هكذا هي الأمور، وهكذا يفعل الرموز وقادة المجتمعات… فعندما أعلن المرشح محمد بو شهري حضور الدكتور أحمد الخطيب ندوته الافتتاحية، ضبطنا توقيت ساعاتنا. ويا للصدف، تزامن الحضور الكبير للدكتور أحمد الخطيب مع حضور كبير آخر للدكتور عبد الله النفيسي في ندوة المرشح الحميدي السبيعي. وفرَدَ النسران أجنحتهما الضخمة، وأمسكا بمخالبهما الحكومة السابقة بنوابها وطبّاليها وعملائها المزدوجين، وارتفعا بها في حالق شاهق، وارتفعا وارتفعا وارتفعا حتى غابا عن الأعين، ثم أفلتاها– الحكومة السابقة -فهَوَت على صخور الوادي، فتمزقت أشلاؤها، وإلى حيث ألقت رحلها… وإذا كان مضمون حديث النفيسي معروفاً للمارة وعابري السبيل، فإن دقات قلوب الكويتيين – وأولهم أعضاء “التيار الوطني”، أو بعضهم، وبعض قواعدهم، الذين يدّعون انتسابهم إليه – تسمعها من على بعد فرسخين وأكثر، قبل أن يتحدث الخطيب، خوفاً من أن يستخدم “ميسم الكيّ” فيحرقهم… وقد استخدمه، ففاحت رائحة الجلود. وكنا – نحن المعارضين نوّابا وكتابا وآخرين – نصرخ قبل أن يحلّق الخطيب: “العاصفة ستقتلعنا جميعاً”، فيرد علينا بعض “الوطنيين” وهم يجلسون على الأرائك وريش النعام: “لن نقاوم معكم العاصفة لأن تسريحة شعر بعضكم لا تروق لنا”، فنصرخ: “يجب أن تتوحد الألوان وتتحد الأيدي”، فيأتينا ردهم: “أشكالكم لا تعجبنا، غوغائيون… ثم إن العاصفة مفيدة للصحة”! يقولون ذلك وضحكاتهم تطغى على كلماتهم، قبل أن يدّعوا أمامنا وأمام قواعدهم، زوراً، أنهم “أبناء المؤسسين” والمتحدثون باسمهم، وقبل أن يوجهوا سهامهم إلى المعارضة… عندذاك أدركنا “ايش في جوف الصرة”، فبلعنا ريق الغضب وهززنا رؤوسنا وغادرنا ونحن نرفع سبابة التهديد في وجوههم: “المؤسسون لا يجلسون على الأرائك في المواقف الحاسمة، بل يزاحموننا في ساحات الغضب، ولا يسمحون للعاصفة باقتلاع الخيمة… لكننا على أية حال سنردها إليكم في الأفراح والليالي الملاح، والأيام دول”. فانهمرت سحابة شتائمهم علينا، وراحوا يرجموننا بالحجارة، ويتهموننا بما فيهم كي يُبعدوا التهم عنهم: “أنتم غوغائيون، اسطبلاويون، شوارعيون، اقتحاميون، مدفوعون من الخارج… لقد جئتم شيئاً فريّاً”، كما في وصف القرآن الكريم… وتطابقت أقوالهم مع أقوال القراصنة، ويا للصدف. وهنا، وفي لحظات كهذه، جاء أحد المؤسسين الذي يدّعون الانتساب إليه، د. أحمد الخطيب، وخطب الخطيب، فحلّت الطامة على رؤوس المزوّرين، ووقعت الصخرة على أكبادهم، عندما أعلن أن الداء في الحكومة ونوابها لا في المعارضة، فصمتت الألسن، وانخلس المزورون من بين الجموع تحت رداء الليل يمشون على أطراف أصابعهم خشية أن ترصدهم الأعين. وكنت ومجموعة من الأصدقاء نتلقط الأخبار، وكانت قوافل الركبان تنقل إلينا ما يقوله النسران، الخطيب والنفيسي، وكنت أقول للندماء: “الكارثة ستحل… النفيسي والخطيب سيسفكان دماء المتلونين المزورين”، فعلّق أحد الندماء: “الخطيب سيجامل أنصاره، نحن في أيام انتخابات”، فاعترضتُ: “أنت تشتم التاريخ، ولا تُنزل الرجال منازلهم، فالمعادن الأصيلة لا تصدأ، وستنبئك الرسل بما فعل الخطيب”، وجاءت الرسل تنقل إلينا الأخبار، فعلّق نديمي: “فعلاً، المعادن الأصيلة لا تصدأ، والكبار لا يتضاءلون”.
اليوم: 10 يناير، 2012
الاستفتاءات و..مقال واحد لا يكفي!
دعونا في مقال سابق لاجراء استفتاءات واستطلاعات للرأي وقلنا إنها عملية معلنة ومصاحبة للانتخابات الرئاسية والتشريعية في الدول الأخرى، وقد دلنا أحد الأصدقاء على موقع إلكتروني اشتهر بقيامه بذلك الأمر وهو أمر يشكر عليه صاحبه، وبودنا ان لو قامت إحدى الجهات الحكومية بالاتفاق مع صاحب ذلك الموقع ضمن عقد ومقابل مالي لضمان الشفافية المطلقة لذلك العمل السياسي والمجتمعي العام، ثم العمل بعد ذلك على نشر نتائج تلك الاستفتاءات تباعا ودون حساسية في وسائط الإعلام الحكومية والخاصة ما دام قد تم ضمان شفافيتها وحياديتها لما في ذلك من فوائد جمة للمرشحين والناخبين وللكويت عامة.
