ما بين اندهاش وامتعاض، تهكم صديقي الخليجي في معرض حديثه عن انتخابات البرلمان الكويتي الأخيرة: “ما شاء الله، كل الكويتيين ساسة!”، وبـ”لقمانية” لم أعتدها أجبته مبتدئاً بسؤال: “هذه كانت النتيجة، فهل تريد معرفة السبب؟ سأذكره لك… عندما تضع الإبريق المملوء بالماء على النار وتتركه ساعات ثم تعود إليه فتكتشف أن ماءه قد تبخر واختلط بالهواء فلا تعجب ولا تغضب… يا سيدي، الماء لم يفعل ذلك من تلقاء ذاته، بل نتيجة قوة (التي هي النار) دفعته إلى هذا “التصرف”، كذلك الكويتيون، لم يتسيسوا من تلقاء ذاتهم، بل نتيجة “النار”، أو قل النيران التي دفعتهم إلى ذلك”.
ورحت أذكر له النيران التي تعرض لها الكويتيون: “هل تعلم أن آخر مستشفى تم بناؤه في الكويت كان قبل واحد وثلاثين عاماً (في 18 فبراير 1981 تم بناء عدد من المستشفيات في محافظات الكويت المختلفة) ومن يومذاك إلى يومنا ذا توقف الزمن “الصحي”؟، وهل تعلم أن ملاعبنا الرياضية لا تغري الخروف الجائع؟ وهل تعلم أن شوارعنا لا يمكن ان تقبل بها حكومة دولة إفريقية لا تجد ما تأكله؟ وهل تعلم أن نظام “الكتاتيب” أكثر تطوراً من نظامنا التعليمي؟ وهل تعلم أننا نسمع عن الميزانيات المخصصة للبنية التحتية ولا نرى الميزانيات ولا البنية التحتية؟”.
“وهل تعلم وهل تعلم وهل تعلم – كرّت “هل تعلماتي” كخرز المسبحة – وبعد ذا تطلب منا أن نكون بلا إحساس، أو محاسيس كما كان يقول حارس بنايتنا الصعيدي النقي؟ وهل كنت تتوقع منا أن نستمر، رغم كل هذه “الهل تعلمات”، في تناول الشاي مع قطع البسكويت اللذيذة؟… لا يا صديقي”.
“كل هذا الفساد جعلنا، تلقائياً، نعيش في طقس سياسي على مدار السنة، كلنا، صغاراً وكباراً… وكما يلعب أطفال الدول الإسكندنافية بالثلج، ويبنون بيوتاً من الثلج، ويحفرون كهوفاً من الثلج، وينحتون أشكالاً مختلفة من الثلج، كذلك يفعل أطفالنا بالسياسة، يبنون بيوتاً من السياسة، ويحفرون كهوفاً من السياسة، وينحتون أشكالاً من السياسة”.
“وصحيح، يا صديقي الخليجي، أنكم أكثر منا تطوراً عمرانياً وخدماتياً، ومن ينكر ذلك كذاب ابن نصاب، لكننا، مع اعتذاري لقسوة المفردات أكثر منكم حرية وشموخاً وكرامة، دعني أكرر كلمة “كرامة” وأنطقها بمفردها حتى لا تختفي بين الكلمات”.
“يا صديقي، كل هذا الضجيج الذي تسمعه عندنا تفسيره أننا أردنا بناء برجين متوازيين، الأول أسميناه برج الحرية والكرامة، والثاني برج التطور، لكننا وجدنا ركاماً في المساحة المخصصة للبناء، أعمدة وأسياخ حديد وبقايا صخور مشوهة ووو، فأعملنا معاولنا فيها لإزالتها وتنظيف المكان، ونجحنا – حتى اللحظة – في إزالة كمية لا بأس بها من هذا الركام المشوه تسمح ببناء برج التطور وحده، لكننا أصررنا على بناء البرجين في وقت واحد، وقريباً سيرتفع البرجان إلى شاهق، وستنفتح أحداقكم على مصاريعها دهشة من عظمتنا”.
“لا تستعجلوا علينا، يا صديقي، لا تستعجلوا”… قلت له ذلك فمطّ شفتيه، وأظهر باطن شفته السفلى، وهو ينظر إلى الأرض، إما دلالة عدم ثقته بما قلت، أو جهله به، أو لعله يفكر ببناء كهوف من السياسة، في بلاده.
