أنا على استعداد لأن “آخذها كعّابي”، وأمشي في طول الأرض وعرضها، من الغلاف إلى الغلاف، بحثاً عمن يراهنني على أن الشعب السوري من بين أذكى خمسة شعوب على مستوى العالم.
لا مقارنة بين العقل السوري وبقية العقول العربية، آسيويّها وإفريقيّها، باستثناء العقلين العراقي واللبناني. ولو كان للعقول بطولة رياضية، لما نزل العقل السوري من منصة التتويج…لكن من أين جاء هذا التفوق؟ الله ورسوله أعلم، لكن يبدو لي أن للمناخ ارتباطاً وثيقاً بالعقل والمدارك.
و”القمع يقتل القمح”، و”البعث يخنق البحث”، وفي سورية يسيطر القمع والبعث، وخيرٌ لك، إن كنت سورياً نابغة، أن تربط طموحك بحبل متين وتكتب عليه “ملح” لتصرف عنه الأنظار، وتخبئ أحلامك بين ثنايا البطاطين، وتتظاهر بالسّفه وتمشي مشية السكران كي ينظر إليك النظام بازدراء ويتركك في حال سبيلك (النظام يتقن كل النظرات إلا نظرة الشفقة)، قبل أن تتدبر تذكرة طيران إلى حيث لا بعث.
وحتى لحظة كتابة المقالة، لم أعرف السبب الحقيقي لكل هذا الفزعة الروسية المستميتة دفاعاً عن بشار الأسد وزواحفه السامة. طرقتُ الأبواب كلها، وسألت، وقرأت، بحثاً عن سبب مقنع لهذه الفزعة فلم أجد.
الأدهى أن السيدة الروسية الباردة تخلت بسرعة عن معطف الفرو الليبي رغم أنه الأغلى والأحلى والأكثر دفئاً، وتمسكت بالمعطف السوريالرقيق الذي يزحم خزاتنها ولا تحتاج إليه ولا ترتديه إلى أن كساه الغبار. فهل فقدت هذه الروسية الباردة الباهتة عقلها أم أنها ندمت على التنازل عن المعطف الليبي بلا مقابل، وقررت تعويض خسائرها بمعطفها البالي هذا.
وإذا كانت المشاريع الروسية العظمى تتكاثر وتتوالد بطريقة أرنبية في ليبيا القذافي، فإنها في سورية لا تملأ معدة العصفور، إلا إذا تم التوقيع في أيام الثورة على مشاريع جديدة مجحفة، ظاهرها البناء وباطنها حماية البعث. ففي الأيام هذه، لن يتأخر بشار ثانية واحدة عن تنفيذ أوامر السيدة الروسية، بدءاً من الاعتناء ببصيلات شعرها وتدليك أكتافها وتقطيع البصل وتنظيف صالة منزلها بعد السهرة، وانتهاء بارتداء ملابس السفرجية والوقوف خلف طاولة طعامها.
السبب الوحيد المقنع في غضبة السيدة الروسية في دفاعها عن بشار وزواحفه، هو أن إيران، المملوءة حد التخمة بالمصالح الروسية، طلبت، أو قل اشترطت، الحماية الروسية لنظام البعث السوري، في مقابل مشاريع ضخمة أخرى في إيران وسورية تُمنحان لروسيا.
وأظن أن على جامعة الدول العربية، إذا كانت نيتها صافية لإيقاف الدم السوري المنسكب، أن تتعهد للسيدة الروسية بتوفير مشاريع كبرى لها في عدد من الدول العربية النفطية شريطة أن ترفع غطاء حمايتها عن بشار. وقتها، سترمي السيدة معطفها في أول حاوية قمامة في الطريق العام إلى حقول النفط.
اليوم: 8 يناير، 2012
الخطة الحقيقية لتدمير الكويت! (2)
ومن ضمن مخطط تدمير الكويت الذي ينادي به ويسوق له اصحاب الاجندات الخاصة من ذوي الانياب الزرقاء ويتبعهم للاسف بجهل وغواية بعض السذج من الناخبين والمرشحين:
****
الدعوة للتحول للدائرة الواحدة الذي يثبت خطؤه حتى دون تفكير كونه امرا غير معمول به في «جميع» الديموقراطيات الاخرى فهل الداعون له اذكى واكثر خبرة بالعمل الديموقراطي من الاميركان والالمان واليونان واهل اليابان؟! حال دعوتهم الحالية كحال دعوتهم المدمرة السابقة لـ «تقليص» عدد الدوائر في وقت «تزداد» فيه الدوائر بالعالم اجمع وكان القرار الصحيح هو في زيادة عدد دوائرنا من 25 الى 30 ليزداد عدد النواب والوزراء بالتبعية وكي تشمل تلك الدوائر المناطق الجديدة ويخصص البعض منها للاقليات من قبائل صغيرة وشرائح اجتماعية وسياسية مختلفة كي يمثل الجميع في البرلمان ولا يشعر احد بالغبن ولتقليل الكلفة المالية للترشح الذي هو احد اهم اسباب الفساد التشريعي نظرا لكبر الدوائر والمطلوب هذه المرة التحول للدائرة الواحدة كي يتم اقتتال الكويتيين من قبائل وحضر، سنة وشيعة، بعد ان كبرت الكعكة واصبحت بحجم الكويت وميزانيتها العامة الشهية.
