحه الإصلاحي؟ هل سيأتي بحكومة محصنة برلمانياً أم مكشوف ظهرها للمعارضة؟! هل يا ترى أن هناك أمراً دبر بليل حتى تكون نهاية رجل شجاع مع أول محاولة إصلاحية له؟! هل وراء الأكمة ما وراءها؟ أسئلة ستكشف الأيام المقبلة الإجابة عنها. لكن ما أكاد أجزم به اليوم هو أن «السمو» فقد بريقه في هذه الحكومة.. وأصبح كالطائر المكسور الجناح!!

حسن العيسى

طريقنا للصوملة

معارضة تورا بورا الكويتية بمجملها رفضت المشاركة في حكومة الشيخ جابر المبارك، عذرها الذي لا يتحدث عنه صراحة الرافضون إلا أنه أصبح “من عاداتنا وتقاليدنا” السياسية المفضوحة أن الوزراء العاديين (الشعبيين) “لا يهشون ولا يكشون”، وأنهم واجهة سياسية لاستكمال الشكل الدستوري، وأن الإدارة الحقيقية بيد الوزراء الديلوكس من أسرة الصباح الحاكمة، فهم بيدهم مقاليد الأمور، ويمسكون الدولة بمفاصلها من صغيرة وكبيرة، فالقضايا اليومية العادية تترك للوزير الموظف، أما المسائل الكبيرة والقرارات المهمة فهي اختصاص مغلق على مجلس الوزراء المصغر، وكما سميتها من زمان حكومة الحكومة (يعني عيال الشيوخ فقط).
ولأجل ذلك وجد نواب مجلس “طبقات الشعب” الكويتي أنه لا داعي أن يشاركوا النبلاء في الحكم (على غرار مجلس طبقات الشعب الفرنسي قبل الثورة الفرنسية) ما دامت أمور الدولة لن تكون بأيديهم.
رأي ثوار كبد لا معنى له اليوم، وفي مثل الظرف الكويتي الدقيق والحساس، بسبب حالة الاستقطاب الفئوي والطائفي الحادث بالدولة – وببركة فيروسات الجهل والانغلاق الثقافي والديني عند أغلبية الجمهور الكويتي من دون أن ننسى الدور السلطوي الحاكم في نشر عدواها- فقياس جابر المبارك بنفس المسطرة التي قيس بها من قبله فيه ظلم كبير عليه، وفيه افتراض سوء النية بجابر المبارك على غير وجه حق، ونلاحظ كثرة الأدبيات الإعلامية التي حملت رئيس الوزراء الجديد تبعات وزر من سبقه لمجرد كونه نائباً، وكأنه مجرد امتداد لمن سبقه، وإن كان لمثل هذا الرأي أي صحة فلم لا يعطى جابر المبارك فرصة إثبات نفسه، على الأقل، والمحك في النهاية عمله وإنجازات وزارته في دولة تاه عنها الإنجاز والتقدم منذ زمن طويل، بسبب تبادل الاتهامات بين الطرفين المجلسي والحكومي، وكلا الاثنين اسوأ من الآخر للأسف.
جابر المبارك في وضع لا يحسد عليه، فهو مطالب بالكثير في دولة وإقليم تضطرم فيه نيران التمردات والحروب الأهلية التي تطل بوجهها القبيح أحياناً لتعيدنا إلى الحالة القبلية حين تتجسد الدولة بالنظام الحاكم، وعندما يسقط النظام تتهاوى تلك الدول المصطنعة وتتفتت قبائل بعقيدة واحدة مهيمنة، وتضطهد الطوائف الأخرى المستضعفة، والكويت تضج “بالمطفقين” والتفهاء الذين يهرول إليهم من في قلوبهم مرض، مثل محمد المليفي وأصحابه، ومن هم على شاكلته المنتظرون دون ملل على أبواب المحاكم لتقديم شكاوى الحسبة سيراً على نهج شيخ طريقتهم يوسف البدري في مصر. يبحثون عن الشهرة من أظلم أبوابها!
ندرك العوار الكبير في النظام شبه الديمقراطي في الكويت، حيث لا أحزاب، ولا تداول للسلطة، مع غياب الفصل الحقيقي للسلطات، وانعدام الضرائب، وتركز الثروات العامة بيد السلطة الحكومية وضرب الدفوف خلفها، إلا أنه رغم ذلك يمكن ومن خلال المشاركة في الحكومة من خلال النواب وأحزابهم غير المعلنة يمكن (ربما) نجد مخرجاً من حالة الضياع التي نجابهها اليوم، ولنقر تماماً بأنه لولا ورقة التوت النفطية لكشفت عوراتنا على الجميع، فهل نمد اليد إليه أم نترك النار قرب فتيل الانفجار ينفخ فيها العنصريون الذين يسبحون بنعم السلطان وبركاته من جهة، ومن جهة أخرى يسكب الزيت عليها أطفال روضة بن لادن والظواهري يريدون جلد خلق الله وقطع رقابهم بحجة أنها حدود الله، وكأن لديهم وكالة حصرية من الحق دون النظر إلى اختلاف الظروف والزمن، أم نترك الكويت نهباً لحروب الطوائف والتناحرات القبلية – القبلية والحضرية – القبلية، وننسى معايير المساواة وحكم القانون وأبسط مفاهيم وحدة المواطنة التي يفترض أن نحيا بظلها، وننسى التنمية المستدامة والسنوات العجاف القادمة لا محالة، فنضحى صومال الخليج بعد أن كنا درة الخليج.

