تقول طبيبة عراقية في رسالة مؤثرة لصديق، إنها بكت كثيرا، وهي تشاهد موت يتيمة معاقة عقليا من نزلاء دار أيتام، نتيجة سوء تغذية وفقر دم في محيط مملوء بالثراء المادي والغذائي، وفي دار لا تبعد كثيرا عن جامع معروف يصلي فيه الآلاف أسبوعيا، ومن بينهم أعضاء في مجلس النواب، وكثير من أغنياء العراق، وتقول إنه ليس غريبا ان يموت فقراء العرب من الجوع والفقر، فذلك جزء من ارث امة حكمها، بعد الراشدين، أكثر من مائة «حاكم» من أمويين وعباسيين وغيرهم وصولا إلى العثمانيين، الذين انتهت بهم، بعد ان استمر عهد كل هؤلاء لأكثر من 1250 عاما، لم نقرأ أو نسمع فيها عن واحد أقام العدل وأنصف الفقراء، ربما غير عمر بن عبدالعزيز، وحتى هذا لم يدم حكمه طويلا! وعندما اقتحم هولاكو بغداد المعتصم وجد في قصوره غرفا مملوءة بالمجوهرات، وعددا لا يحصى من الجواري والغلمان، وأن هذا «الخليفة» لم يصرف شيئا من أمواله على تسليح واطعام جيشه والفقراء! وتقول الطبيبة العراقية إننا لو نظرنا إلى واقع وحال كثير من الأماكن الدينية، الأكثر تقديرا واحتراما، وخاصة في الدول الاسلامية لوجدنا أن غالبيتها يحيط بها حزام فقر واضح. كما نجد أن أي جهة تقدم العون لهؤلاء تحصر عونها في أتباع مذهبها أو دينها، وهذا عكس ما يحدث مثلا في كنائس الغرب، ومعابد جنوب شرق آسيا مثلا، التي يسمح للجميع بدخولها والانتفاع من خدماتها من دون تمييز او تفرقة! وقد ذكرني كلام هذه الطبيبة، بقصة ذلك البحريني الذي قبض عليه في الكويت قبل فترة «متلبسا» بجريمة الصلاة في مسجد غير مسجد أتباع مذهبه، وكيف ضرب الرجل من قبل المصلين، وكيف رحل خلال ساعات الى الخارج!
ولو عصرنا فكرنا لما وجدنا جامعا أو كنيسة في بلداننا عرف عنها توزيع المعونات للفقراء، من دون التدقيق المسبق بدين طالبي العون ومذهبهم، وهذا أيضا عكس ما نشاهده في أماكن كثيرة أخرى، وربما يكون الاستثناء الوحيد هو مآدب رمضان، التي لا يسأل فيها عادة عن ديانة من يرتادها، ولو أنني أشك في أن غير المسلمين لديهم الجرأة على الاقتراب منها. كما لو بحثنا لما وجدنا أي مستشفى خاص في كل الدول العربية يرضى بتقديم العلاج للمضطر والمحتاج، علما، ان عددا كبيرا منها مملوك لمؤسسات خيرية ومالية اسلامية معروفة، وهذا طبعا يتناقض تماما مع ما يصرف على تمويل ومساندة الارهاب، والذي يكفي نصفه لتحسين دخل ملايين المسلمين وتغيير معيشتهم الى الأفضل.
وتنكر الطبيبة وجود ثري عربي واحد، وما أكثرهم، تبرع أو أوصى بالتبرع بغالبية أمواله لخير البشرية، مثل «الكافر» بيل غيتس، أو أن أحداً من اثريائنا أو مشاهيرنا أنفق على الخير والتعليم مثل ما فعلت اوبرا وينفري، وعشرات غيرها من فنانين ورجال أعمال. وبالرغم من أن خطباء مساجدنا بارعون في وصف زهد السلف الصالح والأئمة وكرمهم، فاننا نجد أنهم يعيشون عيشة ترف متناهية، كما ظهر من مقابلات تلفزيونية أجريت مع بعضهم، عندما زارت الكاميرات بيوتهم، وبينت بذخ معيشتهم!
أحمد الصراف