****
الدعوة للنزول للشارع الذي قد ينتهي كذلك بالتناحر والاقتتال، فيكفي ان تطلق رصاصة في الظلام او ان تنفجر قنبلة بالجموع ليشتعل البلد كما حدث في لبنان عام 75 عندما نزل الناس للشوارع وانطلقت رصاصة مجهولة لتقتل الزعيم معروف سعد لتبدأ على إثرها شرارة الحرب الاهلية «المعلنة»، كما تسببت التفجيرات في جموع الشيعة بالعراق في شرارة الحرب الاهلية «الخفية» القائمة هناك، والارجح ان مخطط تدمير الكويت يمر بهذا المسار، السؤال المحير الذي يجب ان يتم سؤاله لكل مرشح يدعو الجموع للخروج للشارع هو: ما فائدة مجلس الامة اذن؟ ولماذا يترشح من يدعو لذلك لعضوية مجلس «صوري» لا تحل الاختلافات والمشاكل فيه؟!
****
وما وضعت المحاكم منذ الازل الا كبديل للتناحر والتقاتل والشقاق والاختلاف بين الناس وعمود الخيمة الذي تقوم عليه المحاكم هو القبول بحكمها والا فما فائدة وجودها؟! ان مخطط تدمير وتخريب الكويت يمر برفض احكام المحكمة الدستورية كي تبقى الخلافات دون حسم او فصل وهو ما يدفع الناس للخروج للشارع والفوضى واقتحام المباني العامة «مجلس الامة، مجلس الوزراء، البنك المركزي، قصر السيف ..الخ» وقد وصل الامر هذه المرة لاقتحام مجلس الامة فأين سينتهي؟! سؤال اسألوه كناخبين للمرشحين الداعين للخروج واسألوهم عن فائدة محكمة احكامها غير ملزمة، والاهم: ما البديل عن تلك الاحكام لحل الخلافات؟!
****
ومن ضمن مخطط التدمير والخداع الادعاء الكاذب بمحاربة الفساد التشريعي والقبيضة ..الخ، مع العمل على العكس من ذلك تماما عبر محاربة انشاء لجان قيم كحال «جميع» الديموقراطيات الاخرى التي تحارب وتردع وتعاقب المسيء والفاسد من النواب «ارجعوا الى من حارب انشاء تلك اللجان العامة في المجالس المتتالية»، ومثل ذلك من كان يقف دائما ضد رفع الحصانة عن المسيئين من النواب مما دفعهم للفساد والافساد، ومثل ذلك المحاربة المخادعة والخفية لقوانين الذمة المالية عبر فرض عقوبات «مضحكة» كغرامة الف دينار لمن يزيف ويكذب في اقراره المالي، نصيحة اخرى للناخبين اسألوا المرشحين كبروا او صغروا عما اذا كانوا سيؤيدون انشاء «لجان قيم» في البرلمان المقبل لمحاسبة النواب بعد كل ما حدث فإن رفضوا او تعذروا فاعلموا انهم من كبار الفاسدين في الخفاء، واحجموا واحجبوا اصواتكم عنهم ان كنتم تنوون بحق تطهير بيت الامة من الفساد والفاسدين الظاهر منهم والخافي.
****
ويمر قطار تدمير الكويت بعدم الاكتفاء باصدار تشريعات مسمومة مخربة اوقفت حال التنمية في البلد وافشت البطالة بين الشباب الذين تسفك دموع التماسيح على احوالهم كحال التشريعات التي أوقفت مشاريع الـ «B.O.T» وعطلت حق الشركات المساهمة في توفير الرعاية السكنية للشباب بقروض واقساط ميسرة (المورغج) كحال جميع الدول الاخرى، ومعها مشروع تدمير «الكويتية» عبر ايقاف تحديث اساطيلها، وهي التي توظف الآلاف من خيرة الشباب الكويتي الفني ممن اصبح مستقبلهم على كف عفريت بسبب الاصرار على المضي في التشريعات المدمرة لها رغم وضوح خطئها وضوح الشمس في رابعة النهار والتي تسببت في تعاظم خسائرها عشرات الاضعاف.. وإلى مقال الغد.