احمد الصراف

قيامة أحد الدعاة

ربما نكون، بخلاف غالبية شعوب الدنيا، الأكثر نقداً للإنترنت واستخداماً له في الوقت نفسه، ولكنه أصبح مؤخراً، وفي منطقتنا، أداة تجهيل وعبث، بدلاً من وسيلة اتصال شبه مجانية ورافد عظيم للمعرفة! ومن بين مئات الرسائل التي تردني يوميا هناك رسائل غاية في الخطورة من ناحية قوتها التجهيلية، تبين بوضوح الفرق الشاسع بين طبقات المجتمع في فهمهم وتقبلهم للدين، بين كونه دينا للعبادات، أو أداة إلهاء وإرهاب وتعمية، ويختفي التساؤل متى ما عرفنا ما يحققه مؤلفو هذه الكتب من ثروات، متى ما وضعوا هذا الكلام ضمن دفتي كتاب، أو قالوه في خطبة ما، فهناك مثلا من يصف عذاب القبر، وآخر يتكسب من تفسير أحلام الجهلة والمرضى النفسيين، ومن يصف أحداث يوم القيامة، وما بعد بعد يوم القيامة، بتفاصيل وشروحات وصور توضيحية خيالية إلى أقصى درجة، ومثال ذلك كتاب لأحد الدعاة مكون من 600 صفحة! والمؤلم أن غالبية أو جميع من يدّعون العلم بأحداث يوم القيامة يصرّون على أنهم استقوا ما في كتبهم من «علم» من كتب مؤرخين إسلاميين، ولا يترددون، دون خجل، من التربح من مجهود غيرهم الفكري، على تواضع مادته، وهم بذلك يتربحون بسبب عدم رغبة الكثيرين في أن يجهدوا أنفسهم في البحث والقراءة، وهذا ربما يعذرون فيه، ولكن قارئي كتب هؤلاء يصرون في الوقت نفسه على عدم الارتفاع بتفكيرهم لمستوى طفل في العاشرة من عمره، ورفض تصديق كل ذلك الكم من الخزعبلات التي تتضمنها كتب هؤلاء، والتي لا يقولها دين ولا يقرها عقل!
وفي رسالة على الإنترنت لاقت رواجا كبيرا، يتحدث كاتبها بتفصيل ممل عن الكيفية التي سيموت فيها كبار الملائكة، نقلا عن كتاب «بستان الواعظين ورياض السامعين» لابن الجوزي، حيث يتطرق لأحداث يوم القيامة، بعد نفخ «إسرافيل» في الصور النفخة الأولى فتستوي الأرض من شدة الزلزلة، فيموت أهلها جميعا، وبعد موت ملائكة السموات السبع والحجب والسرادقات والصافين والمسبحين ‏وحملة العرش وأهل سرادقات المجد والكروبيين(!) ويبقى جبريل وميكائيل واسرافيل ‏وملك الموت! ثم يصف الكاتب كيف قبض ملك الموت أرواح الملائكة الثلاثة الكبار، وكيف بكوا طالبين من الله أن يهوّن عليهم سكرات الموت! ثم يأتي دور ملك الموت نفسه، فيقول الله (كما في الرواية): وعزتي وجلالي لأذيقنك ما أذقت عبادي، انطلق بين الجنة والنار ومت، فينطلق بين الجنة والنار فيصيح صيحة، لولا أن الله أمات ‏الخلائق لماتوا عن آخرهم من شدة صيحته، فيموت‏. ثم يخرج الله تبارك وتعالى إلى الدنيا فيقول: يا دنيا أين أنهارك؟ أين أشجارك؟ وأين عُمَّارك؟ أين الملوك وأبناء ‏الملوك؟ وأين الجبابرة وأبناء الجبابرة؟ أين الذين أكلوا رزقي وتقلبوا في نعمتي ‏وعبدوا غيري؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد،‎‏ ‏فيرد الله عز وجل فيقول: الملك ‏لله الواحد القهار (!!) والحقيقة أنني لن أصاب بالدهشة إن اكتشفت أن هذا ما يتم تعليمه لطلبة الكثير من المدارس المؤدلجة، أو الذين يتم تحضيرهم للقيام بمهام انتحارية، فمن يقرأ هذا الكلام ويصدّقه يهن عليه القيام بأي أمر وفعل!