اليوم: 19 فبراير، 2012
كلنا نحبها.. فمن يود حرقها إذن؟
من أشعل النيران الحمراء في لبنان الأخضر تلبية لأوامر وأموال الخارج ليسوا مخلوقات قرمزية قادمة من الكواكب الأخرى، بل من قام بذلك الجرم الشنيع هم قيادات وزعامات لبنانية وطنية ودينية كانت تدعي أن فيما تقوم به من قتل وفتن وتخريب وتدمير هو لمصلحة لبنان وشعبه؟ وكان الاتباع المغرر بهم يصدقون وبحق تلك الأكاذيب السافرة ولم يسأل أحد منهم قط تلك الزعامات الخالدة بأنه إذا كان كل ذلك الذبح والهدم دلالة حب فكيف تكون دلالة الكره إذن؟
*****
وبعد كل تلك السنين الطوال على بدء وانتهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 17 عاما لم يعترف أحد قط من تلك الزعامات الوطنية والدينية «المخلصة» بأنه كان يقوم بتلك الجرائم الكبرى حصدا للمال الحرام وطمعا في السلطة والقوة، والأمر كذلك في العراق والصومال وفلسطين وغيرها من البلدان فهل نختلف نحن عنهم أي هل عفت أو ستعف شخصيات وقيادات سياسية وإعلامية كويتية عما لم تعف عنه القيادات المثيلة في الدول الأخرى؟ الإجابة في نظرنا واضحة ومشروع تخريب وحرق الكويت قائم ومستمر والرايات التي سيتم حرقها تحتها هي نفس الرايات المدغدغة الجميلة من الحفاظ على الوطنية ومحاربة الفساد والتمسك بالدين..إلخ.
*****
أما الواقع فهو على العكس من ذلك تماما ففي الأفق مخططات وفتن قادمة تتلوها فتن هي كالزوابع والأعاصير المزمجرة يحتاج مشروع إيقافها وإفشالها التوقف عن رفع من ينوي دمارنا على أكتافنا وفوق أعناقنا، وتصديق ما نسمع من أكاذيب مدغدغة لا ما نرى من حقائق مؤلمة كي لا يصدق علينا قول أمير الشعراء أحمد شوقي: بأننا شعب كالببغاء.. عقله في أذنيه!
*****
القراءة المتأنية لنتائج الانتخابات الأخيرة تظهر سهولة انقياده الشباب الكويتي المغررين لمصلحة من يخدعهم ثم يتركهم يواجهون المصاعب وحدهم ليخرجوا بعد ذلك أكثر طواعية وحبا وخنوعا لمن خدعهم، وكراهية ومقتا وحقدا لمن يحرص على مصلحتهم ومستقبلهم عبر حفاظه على وطنهم آمنا لهم و… عفارم شباب… وقود لا يقود!
*****
آخر محطة:
1 ـ من قضايا التحريض السافرة ضد الوزراء الجدد لخلق حالة عدم استقرار سياسي ما عرض على اليوتيوب من طلب سمو رئيس مجلس الوزراء من أحد الوزراء التصويت بنهج معين، والحقيقة الجلية تظهر أن تصويت الوزراء بعكس النواب يتم بشكل تضامني موحد، ومن الأمور المعتادة والتي تحدث في كل جلسة أن ينشغل أحد الوزراء بالحديث مع زميل له أومع أحد النواب ويأتي طلب تصويت مفاجئ فيلتفت الوزير لرئيس مجلس الوزراء أو لوزير آخر لمعرفة كيفية تصويت الحكومة ليتضامن معها حيث لا يصح له التصويت ضدها.
2 ـ ومن قضايا التحريض غير المسؤولة البحث في مقالات أحد الوزراء قبل توليه الوزارة ومحاسبته عليها في وقت يفرض الدستور المتباكى عليه أن تكون المحاسبة منذ بدء التعيين في الوزارة لا قبلها.
3 ـ حزنت على خروج الوزير الرائع محمد النومس أكثر الله من أمثاله وإن شاء الله أن يكون الوزير شعيب المويزري خير خلف لخير سلف.