****
آخر محطة: لو بنيت بيتا مستخدما مقادير محددة من الاسمنت والحديد والرمل والحصى ثم انهدم البيت مع لحظة اكتمال بنائه فهل من الحكمة او العقل ان تعيد بناءه مرة اخرى بنفس المقادير؟! ان اردنا تغيير مسار الكويت الماضوي الذي جعل الجيران يسبقوننا بسنوات عادية كادت ان تصبح ضوئية فعلينا ان نغير من طرق تفكيرنا ومنهاج اختيارنا والا فسنرجع الى ما كنا عليه ونشتكي منه وبشكل امرّ وأقسى.. مازال في الوقت متسع فلنحسن الاختيار هذه المرة بعد ان أسأنا وبحق الاختيار مرات ومرات ولنعط فرصة للدماء الجديدة… ولنا عودة.
سخافة النظرية
نجحت قوات فيديل كاسترو في 1959/1/1 في دخول العاصمة الكوبية هافانا، بعد فرار دكتاتورها «باتيستا»، ومنذ 53 عاما وأميركا تحاول التخلص من الحكم الشيوعي فيها، وفشلت في ذلك عشرات المرات، وحتى محاولات المافيا الكوبية لم تجد نفعا، كما فشلت محاولة غزو الجزيرة عسكريا في بداية عهد «كنيدي» وبقيت كوبا شوكة في خاصرة الولايات المتحدة حتى اليوم، بالرغم من جهود 11 رئيسا اميركيا، على مدى نصف قرن! كما فشلت اميركا بمقدار أكبر في إسقاط النظام الشيوعي في فيتنام، وخسرت في حربها عشرات تريليونات الدولارات، هذا غير أرواح عشرات الآلاف من جنودها! وخسرت أميركا في العراق، وفشلت في تحقيق غالبية اهدافها، كما لا تزال تعاني الكثير، مع قوات الناتو، في حربها مع رجال عصابات طالبان في أفغانستان! ومن المتوقع أن تمنى بالفشل نفسه إن هي اختارت الوقوف علنا مع إسرائيل، إن قررت هذه الهجوم على إيران!
باستعراض أمثلة الفشل العسكرية والمخابراتية هذه، وحالة الضعف الاقتصادية التي تعيشها أميركا بشكل عام، نجد أن من الصعب تقبل ما يتم ترويجه من أنها تقف وراء كل عمل شرير يقع في بلادنا! فهذه الإمبراطورية التي وضعت طوال نصف قرن نصب عينيها أمن إسرائيل، فشلت، بعد أكثر من نصف قرن، في أن تؤمن السلام الكامل لها مع جيرانها المتعبين، لا يمكن أن تكون الإمبراطورية نفسها التي تقف وراء الربيع العربي، وأنها التي أوعزت للبرجوازي التونسي «البوعزيزي» بإشعال النار في نفسه، والموت بمأساوية، والتضحية بوظيفته المرموقة، كصاحب عربة خضار مصادرة! أو أن نقول انها التي ألّبت الشارع التونسي ودفعت بن علي للفرار، لينتهي عهده إلى الأبد! أو أن نقول، بسبب عجز حالنا وهوانها، أن أميركا هي التي طلبت من مخابراتها دفع مئات آلاف الشباب في القاهرة والاسكندرية للخروج للشارع، واطاحة حكم حسني مبارك الموالي تماما لأميركا! ويد أميركا التي فشلت في فيتنام وكوبا والعراق وافغانستان، والتي امتدت لأكثر من 7000 كلم لتمسك بــ«زمارة» رقبة القذافي وتزهق روحه، وهي اليد نفسها التي فشلت في الإمساك بــ«عنق…» كاسترو، بالرغم من أن كوبا لا تبعد عن أميركا بأكثر من 150كلم!
ما يحدث في دولنا ما هو إلا نتاج لتخلفنا العلمي والثقافي والدراسي والصناعي.. إلخ، الذي سهل للآخرين، أيا كانوا، استغلال وضعنا لمصلحتهم. فالبوعزيزي لم يحرق نفسه بسبب البطر والشبع، والشعب التونسي لم يتظاهر لفشله في اختيار أفضل عروض العمل المقدمة اليه، وشوارع القاهرة لم تحترق لخلو مصر من الفساد والبطالة، والتظاهرات فيها لم تنطلق تأييدا لمطالب ممثلي الصف الأول في هوليوود لزيادة أجورهم، وثوار بنغازي لم يحرقوا طرابلس ويضحوا بأرواح الآلاف منهم، لأن القذافي حرمهم من «السلمون» والكافيار، بل حدثت كل تلك الانتفاضات والثورات الشعبية لأن ظروف قيامها تهيأت في زمن أصبح فيه الإنسان يطالب بالخبز ومعه الحرية والكرامة! فالرجاء من المؤمنين بنظرية المؤامرة احترام عقولنا، ولو قليلا، فهناك فرق بين المؤامرة وبين هوان النفس والجهل والتخلف التي تمهد الطريق لاستغلال الآخرين لنا.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com