معارضة تورا بورا الكويتية بمجملها رفضت المشاركة في حكومة الشيخ جابر المبارك، عذرها الذي لا يتحدث عنه صراحة الرافضون إلا أنه أصبح “من عاداتنا وتقاليدنا” السياسية المفضوحة أن الوزراء العاديين (الشعبيين) “لا يهشون ولا يكشون”، وأنهم واجهة سياسية لاستكمال الشكل الدستوري، وأن الإدارة الحقيقية بيد الوزراء الديلوكس من أسرة الصباح الحاكمة، فهم بيدهم مقاليد الأمور، ويمسكون الدولة بمفاصلها من صغيرة وكبيرة، فالقضايا اليومية العادية تترك للوزير الموظف، أما المسائل الكبيرة والقرارات المهمة فهي اختصاص مغلق على مجلس الوزراء المصغر، وكما سميتها من زمان حكومة الحكومة (يعني عيال الشيوخ فقط).
ولأجل ذلك وجد نواب مجلس “طبقات الشعب” الكويتي أنه لا داعي أن يشاركوا النبلاء في الحكم (على غرار مجلس طبقات الشعب الفرنسي قبل الثورة الفرنسية) ما دامت أمور الدولة لن تكون بأيديهم.
رأي ثوار كبد لا معنى له اليوم، وفي مثل الظرف الكويتي الدقيق والحساس، بسبب حالة الاستقطاب الفئوي والطائفي الحادث بالدولة – وببركة فيروسات الجهل والانغلاق الثقافي والديني عند أغلبية الجمهور الكويتي من دون أن ننسى الدور السلطوي الحاكم في نشر عدواها- فقياس جابر المبارك بنفس المسطرة التي قيس بها من قبله فيه ظلم كبير عليه، وفيه افتراض سوء النية بجابر المبارك على غير وجه حق، ونلاحظ كثرة الأدبيات الإعلامية التي حملت رئيس الوزراء الجديد تبعات وزر من سبقه لمجرد كونه نائباً، وكأنه مجرد امتداد لمن سبقه، وإن كان لمثل هذا الرأي أي صحة فلم لا يعطى جابر المبارك فرصة إثبات نفسه، على الأقل، والمحك في النهاية عمله وإنجازات وزارته في دولة تاه عنها الإنجاز والتقدم منذ زمن طويل، بسبب تبادل الاتهامات بين الطرفين المجلسي والحكومي، وكلا الاثنين اسوأ من الآخر للأسف.
جابر المبارك في وضع لا يحسد عليه، فهو مطالب بالكثير في دولة وإقليم تضطرم فيه نيران التمردات والحروب الأهلية التي تطل بوجهها القبيح أحياناً لتعيدنا إلى الحالة القبلية حين تتجسد الدولة بالنظام الحاكم، وعندما يسقط النظام تتهاوى تلك الدول المصطنعة وتتفتت قبائل بعقيدة واحدة مهيمنة، وتضطهد الطوائف الأخرى المستضعفة، والكويت تضج “بالمطفقين” والتفهاء الذين يهرول إليهم من في قلوبهم مرض، مثل محمد المليفي وأصحابه، ومن هم على شاكلته المنتظرون دون ملل على أبواب المحاكم لتقديم شكاوى الحسبة سيراً على نهج شيخ طريقتهم يوسف البدري في مصر. يبحثون عن الشهرة من أظلم أبوابها!
ندرك العوار الكبير في النظام شبه الديمقراطي في الكويت، حيث لا أحزاب، ولا تداول للسلطة، مع غياب الفصل الحقيقي للسلطات، وانعدام الضرائب، وتركز الثروات العامة بيد السلطة الحكومية وضرب الدفوف خلفها، إلا أنه رغم ذلك يمكن ومن خلال المشاركة في الحكومة من خلال النواب وأحزابهم غير المعلنة يمكن (ربما) نجد مخرجاً من حالة الضياع التي نجابهها اليوم، ولنقر تماماً بأنه لولا ورقة التوت النفطية لكشفت عوراتنا على الجميع، فهل نمد اليد إليه أم نترك النار قرب فتيل الانفجار ينفخ فيها العنصريون الذين يسبحون بنعم السلطان وبركاته من جهة، ومن جهة أخرى يسكب الزيت عليها أطفال روضة بن لادن والظواهري يريدون جلد خلق الله وقطع رقابهم بحجة أنها حدود الله، وكأن لديهم وكالة حصرية من الحق دون النظر إلى اختلاف الظروف والزمن، أم نترك الكويت نهباً لحروب الطوائف والتناحرات القبلية – القبلية والحضرية – القبلية، وننسى معايير المساواة وحكم القانون وأبسط مفاهيم وحدة المواطنة التي يفترض أن نحيا بظلها، وننسى التنمية المستدامة والسنوات العجاف القادمة لا محالة، فنضحى صومال الخليج بعد أن كنا درة الخليج.