****
وفي هذا السياق يرى البعض أن من مستلزمات الحيدة في الاستطلاع: الاختيار «العشوائي» لمن سيتم سؤالهم في الدوائر المعنية، والحقيقة أن ذلك فهم خاطئ وينتج عنه عادة البعد عن الدقة المطلوبة للاستفتاءات، والإجراء الصحيح هو الاختيار «الدقيق والمدروس» للعينة كي تعكس أعداد وأرقام الناخبين ضمن تقسيماتهم الفئوية والطائفية والقبلية والاجتماعية وحتى السياسية والاقتصادية إن أمكن ثم يتم الاختيار العشوائي ضمن تلك العينات وهو ما يضمن دقة النتائج، ودون ذلك قد يصدف أن تكون العينة العشوائية بالمطلق ضمن مكون واحد من مكونات الدائرة فتعكس نتائج غير حقيقية.
****
دقة العينة للعلم هي ما يجعل استطلاع رأي لألف شخص في الولايات المتحدة التي تضم 50 ولاية و300 مليون نسمة في قارة تمتد من جزر هاواي إلى ألاسكا، ومن نيويورك إلى شيكاغو وتكساس وكاليفورنيا يعكس بشكل دقيق جدا النتائج النهائية التي تعلن بعد ذلك لانتخابات الرئاسة أو المجالس التشريعية والتي يصوت فيها ما يقرب من 100 مليون أميركي، اختيار العينة في الاستفتاءات أمر مهم والحال كذلك مع كبر الشريحة التي كلما كبرت زادت النتائج دقة، ومعها كيفية طرح الأسئلة التي يمكن لها أن تدفع الإجابة بهذا الشكل أو ذاك.. إذا لم نكن حذرين.
****
ونعلم جميعا الكلفة المالية الضخمة للجهات التي تقوم بالاستطلاعات في الكويت هذه الأيام ومن ثم يجب أن يكون هناك مردود مالي يعود على تلك الجهات، ولكن من الملاحظ أن هناك إعلانات مع الصور لبعض المرشحين على صفحة الموقع الذي يجري تلك الاستفتاءات وهو أمر قد يظهر تعارض المصالح والابتعاد عن متطلبات الحياد بل قد يظلم من وضع إعلانه وصوره من المرشحين على الموقع حيث لو صادف ان تصدر المرشح المعلن أرقام الاستفتاءات بحق فسوف يشكك كثيرون في تلك النتائج وسيعتبرون أنها رد جميل وأمر دبر بليل، ولو أظهرت النتائج تخلفه عن منافسيه لكانت خسارته مضاعفة، والحل يدعو للبعد عن مثل تلك الإعلانات.
****
آخر محطة: أقرأ لبعض الزملاء الأعزاء هذه الأيام مقالات شديدة الفائدة للناخبين تساعدهم على حسن الاختيار، معرفتنا بضعف الذاكرة الجمعية والفردية للشعب الكويتي تدعونا للطلب من الزملاء الكتاب أن يعيدوا تكرار تلك الأفكار الخيرة في الطريق لانتخابات 2/2 وعدم الاكتفاء بمقال واحد.
سرقات فكرية
دانت لجنة في السعودية، تختص بالنظر في المخالفات التابعة لإدارة حقوق المؤلف، والمشكلة بقرار من وزير الثقافة والإعلام، دانت رسميا رجل الدين عايض القرني، مؤلف كتاب «لا تيأس»، في القضية المرفوعة من السيدة سلوى العضيدان مؤلفة «هكذا هزموا اليأس». وصرح محاميها، حسبما نشر مؤخراً في الصحف، أن اللجنة الموكلة لها مهام النظر في الكتابين أنهت أعمالها بتأكيد وجود سطو واعتداء على كتاب موكلته، وأنه حصل على تقرير اللجنة الذي حكم نهائياً بإدانة القرني.
وقد سبق أن كتبت مقالا عن هذا الموضوع قبل عدة أشهر، عندما ظهرت الفضيحة للعلن، ولكن القبس ارتأت وقتها عدم نشر المقال، الذي تعرضنا فيه لعملية السطو، وتساءلنا: كيف يسمح رجل دين، معروف ويفترض أنه «نزيه»، لنفسه بالسطو على نتاج فكر غيره، ويستمر في عمله، ويستمر مريدوه بالتوافد عليه، وسؤاله في ما يشغلهم من أمور دينهم ودنياهم؟! وتساؤلنا لم يكن لنا بقدر ما كان لغيرنا، من المغترين بفكر واخلاص هؤلاء، فالقرني قد لا يختلف بالطبع عن إمام المسج والداعية وغيرهما ممن وردت أسماؤهم في فضائح كبيرة، ليس آخرها ورود أسماء بعضهم بين «القبيضة»! ولا يختلف ما يوجد بيننا عما هو موجود بين رجال ونساء العقائد الأخرى، ففضائح سرقات أموال المحسنين من صناديق الخير في الكنائس لا تزال تزكم الأنوف، وستستمر كذلك، والهالة الدينية التي يحاول هؤلاء إسباغها على أنفسهم ليست في الغالب إلا غطاء لضعفهم وهوان أنفس الكثيرين منهم!
ما صدر في السعودية من حكم يعتبر سابقة في منطقة لا تضع عادة اعتبارا لأي حقوق فكرية، وسيردع اي سرقات مستقبلا، نقول ذلك مع شعورنا بأن فكرة كتاب العضيدان سبق أن تطرق لها الأميركي ديل كارنيغي في كتابه الشهير قبل نصف قرن «دع القلق وابدأ الحياة»!
***
ملاحظة: تقيم الجمعية الثقافية النسائية في مقرها بالخالدية ندوة في السابعة من مساء اليوم، يحاضر فيها المفكر السعودي إبراهيم البليهي، نتمنى الالتقاء بكم.
أحمد الصراف