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

هل تذكرون؟

شتموا القبائل، ولم يهب لهم القانون، وتفرج بعض المواطنين والنواب عليهم وهم يشتمون دون وجود قانون يطبق ليحميهم، فكان حلهم التكسير والتخريب، وحصل من شتمهم على مقعد في المجلس.
شتموا عقيدة الشيعة وإمامهم المعصوم، وطعنوا حتى في توحيدهم، ولم يهب لهم القانون، وتفرج بعض المواطنين، وكثير من النواب عليهم، فلجأ الشيعة إلى الشارع يهددون، واستعانوا بمن شتم القبائل للدفاع عنهم!!
وزاد متابعو الشاتم في “تويتر” بمقدار 40 ألف متابع خلال أيام، ولو كانت الانتخابات لم تنعقد بعد لكان الشاتم عضوا في مجلس الأمة مع بقية زملائه الشاتمين.
الأمر طبيعي والكره قائم ومستمر، والقانون كذلك غائب وأيضا مستمر، فإن شتمت الشيعة فدائرة واحدة من الدوائر الخمس ستشتمك، وقد تفوز بثلاث دوائر أخرى ودائرة ستتفرج عليك، أما إن شتمت القبيلة فستشتم في دائرتين، وقد تفوز في ثلاث دوائر أخرى.
تلك هي الحسبة، وهذا هو واقع الحال، ولم يعد يفيد أبدا أن نستذكر أسرار وأحمد وهشام ووفاء وقشيعان وفايق وفيصل، فهي مجرد أسماء ستمر دون أن يستطيع البعض أن يكملها أصلا، ووحدة الغزو لن تتكرر حتى إن تكرر الغزو لا سمح الله.
هذه هي الحال والحكمة المفترضة غائبة، فمعول هدم واحدة تكفي للإطاحة ببناء عمره يفوق الربع قرن، لقد تردت بنا الحال لدرجة وصلت إلى أنه حتى من كان يدافع عن الجميع، قبيلة أو مذهباً أو أي فئة أخرى، إن تم عزلهم عن المجتمع أو تخوينهم أو التشكيك في وطنيتهم، أقول حتى من كان يدافع عن كل هؤلاء دون حسابات انتخابية هو الوحيد الخاسر.
هل تذكرون صالح الملا الذي وقف مع القبائل كما مع المذهب ورفض التعرض لهم؟ رفضتموه، هل تذكرون أسيل العوضي التي نادت طوال حملتها بأنه لا بد للعقل أن يحكّم كي لا نعيش في غابة، لم تنتخبوها!! هل تذكرون محمد بوشهري؟ وهل تعرفون أحمد العبيد الذين كان من الممكن لهم أن يختاروا طريق الفرز الطائفي فيكسبوا المقاعد، ولكنهم رفضوا فخسروا الطائفتين؟
هل سمعتم بوسمي الوسمي الذي تمرد على أعراف القبيلة وطرح نفسه مرشحا للجميع لم تمنحوه فرصة تمثيلكم خير تمثيل؟ هل تعرفون محمد العبدالجادر الذي ردد دائما وسط القلوب “يا كويتنا”، الكويت مجردة من أي تقسيم آخر هو الآخر لم تساندوه؟ هل سمعتم بحسن جوهر الذي وقف مع الحق فاعتبرتموه مخرباً لعلاقتكم بالسلطة فأخرجتموه من المجلس؟
اخترتم من يدافع عنكم، ولو ألغى الآخر وشتمه وحرق مقره أو أهدر دمه، اخترتم من يصمت عن أذاكم إن لم تؤثر به خسارة أصواتكم، وتركتم من يدافع عنكم كلكم ككويتيين، فقط ككويتيين.
لا أحتاج أن أسرد أكثر فاختياراتكم تحرق وطني والحكومة لا يوجد في قاموسها ما يسمى بالقانون، لكن أود أن أخبركم بأمر أخير: قبل النهاية كل الأسماء التي ذكرتها، وأنتم تنكرتم لها مازالوا يدافعون عن كويتكم الواحدة دون النظرة إلى قبيلة أو عائلة أو طائفة.
خارج نطاق التغطية:
رغم ظلام اختياركم بل رغما عن ممثليكم كل عيد حب وأنتم بخير.

