من سمع بــ «جمهورية الرأس الأخضر»، أو كاب فيردي؟ سمعت بها أخيرا فقط من خلال احصائية صادرة عن الأمم المتحدة، كواحدة من أكثر الدول استقراراً في محيط شديد الاضطراب، فأرخبيل جزر الرأس الأخضر يقع غرب سواحل شمال أفريقيا، وكان سابقا مركزا لتجارة العبيد، ومناخها معتدل طوال العام بالنسبة إلى موقعها البحري، وأهم جزرها سانتاغو، وفيها العاصمة، برايا، ثم جزيرة القديسة ونسانت، وسبق أن اكتشفها البرتغاليون عام 1460، واستقلت عنها في 1975. وبالرغم من فقرها النسبي، فإن ذلك لم يحل دون استقرارها السياسي، فرئيسها يتم انتخابه باقتراع شعبي لفترة خمس سنوات، ورئيس الوزراء يرشح من قبل البرلمان، ويعينه رئيس الجمهورية، وأعضاء البرلمان ينتخبون لــ 5 سنوات، وهناك ثلاثة أحزاب تتبادل الحكم، او تتقاسمه. وتتمتع الكاب فيردي بنظام قضائي مستقل، يتكون من محكمة عليا ومجلس قضاء ومحاكم إقليمية، وأخرى منفصلة تهتم بالقضايا المدنية والدستورية والجنائية.
يبلغ عدد سكان الرأس اكثر من نصف مليون بقليل، غالبيتهم خليط برتغالي أفريقي، يتحدثون بلغة الــ «كريول» إضافة الى البرتغالية، وتوجد جالية كبيرة منهم في السنغال والبرازيل. وتشكو الجمهورية من شح الموارد، ونقص حاد في المياه، واقتصادها يعتمد أساسا على الخدمات مثل التجارة، والسياحة التي تسهم بـ %66 من الدخل القومي. بالرّغم من أن %70 تقريبا من السكّان يعيشون في الأرياف، فإن حصة الزراعة في الدخل القومي متواضعة، وبالتالي تعاني عجزا تجاريا كبيرا يُغطى بالمساعدات الأجنبية وحوالات المهاجرين؛ وتتجه الإصلاحات الاقتصادية نحو تطوير القطاع الخاص، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية لتنويع مصادر الدخل.
المهم في الموضوع أن هذه الدولة الصغيرة والفقيرة مميزة في إحصاءات الأمم المتحدة بسبب استقرار أوضاعها وقلة فساد سياسييها، مقارنة بمحيطها الافريقي، ودليل على أن الاستقرار مع غياب الفساد، ولو مع الفقر، افضل من الغنى المادي والنقدي بوجود فساد! هل نتكلم عن الكويت هنا؟ ولو نظرنا إلى أوضاع أنظمة الربيع العربي، التي تدهورت كثيرا نتيجة حالة عدم الاستقرار التي تبعت ثوراتها، لوجدنا أن كثيرين أصبحوا يتحسرون على الأنظمة السابقة، وكأنها كانت نعيما مستمرا، متناسين أن ما يحدث الآن من خراب واضطراب ليسا إلا نتيجة مباشرة لفساد وخراب تلك الأنظمة التي أوصلت الأمور إلى مرحلة الانفجار بسبب «جهلها» من جهة، وتشبثها بالحكم لعقود عدة من جهة أخرى، مفسدين العقول والاقتصاد والنظام والبشر وحتى الحجر، وبالتالي سيمر وقت قبل أن تستقر أوضاع هذه الدول، فالهدم سهل، والبناء أكثر صعوبة.
• • •
• ملاحظة:
لفت الزميل عبدالله العتيبي نظري الى أن ما تطرقت اليه بالأمس من افتقاد «الثورات» العربية لفكر ومفكرين، كان من مقال كتبه غسان بن جدو، وهذا صحيح، وحتما حدث سهوا ربما لانزعاجي من موقف الكاتب الذي رضع من خير مسؤولي«الجزيرة وقطر» لسنوات، وما ان اختلف معهم، حتى اصبحوا فجأة مجرمين كبارا!
أحمد الصراف