اليوم: 14 فبراير، 2012
قيامة أحد الدعاة
ربما نكون، بخلاف غالبية شعوب الدنيا، الأكثر نقداً للإنترنت واستخداماً له في الوقت نفسه، ولكنه أصبح مؤخراً، وفي منطقتنا، أداة تجهيل وعبث، بدلاً من وسيلة اتصال شبه مجانية ورافد عظيم للمعرفة! ومن بين مئات الرسائل التي تردني يوميا هناك رسائل غاية في الخطورة من ناحية قوتها التجهيلية، تبين بوضوح الفرق الشاسع بين طبقات المجتمع في فهمهم وتقبلهم للدين، بين كونه دينا للعبادات، أو أداة إلهاء وإرهاب وتعمية، ويختفي التساؤل متى ما عرفنا ما يحققه مؤلفو هذه الكتب من ثروات، متى ما وضعوا هذا الكلام ضمن دفتي كتاب، أو قالوه في خطبة ما، فهناك مثلا من يصف عذاب القبر، وآخر يتكسب من تفسير أحلام الجهلة والمرضى النفسيين، ومن يصف أحداث يوم القيامة، وما بعد بعد يوم القيامة، بتفاصيل وشروحات وصور توضيحية خيالية إلى أقصى درجة، ومثال ذلك كتاب لأحد الدعاة مكون من 600 صفحة! والمؤلم أن غالبية أو جميع من يدّعون العلم بأحداث يوم القيامة يصرّون على أنهم استقوا ما في كتبهم من «علم» من كتب مؤرخين إسلاميين، ولا يترددون، دون خجل، من التربح من مجهود غيرهم الفكري، على تواضع مادته، وهم بذلك يتربحون بسبب عدم رغبة الكثيرين في أن يجهدوا أنفسهم في البحث والقراءة، وهذا ربما يعذرون فيه، ولكن قارئي كتب هؤلاء يصرون في الوقت نفسه على عدم الارتفاع بتفكيرهم لمستوى طفل في العاشرة من عمره، ورفض تصديق كل ذلك الكم من الخزعبلات التي تتضمنها كتب هؤلاء، والتي لا يقولها دين ولا يقرها عقل!
وفي رسالة على الإنترنت لاقت رواجا كبيرا، يتحدث كاتبها بتفصيل ممل عن الكيفية التي سيموت فيها كبار الملائكة، نقلا عن كتاب «بستان الواعظين ورياض السامعين» لابن الجوزي، حيث يتطرق لأحداث يوم القيامة، بعد نفخ «إسرافيل» في الصور النفخة الأولى فتستوي الأرض من شدة الزلزلة، فيموت أهلها جميعا، وبعد موت ملائكة السموات السبع والحجب والسرادقات والصافين والمسبحين وحملة العرش وأهل سرادقات المجد والكروبيين(!) ويبقى جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت! ثم يصف الكاتب كيف قبض ملك الموت أرواح الملائكة الثلاثة الكبار، وكيف بكوا طالبين من الله أن يهوّن عليهم سكرات الموت! ثم يأتي دور ملك الموت نفسه، فيقول الله (كما في الرواية): وعزتي وجلالي لأذيقنك ما أذقت عبادي، انطلق بين الجنة والنار ومت، فينطلق بين الجنة والنار فيصيح صيحة، لولا أن الله أمات الخلائق لماتوا عن آخرهم من شدة صيحته، فيموت. ثم يخرج الله تبارك وتعالى إلى الدنيا فيقول: يا دنيا أين أنهارك؟ أين أشجارك؟ وأين عُمَّارك؟ أين الملوك وأبناء الملوك؟ وأين الجبابرة وأبناء الجبابرة؟ أين الذين أكلوا رزقي وتقلبوا في نعمتي وعبدوا غيري؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد، فيرد الله عز وجل فيقول: الملك لله الواحد القهار (!!) والحقيقة أنني لن أصاب بالدهشة إن اكتشفت أن هذا ما يتم تعليمه لطلبة الكثير من المدارس المؤدلجة، أو الذين يتم تحضيرهم للقيام بمهام انتحارية، فمن يقرأ هذا الكلام ويصدّقه يهن عليه القيام بأي أمر وفعل!
أحمد الصراف