سامي النصف

محطات إسلامية وليبرالية ووطنية

    ما نلحظه هو أن الحركات الإسلامية بشكل عام هي الأكثر براغماتية و«ليبرالية» من كثير من الحركات السياسية الأخرى حيث يسود ضمن صفوفها الاستماع للرأي والرأي الآخر مما جعلها تفوز وتحصد كراسي الانتخابات الأخيرة، وفي المقابل هناك ليبرالية بالمسمى فقط دون ليبراليين حقيقيين ضمن التوجه الليبرالي الكويتي إن جازت التسمية بالطبع، حيث إن قيادات التيار لا تقبل ولا تستمع قط للرأي الآخر وهو ما أدى للنكسة الأخيرة في الانتخابات والتي نعتقد أنها ستكرر في أي انتخابات قادمة حيث مازال مسار الـرأي الواحـد قائما لم يتغير.

***

ومن غرائب التيار الوطني حقيقة أن نواب التكتلات الأخرى الإسلامية بشقيها السني والشيعي والتكتل الشعبي يتباينون عند التصويت على بعض القضايا دون أن يتسبب ذلك في فصلهم من تلك التكتلات حالهم حال نواب الولايات الزراعية في الكونغرس الأميركي ممن عرف عنهم التصويت بشكل مختلف عن أحزابهم عندما يكون الأمر متصلا بمصالح المزارعين دون أن يؤدي ذلك الأمر إلى الفصل من أحزابهم التي أوصلتهم لقبة البرلمان، في الكويت يصل النائب للمجلس بجهده الشخصي لا بسبب انتمائه لتكتل أو توجه معين لذا كان من الخطأ ابتعاد أو إبعاد الراشد والعنجري عن التكتل الوطني بسبب تصويتهما المختلف على هذه القضية أو تلك ونتمنى أن نرى سريعا تكتلا وطنيا موسعا يقبل بتعدد التوجهات ضمن صفوفه يشمل بعض أو كل الأسماء التالية: محمد الصقر، مرزوق الغانم، علي الراشد، عبدالرحمن العنجري، رياض العدساني، شايع الشايع، فيصل اليحيى، عدنان عبدالصمد، أحمد لاري، سعد الخنفور وبذا يصبح أكبر تكتل يجمع كل ألوان الطيف السياسي والاجتماعي والديني ضمن صفوفه في المجلس.

***

ديموقراطيتنا هي أحسن من يقدم الهوامش والفروع على الأساسيات والأصول ومن ثم الانشغال بأمور لا تنشغل بها عادة الديموقراطيات العاقلة الأخرى كحال تغيير المادة الثانية من الدستور حيث ينص الدستور المصري منذ أيامه الأولى عام 1923 على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر (وليس مصدر كحال الكويت) الرئيسي للتشريع دون أن يغير ذلك من واقع الدولة المصرية العلماني الذي يسمح بالمايوهات والخمور…إلخ، الحال كذلك في المبالغة في أهمية كرسي رئاسة البرلمان الذي لا يحظى بما نراه عندنا من لغط ومعارك حوله (له مقالات لاحقة) حاله حال الاستجوابات التي تقدم في جميع البرلمانات الأخرى كل يوم دون أن تتحول كحال ديموقراطيتنا البائسة إلى ما هو أشبه بـ … فتح القسطنطينية.

