“رد النقى يا عبيد حالٍ وحيلة / يا عبيد يوم إنك تبي الدرب عجلان”، وكلمة “عجلان” تعني “مستعجل”… رحم الله الشاعر الخالد بندر بن سرور، كم كانت قصائده تفوح منها رائحة الحكمة.
ورحم الله فارس قبيلة العجمان العظيم “منصور الطويل” الذي لا يجيد التخطيط للمعارك ولا يمتلك الدهاء العسكري كغيره من فرسان القبيلة والجزيرة، لكنه كان الأشجع باعتراف أعدائه قبل أبناء عمومته، وكان العجمان يربطونه ويوثقون رباطه قبل كل معركة كي لا ينطلق على الأعداء بدون تنسيق ولا تخطيط مع أبناء عمومته فتدب الفوضى بينهم…
منصور الطويل هو الذي تحدث عنه شيخ قبائل العجمان ويام وفارسها راكان بن حثلين في قصيدته الشهيرة، أو مساجلته الشهيرة مع شيخ قبيلة قحطان الفارس ابن قرملة، وشيخ بني هاجر الفارس ابن شافي، عندما استعان بنو هاجر بأبناء عمومتهم قحطان لمحاربة العجمان، وكتب في ذلك ابن شافي قصيدة أرسلها إلى ابن قرملة، فأرسل الأخير قصيدة “إعلان حرب” على قبيلة مطير أو قبيلة يام، التي جاء منها البيت المعروف: “لا بد من يومٍ يثوّر عسامه / اما على المطران والا على يام”، وترجمة البيت “لا بد أن يرتفع الغبار على مطير أو على يام” كناية عن الحرب.
فجاءه رد راكان بن حثلين في قصيدة تاريخية (الحقيقة أن القصائد الثلاث كلها تاريخية) منها البيت المعروف: “قدامكم شيخٍ رفيعٍ مقامه / الخيل قرّح وأبيض الخد قدّام”، ومعنى البيت كما نقول في أمثالنا: “هذا الميدان يا حميدان”، وفي منتصف القصيدة أراد ابن حثلين استعراض قوة جيشه، كعادة القادة، فقال “معنا الطويل اللي تجيكم علامِه / مثل العديم اللي على الجول صرّام”، أي أن الطويل الذي سمعتم عنه وتناقل الناس أخباره من بين جيشنا، وشبّهه بالعديم، أي الصقر الذي لا مثيل له عندما يهوي من الفضاء بسرعة على أسراب الحباري.
هذا ما تناقلته الروايات وكتب التاريخ عن معارك الجزيرة العربية، وعمن كان يهاجم الخصوم بلا تنسيق مع جيشه، رحم الله أعلام الجزيرة وأبطالها وشعراءها. أما ما حدث في أقصى الأرض، في الولايات المتحدة الأميركية تحديداً، قبل احتلالها من قِبل البيض وهزيمة الهنود الحمر، سكانها الأصليين، فقد قرر “الثور الجالس” قائد الهنود الحمر قتل كل فارس من الهنود ينطلق مهاجماً الجيش الأميركي بلا تنسيق، بعد أن جلبت تصرفاتهم الكوارث له ولجيشه.
ولو كان النائب د. عبيد الوسمي في جيش الهنود الحمر لكان أول مَن يقتل كي لا يُحدث الفوضى في صفوف الجيش.
اليوم: 21 فبراير، 2012
هل كان محافظاً أم هارباً؟
هل «نفد» محافظ البنك المركزي الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح بجلده، واستقال قبل أن يبدأ مجلس ثوار كبد محاكمته على الإيداعات المليونية في رشاوى نواب الأمس، أم أن المحافظ كان يعلن احتجاجه ورفضه للسياسة المالية للدولة، أي سياسة اقتصاد الدكاكين، حين ارتفعت النفقات في السنوات الأخيرة بصورة كبيرة تماشياً مع حكمة “ادهن سيرهم وسكتهم”!
