بعد حرب الخليج الثالثة في 2003 والتي أدت الى تحرير العراق، تشكلت تحالفات جديدة بمنطقة الخليج العربي وجوارها، وخاصة بعد استيلاء المتطرفين الشيعة على الحكم في العراق ومحاربتهم للآخرين تحت عناوين سياسية مشروعة كاجتثاث البعث أو محاربة القاعدة والإرهاب، لتخفي حقيقة الصراع الطائفي هناك، والأخطر من ذلك كله أن إيران أصبحت اللاعب الرئيسي في الساحة السياسية العراقية، فهي التي تنظم التحالفات وتشكل الحكومات العراقية، حتى أصبح بعض الساسة العراقيين كالدمى تحركهم إيران التي تمسك بيدها السلطة الحقيقية في العراق.
ما يهمنا بالتحديد في منطقة الخليج هو نتيجة تلك السياسات الإيرانية في العراق والتي أدت الى نشوء ذلك التحالف الإقليمي الطائفي بين الجمهورية الإيرانية والعراق وسورية والذي سمي «بالهلال الشيعي» وانعكاساته الخطيرة علي ميزان القوى بالمنطقة ككل.
ومن باكورة سياسات ذلك التحالف الطائفي، ذلك التطور الدراماتيكي الذي حدث في الجمهورية اللبنانية في 2004، من احتقان سياسي بين سورية وحكومة رفيق الحريري والذي انتهى باغتيال الأخير، وأدى الى سيطرة كاملة لحزب الله المدعوم من إيران وسورية على الحكم في لبنان.
ولم يكتف التحالف الطائفي بذلك، بل قام وبشكل واضح وصريح بدعم تمرد «الحوثيين» في الجمهورية اليمنية والذين حاربوا النظام اليمني تحت شعارات مشروعة ومفهومة (كالاستقلال)، ولكن غير المفهوم ان يقوم الحوثيون المتمردون بتغيير أهدافهم ومهاجمة المملكة العربية السعودية، فكلنا نتذكر هجومهم على المناطق الحدودية السعودية وأعمال النهب والقتل التي أحدثوها هناك لا يمكن فهم تلك السياسات إلا انها محاولة من هذا التحالف الطائفي لإقامة تكتلات طائفية لابتزاز دول الجوار ومحاصرتها بدويلات طائفية موالية له.
وفي المسألة البحرينية استخدم هذا التحالف الإقليمي والموالين له من المتمردين البحرينيين شعارات الربيع العربي والمطالبات المشروعة للشعوب العربية بالمزيد من الحريات والمشاركة الشعبية لإخفاء حقيقة أهدافهم الطائفية، والتي أبدها المتمردون البحرينيون متأخرا كإسقاط النظام الملكي البحريني وتشكيل «الجمهورية الإسلامية البحرينية» على غرار الجمهورية الإيرانية، ويهدف التحالف الإقليمي من الدعم المعلن لثروة البحرين الطائفية هو إنشاء جمهورية تابعة له تكون شوكة في خاصرة منظومة الدول الخليجية، ولتشجع حركات التمرد في المنطقة ككل والمنطقة الشرقية من المملكة السعودية خصوصا.
كل ما سبق يعطي أهمية كبرى لما يجري في بلاد الشام حيث «الثورة السورية» لأنها حقا ليست ثورة عادية ستأتي بالديموقراطية والحرية للشعب السوري فقط، بل من المؤكد أنها ستقضي على هذا التحالف الطائفي الإقليمي، وليعلم الجميع أن ما يفعله الثوار في أزقة بابا عمرو وحمص وفي ميادين دمشق هو ما سيغير موازين القوى في المنطقة ككل، وهو من سينتزع «سورية» الحلقة الأهم في سلسلة التحالف الإقليمي الطائفي، عندها سيتساقط أتباع هذا التحالف المشبوه واحدا تلو الآخر، ومنهم حزب الله الذي سيحجم دوره في المعادلة اللبنانية ان لم يتلاش نهائيا، كذلك الحال في العراق إذ سيعود التوازن بين الطوائف في العراق ولن يستأثر أتباع الجمهورية الإيرانية بالنفوذ، ولن يستطيعوا إقصاء الطوائف الأخرى عن الحكم هناك، وحتما ستهدأ الاحتجاجات الطائفية والاصطفافات المذهبية في دول الخليج. بالنهاية يجب ان يفهم «الطائفيون» أن إنشاء الأحلاف الدولية والإقليمية، هو من الاعمال المشروعة في السياسة الدولية، وبغض النظر عن الصبغة الطائفية له، ولكن الخطأ أن يسعى هذا التحالف الى إحداث تغييرات سياسية داخل الدول المحيطة به، وبطريقة غير مشروعة، وهذا بالضبط ما يتعارض مع كل المعاهدات الدولية والقانون الدولي والأعراف التي تجمع على تحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ربما يكون الربيع العربي والذي كرهت بعض الأنظمة العربية هو السبيل لحل مشكلاتها الاستراتيجية المستعصية. «ورب ضارة نافعة»!