احمد الصراف

تقرير «هيومن رايتس» الجنسي

أعتقد، كإنسان عادي، وربما عاقل، بأن ليس لدي ما اخجل منه من الناحية الجنسية، ولو كانت ميولي مخالفة لميول الغالبية لما ترددت في الاعتراف بذلك، فليس هناك سبب لدفعي للكذب بهدف إخفاء أمر فزيولوجي لا خيار لي فيه! أكتب ذلك لمنع السفهاء من الغمز من قناة ميولي الجنسية، فاهتمامي بمشاكل المثليين ومعاناتهم مع مختلف السلطات الدينية والطبية والأمنية نابع من إنسانيتي، علما بأنني حتى اللحظة لا أعرف أحدا من هؤلاء، ولا أعرف غير من هم على اتصال بي إلكترونيا، دون اسم أو وجه!
معاناة المثليين في الكويت أمر متوقع، فهم ينتمون إلى مجتمع متخلف من جهة، وكاذب ومنافق من جهة أخرى، وذلك بسبب تكوينه العقائدي الذي لا يسمح له بالتصدي لمثل هذه الظواهر، ولا التعامل معها بطريقة منطقية، وما ينطبق على الكويت ينطبق بالقدر نفسه تقريبا على غالبية المجتمعات العربية. فنحن على غير استعداد للاعتراف بمشاكلنا وقضايانا الجنسية، والتصدي لها بالمناسب من الحلول، بل نحاول دائما، كما فعلنا لقرون، طمسها وخنقها، بتجنب الحديث عنها، أو اطلاق تسميات مضحكة عليها.
تقرير «هيومن رايتس ووتش» الأخير عن معاناة المثليين، خصوصاً المتحولين جنسيا، في الكويت غير سار أو مشرّف أبدا، بل ومخز إنسانياً ويبين مدى الإجحاف والظلم الذي يتعرض له هؤلاء، والذي يصل لدرجة الابتزاز المادي والضرر النفسي والجسدي وحتى الاعتداء الجنسي، وخاصة من قبل بعض رجال الأمن بعد إلقاء القبض على هؤلاء، بسبب تشبههم بجنس غيرهم، ورفض الاعتراف بشهاداتهم الطبية، التي تشهد بتحولهم جراحياً لجنس آخر، او حتى ادراج تلك الشهادات الرسمية في ملفات قضاياهم، التي تثبت أن تحولهم جنسي!
إن هذا الوضع المخزي لا يمكن معالجته بغير التعامل معه بجرأة ووضوح، من خلال الاعتراف بوجود المشكلة ووضع الحلول العملية لها، فالحلول التي ينادي بها الغلاة والمتخلفون غير إنسانية وغير قابلة للتطبيق، ولا تصب إلا في نفي هؤلاء من الأرض، ولا أعرف ما يعنيه ذلك غير القضاء الجسدي عليهم! كما يحتاج قانون التشبه بالآخر الى إعادة نظر، فنصف شباب الكويت يمكن أن يودعوا في السجن إن طبقت مواد قانون «التشبه بالجنس الآخر» عليهم، فهناك من له شعر طويل، أو فتاة بشعر قصير، أو ملابس صارخة الألوان لشاب مقارنة بفتاة ترتدي بدلة، ولا أدري ما حكم الرجل الذي يرتدي حذاء بكعب عال، وما هو العلو المسموح به؟ وماذا لو غمر أحدهم وجهه بالكولونيا، فهل يعني ذلك أنه يتشبه بالجنس الآخر؟ الأجوبة على كل هذه الأسئلة بنعم، فقد وضع القانون أمر تقدير ذلك للشرطي!

