ربما نكون، بخلاف غالبية شعوب الدنيا، الأكثر نقداً للإنترنت واستخداماً له في الوقت نفسه، ولكنه أصبح مؤخراً، وفي منطقتنا، أداة تجهيل وعبث، بدلاً من وسيلة اتصال شبه مجانية ورافد عظيم للمعرفة! ومن بين مئات الرسائل التي تردني يوميا هناك رسائل غاية في الخطورة من ناحية قوتها التجهيلية، تبين بوضوح الفرق الشاسع بين طبقات المجتمع في فهمهم وتقبلهم للدين، بين كونه دينا للعبادات، أو أداة إلهاء وإرهاب وتعمية، ويختفي التساؤل متى ما عرفنا ما يحققه مؤلفو هذه الكتب من ثروات، متى ما وضعوا هذا الكلام ضمن دفتي كتاب، أو قالوه في خطبة ما، فهناك مثلا من يصف عذاب القبر، وآخر يتكسب من تفسير أحلام الجهلة والمرضى النفسيين، ومن يصف أحداث يوم القيامة، وما بعد بعد يوم القيامة، بتفاصيل وشروحات وصور توضيحية خيالية إلى أقصى درجة، ومثال ذلك كتاب لأحد الدعاة مكون من 600 صفحة! والمؤلم أن غالبية أو جميع من يدّعون العلم بأحداث يوم القيامة يصرّون على أنهم استقوا ما في كتبهم من «علم» من كتب مؤرخين إسلاميين، ولا يترددون، دون خجل، من التربح من مجهود غيرهم الفكري، على تواضع مادته، وهم بذلك يتربحون بسبب عدم رغبة الكثيرين في أن يجهدوا أنفسهم في البحث والقراءة، وهذا ربما يعذرون فيه، ولكن قارئي كتب هؤلاء يصرون في الوقت نفسه على عدم الارتفاع بتفكيرهم لمستوى طفل في العاشرة من عمره، ورفض تصديق كل ذلك الكم من الخزعبلات التي تتضمنها كتب هؤلاء، والتي لا يقولها دين ولا يقرها عقل!
وفي رسالة على الإنترنت لاقت رواجا كبيرا، يتحدث كاتبها بتفصيل ممل عن الكيفية التي سيموت فيها كبار الملائكة، نقلا عن كتاب «بستان الواعظين ورياض السامعين» لابن الجوزي، حيث يتطرق لأحداث يوم القيامة، بعد نفخ «إسرافيل» في الصور النفخة الأولى فتستوي الأرض من شدة الزلزلة، فيموت أهلها جميعا، وبعد موت ملائكة السموات السبع والحجب والسرادقات والصافين والمسبحين وحملة العرش وأهل سرادقات المجد والكروبيين(!) ويبقى جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت! ثم يصف الكاتب كيف قبض ملك الموت أرواح الملائكة الثلاثة الكبار، وكيف بكوا طالبين من الله أن يهوّن عليهم سكرات الموت! ثم يأتي دور ملك الموت نفسه، فيقول الله (كما في الرواية): وعزتي وجلالي لأذيقنك ما أذقت عبادي، انطلق بين الجنة والنار ومت، فينطلق بين الجنة والنار فيصيح صيحة، لولا أن الله أمات الخلائق لماتوا عن آخرهم من شدة صيحته، فيموت. ثم يخرج الله تبارك وتعالى إلى الدنيا فيقول: يا دنيا أين أنهارك؟ أين أشجارك؟ وأين عُمَّارك؟ أين الملوك وأبناء الملوك؟ وأين الجبابرة وأبناء الجبابرة؟ أين الذين أكلوا رزقي وتقلبوا في نعمتي وعبدوا غيري؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد، فيرد الله عز وجل فيقول: الملك لله الواحد القهار (!!) والحقيقة أنني لن أصاب بالدهشة إن اكتشفت أن هذا ما يتم تعليمه لطلبة الكثير من المدارس المؤدلجة، أو الذين يتم تحضيرهم للقيام بمهام انتحارية، فمن يقرأ هذا الكلام ويصدّقه يهن عليه القيام بأي أمر وفعل!
أحمد الصراف