عندما كنت أعيش في بريطانيا في منتصف الثمانينات، أعلمني صديق بأن والده، المحسن المعروف، شارك مجموعة من رجال الأعمال، وحكومات عربية، بالاستجابة لمبادرة الأمير شارلز، لتأسيس «مركز الدراسات الإسلامية في جامعة اكسفورد»، لزيادة تقارب الثقافتين الغربية، البريطانية، والإسلامية! وأنه أصبح عضوا فيه ممثلا لوالده. كان ذلك قبل ثلاثة عقود تقريبا، ولا أعتقد أن المركز، بالرغم من جهوده الكبيرة في ميادين النشر والمحاضرات والمنح الدراسية واللقاءات، وبشخصيات أمانته العامة المرموقة، قد نجح في ردم الهوة الشاسعة بين العالمين، والدليل زيادة حدّة التطرف واتساع الهوة بين المسلمين، وفي بريطانيا بالذات، والغرب عموما، بعد أن اصبح المسلمون، بشكل عام أكثر عدائية للغرب ولكل ما يمثله، ربما كان سبب فشل المركز وضعه الأقرب «للارستقراطية»، واختياره مخاطبة النخبة، وبعده عن مركز أو بؤر الصراع! وقد استغل البعض هذا وأسسوا ما يماثله بغية تحقيق الشهرة والمال من تبرعات الحكومات والشركات.
وفي السياق نفسه، عقد في اسبانيا قبل 3 سنوات مؤتمر، وصف بـ«التاريخي»، هدف الى فتح صفحة جديدة بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى، من خلال حوار حضاري شارك فيه بوذيون وهندوس ويهود ومسيحيون، وكان لسان حال الجهة المنظمة أنه لا ينبغي للأديان، التي اريد لها جلب السعادة للإنسانية، ان تكون اداة لصناعة البؤس، وأن كل افراد البشرية خلقوا على قدم المساواة، وهم شركاء على هذا الكوكب، فهم إما ان يعيشوا بسلام ووئام، او سيكونون لا محالة هالكين بنيران الحقد وسوء الفهم والكراهية!
وطبعا مرّ هذا الكلام الإنشائي دون اكتراث، بالرغم من جماله، فبعد أكثر من ألف يوم من ذلك المؤتمر، الذي ربما كان برعاية سعودية، لم يتغير شيء في الدول العربية الإسلامية في ما يتعلق بالتعامل مع اصحاب الديانات الأخرى، وربما كان العكس أقرب للصحة، خاصة بعد نتائج الربيع العربي التي بدأت «أزهارها» بالتفتح في مصر وتونس وليبيا، وربما قريباً في سوريا! كما أن تقارير المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان في الدول الخليجية لم يتغير فيها سطر عن الانتهاكات التي طالت ولا تزال تطال غير المسلمين، وحتى المسلمين المنتمين لأقليات، وبالذات في الدول التي تصرف بسخاء على مراكز ومؤتمرات تقارب الأديان وغيرها من الأنشطة المماثلة. ويعود سبب فشل هذه المراكز الى غياب حرية العقيدة في الدول الراعية، ولتنامي التطرف المذهبي فيها، كما أن إصلاح الوضع مع الآخر لا يمكن أن ينجح طالما أننا لسنا أقرب بعضنا لبعض داخل دولنا، فالإصلاح يبدأ من بيوتنا ومجتمعاتنا، وليس بنقله في طائرات حكومية رسمية وخاصة الى الخارج!
أحمد الصراف