أحمد الصراف

سامي النصف

السلطة القضائية والكتل النيابية وقضايا أخرى

إصلاح مرفق القضاء لا يتم عبر دعاوى استقلاليته فقط خاصة إذا ما أتت ممن يملكون مكاتب محاماة من المرشحين والنواب لما في ذلك من شبهة تكسب وتعارض مصالح، استقلالية القضاء يجب ان تتم عبر مشروع متكامل يكون ضمنه تفعيل عمليات «التفتيش القضائي» ونشر نتائجه، كما يجب البدء في إنشاء دوائر «مختصة» للنظر في نزاعات وشكاوى العقار والشركات المساهمة والخاصة والصحافة والإعلام.. إلخ فقد تفشت مؤخرا احكام تضرب القطاع الخاص في الصميم كحال اغلاق الشركات والوكالات على معطى خطأ في اصلاح سيارة واحدة ضمن عشرات آلاف السيارات التي تدخل الكراجات كل شهر، ومثل ذلك الأحكام المغلظة على القطاعات الإعلامية، وفي جميع الحالات هناك نقص في المعلومات عن طبيعة عمل القطاع المعني.

****

إن مرفق القضاء حسب فهمنا المتواضع هو جزء لا يتجزأ من اعمال الدولة يدعم سياستها العامة ولا تقوم رسالته على النقض والتضاد مع كل عمل تقوم به السلطات الأخرى، فإذا ما ابعد على سبيل المثال زيد بسبب سوء عمله صدرت الأحكام بعودته رغما عن ارادة مسؤوليه فكيف يتم الاصلاح في الجهاز التنفيذي في ضوء مثل تلك الاحكام؟! وكيف للإعلام ان يؤدي دوره في متابعة وفضح الفاسدين وسيف احكام العقوبات المغلظة مصلت عليه؟! وكيف بعد ذلك لأي مستثمر اجنبي ان يعمل في الكويت تحقيقا لحلم المركز المالي البديل عن النفط وهو يعلم ان ما يجمعه في سنوات طوال يمكن ان يفقده في احكام تصدر ولا تراعي ظروف القطاع المعني لغياب التخصص؟ ثم من سيكون محاسبا امام مجلس الامة عن اعمال مرفق القضاء ومصاريفه اذا ما اعطي الاستقلالية التامة؟

****

في ألمانيا تروى قصة شهيرة حدثت في العهد النازي يقول صاحبها أتوا ليأخذوا جاري الأول فقلت يستاهل كونه يهوديا، ثم أتوا ليأخذوا جاري الثاني فقلت يستاهل كونه شيوعيا، بعد ذلك أتوا ليأخذوني فلم اجد من الجيران من ينصرني لأنهم اصبحوا في غياهب السجون، الاختلاف بين المرشحين امر مقبول بل ان الحدة في الطرح تكسب عادة الطرفين، ما ليس مقبولا على الاطلاق هو القفز على القوانين والتعدي على الآخرين واقتحام المباني والمنازل كترجمة لذلك الاختلاف فمن يرضى اليوم بما يحدث للآخر سيأتي يوم يحدث له ما حدث لهم من ارهاب وإرعاب، والديموقراطية في البدء والمنتهى هي تعزيز لسيادة القانون لا الرضا بشريعة الغاب.

****

العمل الفردي في البرلمان يحد من تأثير النائب على الأحداث او حتى مشاورته في القضايا الرئيسية التي تواجه الدولة، الآن وبعد ان زادت الكتل السابقة من اعداد نوابها، هل لنا ان نقترح تشكيل «كتلة الكويت» او «كتلة الدستور» من كل او بعض النواب التالية اسماؤهم: علي الراشد، حسين القلاف، نبيل الفضل، عدنان المطوع، محمد الجويهل، عبدالحميد دشتي، عبدالله الطريجي، صالح عاشور، مما يخلق منها كتلة غير طائفية من ثمانية نواب هي الاكبر في المجلس؟ مجرد اقتراح لخدمة العمل السياسي في الكويت، حيث ان التعامل مع الكتل اسهل من التعامل مع الافراد.

آخر محطة: خدمة للنزاهة وحداً من الفساد نرجو إضافة الى تشريعات الذمة المالية ان تعدل لوائح مجلس الامة لخلق «لجان قيم» ومنع الجمع بين العملين النيابي والتجاري وتحديد عدد سنوات او دورات لعضو مجلس الامة، فالماء ان سكن فسد.