آلام خالد
يقول صديقي خالد: ذهبت الى أميركا قبل 40 عاما للدراسة، وفي المدرسة الداخلية حددوا فصولنا وسكننا وضرورة حضور قداس الأحد. أخبرني المشرف بأنني معفى من القداس لاختلاف المعتقد، فقلت له بأنني كتابي مؤمن، ولا شيء يمنع دخولي الأبرشية. اعجبهم موقفي المتسامح، وكنت حينها أعرف ما يكفي عن الدين، وأن اسلافي، عندما فتحوا الشام والأندلس، لم يهدموا كنيسة ولم يقتلوا قسيسا! بعدها باشهر قليلة حلت أعياد الميلاد ورأس السنة، واحترت الى أين اذهب لأسابيع ثلاثة والسكن مغلق، والوطن بعيد؟ ولم اعلم أن إدارة المدرسة رتبت استضافة ثلاث أسر أميركية لي، وهكذا كان. كانت تجربة أكثر من جميلة. بعدها بشهرين حل شهر رمضان، فأخبرت الأستاذ المسؤول بأنني لن اشارك البقية في تناول وجبات الطعام، وأن ديني يفرض علي الصيام لشهر كامل، وسأكتفي بسندويتشة في السحور، ومشاركتهم الافطار. واعتقدت بأنني سأترك لحالي، ولكن الأستاذ أخذني للشيف وشرح له وضعي، فقرر هذا، على الرغم من اعتراضي، أن يقوم بتحضير وجبات خاصة لي طوال الشهر، وقد قدرت له ذلك كثيرا، لعلمي بما يعانيه من جهد غير عادي منه، خاصة أن لا علاقة تربطني به. بعدها اصبح الجميع يتقبل وضعي ويزداد فضولهم لمعرفة ما سأقوم به بعد صيام شهر، فأخبرتهم بعاداتنا في العيد والتقاء الأهل في بيتنا الكبير وقيام كبار العائلة بتوزيع الهدايا النقدية علينا، ومشاعر الفرح بصيام الشهر وتناول أول وجبة غداء بحضور الجميع. وفي اليوم الأخير من شهر رمضان، فاجأني بعض أصدقائي بإيقاظي من النوم في الرابعة فجرا، والطلب مني مرافقتهم لبيت المشرف، وهناك استغربت الأمر، خاصة ان البيت غارق في الظلام، وما ان فتحت الباب حتى فوجئت بالأنوار تضاء والجميع بالداخل يصيح بصوت واحد «عيد مبارك»! عقدت المفاجأة لساني ولا أدري ما تمتمت به من كلمات شكر وتقدير، فقد اختاروا وقتا مزعجا جدا بالنسبة لهم، وغاليا ومهما بالنسبة لي، وهو موعد العيد في الكويت نفسه، مع فارق الوقت! وهنا ايضا اذهلني اخلاصهم وتقديرهم لما يعنيه العيد بالنسبة لفرد مسلم وحيد، فشكرتهم على محبتهم، وكيف أنهم فضلوا جميعا تهنئتني على هناء النوم في فراش دافئ! وهنا قادني مشرف الدار للهاتف، وقال إن بإمكاني إجراء مكالمة خارجية والتحدث مع أهلي لعشرين دقيقة مجانا، وأنهم شاركوا جميعا في تغطية تكلفتها، فنظرت اليهم بامتنان ولا أعتقد أنني رأيت وجه أحد منهم، فدموع الشكر كانت تغطي بصري، فقد كنت ساعتها أشعر بحنين جارف لسماع صوت والدي واخوتي في تلك المناسبة السعيدة، وكنت أعلم ما يتكلفه الأمر من جهد ومال لإجراء مكالمة صعبة مع الكويت!
تذكرت كل ذلك اليوم وأنا أطالع الصحف، وأتذكر عشرات المساجد التي بناها أهلي وأبناء وطني في العديد من الدول ومنها لبنان وبريطانيا، والتي لم يطالبنا أحد يوما بهدمها، وشعرت بحزن شديد وأنا اقرأ مطالبة ذلك «النائب» بهدم كنائس المسيحيين في الكويت، وتمنيت أن أتواصل مع مدرسي تلك المدرسة وأصدقائي فيها، وأعتذر لهم عما فعله السفهاء منا بحقهم!
التوقيع: خالد عبداللطيف الشايع.
أحمد الصراف