لست من المعجبين بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فقد فقدت ككثيرين غيري الثقة به، ولا أدري كيف وثقنا به اصلا مع هزيمة 1967، وفشله بعدها في ادخال الديموقراطية لوطنه، مما أدى، بوعي أو من دونه، إلى ترسيخ الدكتاتورية في مصر وبقية البلاد العربية لعقود طويلة تالية. ولكن كانت للرجل فضائله التي لا يمكن انكارها، ومنها عداؤه لطموحات «الاخوان المسلمين»، بالرغم مما أشيع عن مساعدتهم له في انقلاب 23 يوليو 1952. كما عرفت عنه ليبراليته النسبية، خصوصا في ما يتعلق بحقوق المرأة، ونظافة يده!
انتشر على الانترنت تسجيل لخطبة لناصر يقول فيها: «.. في سنة 1953 كنا نريد فعلا مخلصين ان احنا نتعاون مع «الاخوان المسلمين» على أن يسيروا في الطريق الصحيح، وقابلت مرشد الاخوان وقعد وطلب مطالب، طلب ايه؟ أول حاجة قالي يجب أن تقيم الحجاب في مصر، وخلي كل واحدة تمشي في الشارع تلبس طرحة! ( قطعة قماش توضع على الرأس). أنا قلت له اذا الواحد قال هذا الكلام فكأننا عدنا لأيام الحاكم بأمر الله الذي كان يمنع الناس تمشي بالنهار وتمشي بالليل، وان أنا برأيي أن كل واحد في بيته هو الذي ينفذ هذا الكلام! فقال لا، باعتبارك أنت الحاكم المسؤول، فقلت له يا استاذ بنتك في كلية الطب ومش لابسة طرحة، ما لبستهاش طرحة ليه؟ اذا كنت أنت مش قادر تلبس بنت واحدة، اللي هي بنتك الطرحة، عايزني أنا انزل البس عشرة مليون طُرح في البلد؟».
وما ورد على لسان ناصر قبل أكثر من 50 عاما، ورد ما يماثله على لسان رئيس المجلس الانتقالي في ليبيا، فور سقوط نظام القذافي! كما بشرهم بأنه سيسمح بتعدد الزوجات. وورد ما يماثل ذلك على لسان زعماء حركة النهضة، «فرع الاخوان» في تونس، وتقريبا على لسان كل مرشح دخل الانتخابات المصرية الأخيرة، ممثلا لحزبي «الاخوان» و«السلف»، ومن لف لفهم، وأنهم سيعملون على تشجيع، ان لم يكن فرض الحجاب، وكأن ارتداءه يأتي قبل أي أمر آخر في الحياة، وسبب اهتمامهم بهذه المسائل بسيط، فالتصدي لقضايا الاقتصاد والبطالة والاسكان والفساد أكثر صعوبة بكثير، ولم يعرف ابدا عن اي من الاحزب الدينية اهتمامها بغير الحجاب والنقاب وطول اللحية وشكلها وعرض الزبيبة ومكانها، وبناء مساجد ومضايقة غير المسلمين وهلمجّرا! فمنذ 83 عاما لم يصدر عن حركة الاخوان، الأقدم والأكثر تنظيما على الساحة، أي «منافستو» متكامل وواضح يبين الطريقة التي سيديرون بها البلاد، متى ما حكموها، فاذا كان هذا حال أقدم الحركات وأكثرها ثراء نقدا وعددا، فما هو حال البقية؟
أحمد الصراف