اللهم ارزق ذلك المراهق الفوّال (يعمل صبيّاً عند بائع الفول) المصري البسيط، الذي تساءل مذهولاً: “معقولة… كل حاجة عاوزها حألاقيها في الجنة؟”، فقيل له: “طبعاً كل حاجة… قل كده أنت عاوز ايه من ربك في الجنة؟”، فأجاب كمن يحلم بتحقيق الخيال: “عاوز محل تمليك ع الناصية في الجنة وقدرة فول كبيرة أوي، وأبقى أنا المعلم، والمسلمين كلهم واقفين على باب المحل طوابير طوابير” ثم رفع يديه باستجداء العبد لربه: “ياااا رب”. ويوقفني أحد البسطاء، محدودي التعليم، في السوق ليقنعني بضرورة نجاح نواب المعاملات مهما قبضوا من أموال أو رِشا (جمع رشوة): “أنا معك في وجوب نجاح نواب المعارضة في الانتخابات، لكنني أيضاً أتمنى نجاح من يخدمني وينجز معاملاتي” ويكمل حديثه بكل ما أوتي من جدية: “رئيس القسم في مقر عملي يكرهني (يدوّر علي الزلة)، وأريد مَن ينقلني من القسم، وأحتاج إلى نائب يقوم بهذا الأمر! ستقول لي إنه نائب حرامي؟ وليكن، ألف مليون عافية على قلبه إذا كان يسرق ويخدمنا… أنا في حاجة إلى نوعين من النواب، نائب يعضّ أنف الحكومة إذا لعبت بذيلها (هكذا وصف المشهد) ونائب ينقلني من وظيفتي وينقل غيري من وظيفته إذا ضايقنا رؤساء الأقسام”. أشباه صاحبنا هذا وأشباه صاحبنا الفوال من البسطاء أكثر مما نتخيل، أعدادهم تخوّلهم ترجيح كفة نائب وأكثر من نواب “حاضر عمي”. وقد قرأت عن قائد عسكري برتغالي في العصور الوسطى، كان ينتقي خيرة جنوده من خلال أشكالهم وطريقة أكلهم وجلوسهم ومشيهم. كان يمعن النظر في وجه الجندي لفترة معينة، ثم ينظر إلى طريقة أكله، وكيف يضحك، وكيف يمشي، وكيف يجلس، ووو، ثم يقرر ضم هذا العسكري إلى الكتيبة او رفضه… وأزعم أنني أستطيع أن أحكم على الموقف السياسي للشخص من خلال معرفة سيرته الشخصية، ومن خلال شكله وطريقة لبسه ومشيته وكلامه وضحكاته، وأظن أن أحكامي هذه ستنجح بنسبة كبيرة. وكنت أتفرج في التلفزيون على ندوة أحد المرشحين من النواب السابقين، وهو كبير الخبثاء الذي علمهم النهب والهبش، وكنت أضع الصوت على خاصية “ميوت”، الصامت، وأنتظر تجوال الكاميرا على وجوه الحضور، وجالت الكاميرا عليهم فشاهدت نوعين من البشر، نوعٌ تسيطر عليه روح العبودية والخنوع، ونوعٌ آخر عينه اليمنى على ساعة يده واليسرى على مشاريع الحكومة وأموالها العامة، يريد أن ينهب بأقصى سرعة. وأجزم أنني لو وقفت على باب إحدى اللجان الانتخابية، لاستطعت تحديد الفائزين في هذه اللجنة من خلال وجوه الناخبين… فالخبيث واضح، شديد الوضوح، والرخمة أكثر منه وضوحاً، والشهم تبدو على وجهه دلائل الشهامة، والصدوق كذلك، والكذوب، واللص، والساذج، ووو… ومن خلال معرفة شخصية الناخب، يمكننا معرفة اختياره، فلا يمكن للشهم أن ينتخب لصاً، ولا يمكن للرخمة أن ينتخب حراً إلا ما ندر، ولن أصدّق من يقسم لي إن “موضي علف” سينتخب حسن جوهر أو أحمد السعدون أو مشاري العصيمي أو عبد الله الأحمد أو أياً من أحرار الكويت. لن أصدق. هي هكذا… من خشّته * تعرف وجهته. * * * • الخشّة: المحيا أو الوجه.