عاجل الموت «سوامي» وهو شاب، وجلست زوجته وابنه ووالداه حوله يبكونه بحرقة، فقد كان معيلهم الوحيد، زارهم «مهاراج جي»، حكيم القرية، ليعزيهم بولدهم، فتشبثوا بتلابيب ثوبه وهم في حزن شديد، الدموع تنهمر من مآقيهم، يستعطفونه كي يعيد الحياة لحبيبهم ووالدهم ومعيلهم وفلذة كبدهم، الذي مات قبل يومه بكثير، فما الذي سيحدث الآن لابنه وزوجته ووالديه، بعد ان أصبحوا محرومين من كل شيء، فقد كان نعم الزوج والسند وعماد الأسرة الوحيد، وانهم جميعا يشعرون باليأس والعجز التام في غيابه، فهم لا شيء، لا شيء ابداً من غيره! وعندما لم تجد محاولات «مهاراج جي» في مواساتهم والتقليل من حزنهم، وتصبيرهم على بلواهم، بعد تزايد بكاء الجميع ومطالباتهم اياه باعادة «سوامي» الى الحياة، نهض الحكيم من مكانه وطلب قدحاً من الماء، ثم وضعه بجانب الجثة الهامدة وقال لهم إن على كل من يرد عودة «سوامي» للحياة شرب قدح الماء، وسيموت عوضاً عنه! هنا بانت علامات الاستنكار على وجوههم فقال لهم: ألم تقولوا إنه كان حبيب الجميع ومعيلكم الوحيد وان حياتكم أصبحت مستحيلة من غيره، فلم لا يموت أحدكم، وانتم جميعاً بلا نفع بعضكم لبعض من دونه؟ لم لا يضحي أحدكم بنفسه لتستفيد البقية من عودة «سوامي» للحياة؟ تعالي أيتها الزوجة ألم تقولي إنه كان الوحيد الذي يضع الخير على الطاولة، لماذا لا تستبدلين جسده بجسدك؟ فقالت الزوجة ان لديها ابنا صغيراً بحاجة إليها، ويجب ان تعيش من أجله! وعندما وجه الحكيم نظراته للاب تردد هذا وقال ان لديه زوجة مريضة تعتمد عليه، وان مات فمن سيعتني بها، وهنا حول «مهاراج جي» نظراته للأم فقالت هذه ان ابنتها ستأتي لتلد عندها بعد أيام وليس هناك من يعتني بها، وهي بحاجة اليها، هنا نظر الحكيم للطفل وقال له: أيها الصبي ألا تريد ان تضحي بحياتك لكي يعود والدك إلى الحياة ويعيل أمك وجدك وجدتك، ويحميهم من المرض والجوع؟ وقبل ان ينطق الصبي بكلمة ضمته امه الى صدرها قائلة: هل انت مجنون؟ انه طفلي الوحيد ولا يمكن ان أعيش من دونه، وهو لم يعش حياته بعد! وهنا ابتسم «مهاراج جي» وقال من الواضح ان هناك حاجة لبقائكم جميعاً على قيد الحياة، والوحيد الذي لم يكن له غرض في هذه الدنيا قد أخذه الموت منكم! والآن لنكمل اجراءات دفنه فقد تأخر الوقت كثيراً!
ولو تمعنا في هذه القصة الرمزية، لوجدنا ان الحب يبقى طالما بقيت الحياة، أما بعد ذلك فلا تبقى إلا ذكريات الأوقات الجميلة! والحياة ستستمر بنا أو بغيرنا، ببكاء ونواح ولطم، أو بابتسامة وسعادة ومرح، فلم نختار الأسوأ ونترك الأفضل والأجمل؟
* قصة من التراث الهندي
أحمد الصراف