تماماً، كما نسمي “طبال الراقصة” ضابط إيقاع، و”الراقصة” فنانة استعراضية، و”الخادمة” مديرة منزل، مراعاة للذوق العام ولنفسيات أصحاب هذه المهن، كذلك نفعل مع “الأغلبية الجبانة”، أو “الأغلبية المتواطئة”، أو “الأغلبية الأنانية”، عندما نسميها “الأغلبية الصامتة”. فإذا كنتَ واحداً من هذه الأغلبية فاختر ما يناسبك من التسميات الثلاث الحقيقية، مواطن متواطئ أو جبان أو أناني نذل، ومبروك عليك، وبالهناء والشفاء. وكلما ازدادت نسبة الأغلبية الصامتة في المجتمعات ازدادت معها نسبة الفساد واللصوصية والطغيان. فالأغلبية الصامتة هي الشمس التي تمد مزروعات الفساد بالطاقة. وتناقش أحد أعضاء هذه الأغلبية عن الفساد المستشري الذي سيُهلك الناس، وتطلب منه الخروج إلى التجمعات الرافضة للفساد، فيرد عليك: “يا عمي وأنا شعَلَي؟”، أي “وما دخلي أنا؟”، أو “أنا الحمد لله في نعيم مقيم”، أو “لن تتغير الأوضاع بخروجي فالدنيا ليست متوقفة علي، أنتم فيكم البركة”… وهو بهذه الإجابات حقق المعادلة الكاملة وجمع الخزي من جميع أطرافه، إذ كشف عن جُبنه وتواطئه وأنانيته في جملة واحدة. ولفرط جبن هذه الأغلبية، ولفرط رخصها ومهانتها، استطاع كل عابر سبيل أن يمتطي ظهرها ويدلدل رجليه ويرفع سبابة التحذير في وجوه خصومه ويصرخ: “أنا هنا أمثل الأغلبية الصامتة”. هي هكذا، فالأمر أقل من أن يحتاج إلى توكيل، ولن يعترض أحد من هذه الأغلبية الجبانة السائبة. وفي الوقت الذي تتحمل فيه الجموع الأوروبية مسؤولياتها وتخرج في مظاهرات لنصرة “كوكب الأرض” ضد التلوث، وتخرج الجموع الأميركية في مظاهرات لإيقاف الحرب على العراق أو أفغانستان في أقاصي آسيا، نرى كيف تلتحف الجموع العربية بالبطاطين وتتوسد ريش النعام وتصمت عن الفساد على الرصيف المقابل، خوفاً وطمعاً وتواطؤاً… باعتبارها “الأغلبية الصامتة”… جتكم الخيبة على رأي إحسان عبد القدوس. ولحكمته سبحانه خلقني عربياً، أعيش وأتكاثر بين العربان، حيث ينتشر الجبن والأنانية والنفاق والتفنن في الاستعباد! وليتني عربي فحسب، لا، بل من العرب العاربة لا المستعربة، ومن قحطان تحديداً أصل العربان، أي من عمق العمق ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولو أردت أن أنسلخ من عروبتي، أو جبني ونفاقي وأنانيتي، ما استطعت، فدخول العروبة ليس كالخروج منها. ويا بخت المصريين الذين إذا أرادوا العروبة “تعربنوا” وإذا أرادوا التخلص منها لملموها في كيس أسود ورموها من شرفات منازلهم لتتكفل بها البلدية. ومع قحطانيتي أرى أن التسمية الحقيقية لضابط الإيقاع ليست “طبال الراقصة” بكامل جسدها، بل “المسؤول عن حركة أقدام الراقصة” أي أنه “طبّال القدَم”، وأرى أن الأغلبية الصامتة أغلبية جبانة خسيسة رخيصة.
اليوم: 29 ديسمبر، 2011
تسلّموا.. فهل يسلّمون؟!
يعتقد البعض ان جماهير الحركات القومية واليسارية من ناصرية وبعثية وماركسية التي سادت الشارع العربي منتصف القرن الماضي وما بعده قد تم ترحيلها الى احد الكواكب السيّارة وحل محلها على كوكب الأرض الإسلاميون هذه الأيام بأطيافهم المختلفة.
***
واقع الحال يظهر ان جماهير أمتنا العربية ذاتها هي من غيّرت جلدها فتحولت من التوجهات القومية واليسارية إلى التوجهات الدينية والمحافظة مع احتفاظها بكل أمراض وثقافات الماضي من رفض «جيني» متجذر للقيم والمبادئ الديموقراطية وعدم التسامح او القبول بالرأي الآخر، ومعها الاعتقاد الراسخ بأن تسليم راية القيادة والحكم للمنافسين هو خيانة ما بعدها خيانة، وعار وشنار على من يقوم به، فنحن كما قال شاعرنا «أناس لا توسط عندنا، لنا الصدر دون العالمين أو القبر» بينما تقوم عملية بناء الأوطان الحديثة وأسس الديموقراطية البناءة وأصول علوم السياسية المتطورة على التفاهم والالتقاء منتصف الطريق بعيدا عن مفاهيم التطرف القائمة على الصدر أو.. القبر!