كما أن المحافظ وهو فعلاً محافظ في السياسة النقدية وبسبب محافظته هذه فهناك من ينتقده بأنه لم ينه إعداد مشروع قانون الاستقرار المالي، وتسبب ذلك في إطالة معاناة شركات الاستثمار بعد أزمة عام 2008 المالية، وبالمناسبة بعض شركات الاستثمار وجدت في تلك الأزمة “زلقة بطيحة”، حين قامرت بأموال المستثمرين وبلعت مدخراتهم، ومع ذلك لم تتم المساءلة المدنية أو الجزائية لشركات بنات الذوات.
أياً كان سبب استقالة الشيخ المحافظ الذي قضى 26 عاماً على رأس الجهاز المركزي، وهي مدة تقارب عمر بقاء غرين سبان محافظاً للبنك المركزي في الولايات المتحدة، كان يبدو فيها شيخنا المحافظ مغلوباً على أمره، كلما ثار الحديث عن “فسفسة” أموال الدولة في شراء الولاءات السياسية تحت عشرات البنود الاستهلاكية للصغار من شعب الموظفين، أو هدر الأموال العامة في تعميم الفساد المالي بنفخ كروش الكبار بتفصيل المناقصات على مقاس خصورهم العريضة!
في أي حال كان الشيخ سالم محافظاً في عالم شيوخ غير محافظين، وكانوا مهادنين يريدون إرضاء الكل، والنتيجة أن الكثيرين رفضوا سياسة الترضيات، وكانت تجمعات ساحة الإرادة تعبيراً حياً على ذلك، فالشباب لم يطالبوا بمزيد من “الكوادر” وإنما نشدوا العدل والأمانة في إنفاق الدولة.
لا يمكننا الآن نبش صدر المحافظ المستقيل لمعرفة سبب الاستقالة الحقيقي، فغير تكهنات المعترضين عليه بأنه هرب من مواجهة مسؤوليات مستحقة عليه بسبب الإيداعات، هناك الأسباب الصريحة التي أوضحها المحافظ عن التسيب المالي للدولة وعجزه عن معالجتها بسبب أولاد عمه، وعلينا كما يقول القانونيون افتراض حسن النية، وان المحافظ كان ينفخ بقربة مقطوعة حتى وصل إلى درجة اليأس من إصلاح الحال، وأذكر هنا كلمة قيمة سمعتها من النائب السابق أحمد النفيسي في ندوة أحد المرشحين الشباب، حين قال إن الكارثة الكبرى ستحل على الكويت بعد ثماني سنوات حين يدخل سوق العمل حوالي نصف مليون من الشباب الكويتيين، ولن تكون أسعار النفط كافية لسداد الرواتب ما لم تبلغ 300 دولار للبرميل! مثل هذا الكلام الخطير كرره مئات المرات الاقتصادي جاسم السعدون وغيره، لكن هو وغيره كانوا مثل حال المحافظ اليوم ينفخون في قرب الكويت المقطوعة.
اليوم بإمكان رئيس مجلس الوزراء استغلال استقالة المحافظ ليوضح لنواب ثوار كبد المطالبين بإسقاط القروض، وإلغاء نظام فوائد البنوك، وتعديل المادة الثانية من الدستور، وإزالة الكنائس وغير ذلك من قضايا “مصيرية” حقيقة الأمر، وليفتح لهم ولنا أوراق المستقبل المالي للدولة، عل وعسى أن يدركوا أن النيابة ليست صندوق انتخابات وحكم الأكثرية بل هي قبل كل شيء حماية الحريات وضمان أموال الأجيال.