احمد الصراف

إنسانية سائق كافر

في يوم لندني جميل، اصطحبت ابنائي الثلاثة، وجدهم الذي كان في زيارة لنا، لحديقة قريبة. أخذ الجد حفيدين وذهب ليتمشى، وبقيت مع الصغير الذي اختار اللعب على «الزحليقة»، فجأة فقد طفلي توازنه من علو ثلاثة أمتار تقريباً وسقط على الأرض الصلبة، وبقي في مكانه من دون حراك، حملته وركضت به كالمجنون الى الشارع أبحث عن مساعدة، ووقفت في وسط الشارع انظر باتجاهيه الخاليين، غير عارف ما علي القيام به، وبعد لحظات خلتها الدهر كله، ظهرت سيارة، وما ان أوقفها ما ارتسم على وجهي من هلع، حتى رميت بنفسي داخلها ورجوته ايصالي لأقرب مستشفى. وتساءلت بيني وبين نفسي: لماذا المستشفى وليس لمكان اكثر حزناً، فما كان متكوماً بين يدي كان بلا حراك ولا نفس، وفجأة صدرت منه أنة خفيفة وسال شيء من فمه فعاد لي الأمل، ولكن يا ترى هل سيبقى سليماً معافى؟ وهنا هاجمتني عشرات الأفكار السوداء وأخذت تتصارع في داخلي تحرقني وتبكيني، كيف سيعيش؟ هل سيصبح طبيعيا وقادرا على المشي والركض والتفكير، أم سيكون هناك عاجز آخر في البيت؟ هل سيعود للضحك معي واضحاكي بابتساماته الآسرة؟ هل سيعود ليطلب مني الهمبرغر والآيس كريم، وتحضير البيتزا له؟ وماذا سأقول لأمه التي تناديه بـ«حبيبي محمد»، وهي التي انجبته بالرغم منها وأصبح الأعز عندها؟ لا ادري متى سنصل الى ذلك المستشفى اللعين، فالوقت يمر ببطء مبك، ولكن ما إن وصلنا لردهة الحوادث حتى انطلقت الى الداخل أطلب المساعدة فتلقفته مني ممرضة وسألتني عن الحادث وجرت به لغرفة الطبيب، وطلبت مني الانتظار خارجا! جلست انتظر، والأفكار والهواجس السوداء تتناهشني، متخيلا أكثر التوقعات سوءا، ولم انتبه الا بعد فترة أن من كان يجلس بجانبي لم يكن سوى من تبرع بإيصالي الى المستشفى، فاعتذرت له عن شرودي وشكرته على مساعدته وطلبت منه أن يذهب لحال سبيله، فرفض، واصر على تجاذب الحديث معي، ربما ليبعدني عن الأفكار السوداء، وسألني عن اصلي وفصلي، ولا ادري كيف أجبته ففكري كان مشوشا. وبعد نصف ساعة، كانت بطول قرن وأكثر أخبروني أن محمد بخير، ولكنه بحاجة لصور أشعة للتأكد من سلامة جمجمته، هنا قدمت الشكر ثانية للرجل ورجوته أن يذهب لحال سبيله، لكنه اصر على البقاء، وقال إنني حتما لن أعرف كيف أعود إلى الحديقة، حيث تركت والدي وطفلي الآخرين! فسكت على مضض! بعد ساعة خرج ابني يمشي مربوط الرأس!
قبل أن نفترق، طلبت من الرجل اسمه وعنوانه لأشكره بطريقتي، فقد كان السبب في انقاذ حياة ولدي الصغير، فتمتم بكلمات غير مفهومة، وذهب لحال سبيله! مر شهران على ذلك الحادث، الذي لم تفارق ذكراه مخيلتي، وفي يوم دعينا لبيت سيدة تعرفت عليها زوجتي في مدرسة الأبناء، وهناك التقيت برجل حياني بحرارة وعندما شعر بأنني لا أعرفه قال إنه الذي أوصلني إلى المستشفى، فعانقته بقوة، واعتذرت منه، وقلت له إنني لا يمكن أن انسى معروفه، وعندما سألته عن علاقته بصديقة زوجتي، قال إنها أخته، وأنه قدم من «تل أبيب» لزيارتها!
يقولون إننا الأصلح والأفضل، وبقية الكون بعدنا، فقلت لهم، ربما، ولكننا متخلفون، والتخلف ليس فقرا ولا قلة انتاج، بل انعدام أخلاق وقلة آدمية!

أحمد الصراف