***
وعليه فإشكال ربيع «العنف» العربي القائم لا صلة له على الإطلاق بـ «السوفت وير» او القشرة الخارجية المتمثلة في التوجهات الإسلامية بل يكمن كل الاشكال في «الهارد وير» اي الثقافة العربية السائدة والمتوارثة العاشقة حتى النخاع رغم كل ما يقال للفساد والديكتاتورية (ديكتاتورية وفساد تحت حكم جماعتنا خير ألف مرة من ديموقراطية وشفافية تحت حكم جماعتهم)، مع ضرورة وجود القائد الضرورة والقبول باستخدام كل الوسائل والوسائط من كذب ودغدغة مشاعر وتزييف حقائق في سبيل البقاء الأبدي، والغاية في النهاية تبرر الوسيلة او حتى مجموعة الوسائل الشريرة للوصول إلى الهدف.
***
لقد اجتاحت الأحزاب القومية والدينية الانتخابات الأولى بعد ثورات الربيع الأوروبي عام 89، الا انها عادت وسلمت الحكم بسهولة ويسر لمن فاز بالانتخابات الثانية بعد الهزائم المدوية التي منيت بها وهو أمر لم يحدث بالمقارنة مع الثورة الإسلامية في ايران، كما ضحى الحزب الاسلامي الحاكم في السودان بثلث البلاد للبقاء ومازال مستعدا للتضحية بالمزيد في سبيل الهدف نفسه، كما أعلنت الأحزاب الاسلامية الفائزة في انتخابات الجزائر عام 92 أنها آخر الانتخابات ورفضت الأحزاب الاسلامية الحاكمة في العراق تسليم الحكم للقائمة العلمانية الفائزة بأغلبية الأصوات، لذا فالمهم ليس نتائج الانتخابات الأولى في المنطقة بل لننتظر حتى نرى ما سيحدث في الانتخابات الثانية بعد ان تعلم الشعوب والأحزاب الفائزة الفارق الكبير بين النظرية والتطبيق ويسر المعارضة وصعوبة الحكم، وسهولة بيع الأحلام الوردية ليلا التي تتحول مع اشراقة كل صباح الى كوابيس نهارية ومعيشية مرعبة تدفع أثمانها مرة أخرى شعوبنا العربية من دمائها ومستقبل أبنائها وبقاء أوطانها.
***
آخر محطة:
(1) للتذكير فقط، رابع أهداف ثورة 52 التي حكم عسكرها مصر بالحديد والنار هو «اقامة حياة ديموقراطية سليمة»، وثاني أهداف حزب البعث الذي أباد العراقيين وقتل السوريين المنادين بالحرية هو «الحرية»، كما ان شعار الأحزاب الشيوعية التي أحالت اليمن الجنوبي والصومال الى دول مجاعات وقتل وقمع وعبودية لإمبراطورية الشر السوفييتية هو «وطن حر وشعب سعيد».
(2) على حكوماتنا العربية في المرحلة القادمة ان تنفتح بشكل واسع وكبير على العالم وتشجع زواج العرب من أبناء الأمم الأخرى وخاصة المتقدمة منها لعل وعسى ان نجد في هذا حلا على المدى الطويل لإشكالية «جيناتنا» الغوغائية القاتلة.
بودرة الصراصير
عندما لا يعجبك الطعام أو الخدمة في مطعم ما لا تحاول أبداً توبيخ النادل (الغرسون) فقد يضع هذا في صحنك ما لا ترغب فيه، قبل تقديمه إليك. وبالتالي، فإن افضل عقاب هو في وقف التعامل مع المطعم مستقبلاً!
ما يطالبنا به جمع من غلاة المتشددين دينياً، وحتى المعتوهين، من مقاطعة احتفالات المسيحيين باعيادهم، وعدم السلام عليهم أو تهنئتهم بالعام الجديد، لا شك نابع ليس فقط من كره هؤلاء الغلاة لما يمثله المسيحيون من خطر على معتقداتنا، بل وأيضا لما لمثل هذه التهاني من اثر إيجابي عليهم وشد أزرهم وتقوية مواقفهم، وفي هذا إضعاف لنا ولعقيدتنا! وبالتالي يجب الا نكتفي فقط بالدعوة لعدم تهنئة هؤلاء باعيادهم، والاستمرار في الوقت نفسه في التعامل معهم تجاريا واقتصاديا وصحيا، فهذا، كما ثبت طوال قرون، لن يؤثر عليهم، فتحريم السلام عليهم أصلاً نابع من ثقتنا بأنهم لا يبغون الخير لنا، وهنا من الأفضل عدم الاكتفاء بتحريم السلام بل ومقاطعتهم اقتصاديا وتجاريا وضربهم حيث يؤلمهم أكثر! وهنا ندعو ذلك السفيه الذي لا يعرف كيف يتصرف بماله في خير أهله وقومه، وثلة الغلاة والمتشددين، أخذ المبادرة، وقص الحق من أنفسهم، والتوقف عن زيادة قوة ومنعة أعداء الإسلام، بالامتناع عن شراء او استخدام منتجاتهم، سواء كانت سيارات أو ادوية أو تلفزيونات، وحتى الاحذية والاقمشة والدبابيس وسم الفئران، وحتى «بيف باف» الصراصير!
فهل نجد تجاوبا من هؤلاء، ونحن خلفهم سائرون؟
أحمد الصراف