في تصرف يفتقد المسؤولية، وتكرر ما يماثله عشرات المرات، وفي حالة انعدام تام للاحساس بما يمثله بث الفرقة بين أبناء المجتمع من خطورة، تم توزيع كتيب يحث على مقاطعة الانتخابات ومعاداة الشعوب الأخرى والدعوة لغير ذلك من سقيم الآراء.
لا أتكلم هنا بلسان «شريف مكة» ولا أدعي العفة والطهارة، ولكن من حقي ان أطالب بالحد الأدنى من الذوق في التعامل مع الحساس من القضايا وعدم تشجيع المعتوهين والرعاع من المواطنين على نشر السقيم من أفكارهم، خصوصاً تلك التي يمكن ان تترتب عليها تبعات خطرة.
موضوع هذا الكتيب الغريب ذكرني بمقال كتبه قبل فترة قصيرة الزميل الأردني جهاد علاونة بعنوان: هل من حقي اختيار ديانتي؟ يقول في مقدمته: اسمي وموطني وديانتي لم اخترها، على الرغم من ان بامكاني، قضائيا، تغيير اسمي، ولكنه عاجبني ولست معترضاً عليه، أما الوطن فليس بمشكلة أيضاً، فكل بلاد العرب أوطاني! انما الدين الذين ولدت ونشأت عليه هو الذي.. شو بدي أحكي! فأنا لا أريد القول انه مش عاجبني، وانما هو اللي مش عاجبه أحد، ومش عاجبه أن أعيش مرتاح، ومش عاجبه ان أنعم بالحياة، ومش عاجبه ان أعيش بكرامة، هذا الدين هو اللي ماشي ضدي ولستُ أنا من يمشي ضده، أنا والعذرى مش ضد الدين، بس هو اللي ضدي أينما أذهب واينما أتجه بفكري ومهما كانت أفكاري فهي لا تعجبه! فان دعوت لأي شيء يعارضني، وان دعوت للاصلاح يعارضني، وان قلت نحن نريد مؤسسات مجتمع مدنية في الأردن يعارضني، اذاً هو الذي يقيم تعارضاً بين ما يحلم به المواطن العربي وبين ما يريده ان يكون عليه، ولو ان الحكومات العربية تعرض كل الأديان على الشعوب العربية، كما عرض القيصر الروسي كل الأديان على كل الشعوب السوفيتية (يقصد الروسية)، وقال لهم انتم احرار في اختيار الدين الملائم لكم، لربما اخترنا، نحن العرب، ما اختاره الروس! انتهى الاقتباس بتصرف.
والآن ما الذي يدفع هذا الكاتب لأن يكتب هذا الكلام، ويدفع مئات الآلاف المماثلين له للتخوف من الدين والتعامل معه بحذر، والخشية من كل ما له صلة به، أليس لما ينشره البعض من أفكار متطرفة ومعادية للإنسانية والتسامح والمحبة والعيش بسلام مع الآخر؟ أليس لأن كل ما يبثوه معاد لكل المشاعر والأحاسيس الطيبة؟ وهل يتخيل هؤلاء المتطرفون الدينيون بانهم، بتشددهم الديني وتهديداتهم بالعذاب والنار، يمكن ان يكسبوا قلوب العامة، ويجعلوها مؤمنة؟ وما الفائدة من شعب كامل من الخراف الخائفة التي قبلت الدين خوفاً وليس اقتناعاً؟ ولماذا نربط الدين بالعداء للديموقراطية والحرية والتفاهم والمحبة؟
نعود ونقول ان الشرهة، أو المسؤولية، لا تقع فقط على المعتوهين الذين يصرفون على طباعة مثل هذه المواد، بل على من يقوم بتوزيعها ونشرها وتسويقها والترويج لها والتعامل معها وكأنها مواد دعاية لصابون غسيل أو معجون حلاقة!
أحمد الصراف