فرنسا والأرمن
لا يميل البعض للفرنسيين، لعنجهيتهم أو لأسباب أخرى، إلا أنهم شعب مبدع وخلاق، ولهم إسهامات لا يمكن نكرانها في مجال التشريعات ونشر مبادئ الحرية والمساواة. ويقال إن الفرق بين الفرنسي والإنكليزي، وخاصة أيام الاستعمار، أن الأول يدخلك بيته وناديه، ويتساوى معك في كل شيء، شريطة أن تتكلم لغته. أما الإنكليزي فلا يبالي إن تحدثت بلغته أم لا، فهو لا يجبرك على ذلك، ولكنه لا يقبل بك ندّاً له، ويرفض إدخالك ناديه، أو مساواتك بنفسه، وهنا نجد أن الشعوب التي استعمرتها فرنسا تتكلم الفرنسية غالبا، وعكس ذلك في المستعمرات البريطانية. مبادئ الحرية والمساواة الفرنسية دفعت فرنسا كذلك إلى منع طلبة المدارس من استخدام أو لبس أي رموز دينية، كالنقاب والحجاب وتعليق الصلبان أو ارتداء القلنسوة اليهودية. كما سبقت فرنسا العالم في تشريع منع المرأة المنقبة من التواجد في الأماكن العامة. وفي يناير الماضي أقرّت فرنسا قانونا يجرّم إنكار حقيقة تعرّض الأرمن للإبادة الجماعية في مطلع القرن الماضي على أيدي العثمانيين، علما بأن قانون العقوبات التركي يجرّم كل من يؤكد وقوع مثل هذه الإبادة الجماعية على أراضيها! وقد دفع عدد من مثقفي تركيا ثمنا غاليا لمعارضتهم هذا القانون. وقد أقرّت فرنسا هذا التشريع بالرغم من تجميد أنقرة لتعاونها العسكري والسياسي معها، وأنكرت أن صدور القانون كان لترضية الناخبين من أصل أرمني، فوجود 500 ألف منهم يقابله وجود 600 ألف تركي فيها، ثلثهم فرنسيون! كما أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يقارب 15 مليار دولار، ولا يمكن لدولة كفرنسا بملايينها الستين الانحياز لبضعة آلاف صوت على حساب مبادئها، علما بأن القانون عرّض استثمارات شركات فرنسية كبيرة في تركيا للخطر، وقالت فرنسا إن تركيا عليها إنهاء الموضوع والاعتراف بالإبادة، التي تشهد لها بادية الشام وعشائرها الذين آووا الأرمن عام 1915 في دير الزور والشدادية والرقة والحسكة وغيرها. ويذكر أن 22 دولة في العالم قد اعترفت بالإبادة العرقية للأرمن، منها روسيا ولبنان و41 ولاية اميركية و9 منظمات دولية. ويتهم الأرمن الأتراك بقتل ما يصل إلى 1.5 مليون، منهم بين عامي 1915 و1916 عبر مخطط إبادة جماعية على أيدي «حزب الاتحاد والترقي»، الذي كان يهدف إلى توحيد الدول التي تنحدر شعوبها من أصول تركية في آسيا الشرقية وربطهم بالسلطنة، بدلاً من التوجّه نحو العرب شرقاً. وترفض تركيا استخدام عبارة «إبادة»، واصفة ما حصل بالأحداث الناتجة عن مخطط نقل الأرمن من هضبة أرمينيا إلى البلاد العربية، عقابا على تعاونهم مع الروس ضد السلطنة، وأن عدد الضحايا لم يزد على 300 ألف شخص(!)، وأنهم وقعوا في أعمال خطف وسلب على طريق القوافل من قبل عشائر تركية وكردية وعربية! ويقول أحد الأطباء إنه لاحظ وجود الكثير من الجينات الأرمنية لدى أبناء القبائل العربية، وخاصة في منطقة شمال الجزيرة، خاصة أن الكثير منهم يحملون ملامح واضحة تؤكد ذلك نتيجة حالات التزاوج الكبيرة التي حدثت إبان وقوع المجزرة وتشرد الأرمن بين المدن والقرى والصحاري العربية.
أحمد الصراف