سابقاً، كنا وكانت حدس (الحركة الدستورية الإسلامية… ممثل الإخوان المسلمين في الكويت)… كنا لا ننام إلا بعد أن نغلق أبواب بيوتنا ونتأكد من إحكام إغلاق نوافذنا، خشية مرور “حدسي” متلثم. كنا كلما زارنا حدسي تحسسنا مسدساتنا، وكلما غادر تفقدنا أصابعنا وأشياءنا، وحمدنا الله إذا لم نفقد شيئاً منها. كنا نتناصح “إذا كنت رئيساً لموظف حدسي فابحث لك عن منصب آخر، فالحدسي سيقفز قفزة الضفدع الجسور ويتجاوزك، فتحزن فتُضرب عن الطعام فتجوع فتموت مقهوراً مدحوراً مكسورا… رحمة الله عليك”. كنا وكانت حدس تلاعبنا ألاعيب الحواة، تُمسك الأكواب الثلاثة المقلوبة على الطاولة وفي إحداها كرة صغيرة، وبسرعة تبدّل مواقع الأكواب، ثم تسألنا: “وين الكرة يا شطار؟”، فنجيبها ببراءة: “في الكوب الأوسط”، فتبتسم لنا بخشوع وهي تجمع فلوسنا: “للأسف خسرتم، كانت الكرة في الأيمن”، وكانت الحكومة هي التي توفر لها الأكواب والكرة وتحشد لها الجمهور: “قرّب قرّب بص بص”. وتباعدت المسافات بيننا وبين حدس، وطلّقنا بنتهم وطلّقوا بنتنا، وبعد أن كانت إبلنا ترعى في رياض حدس بلا حماة لاعتقادنا بورعها، أعدنا إبلنا إلى رياضنا وطوّقناها بخيرة فرساننا ليحموها من غدر حدس، وبنينا سياجاً بيننا وبينها أمتن وأطول من سور الصين العظيم. ودارت الأيام ومرت الأيام ما بين بعاد وخصام، كما تقول أم كلثوم بلسان مأمون الشناوي، إلى أن ظهر في ديار حدس رجل اسمه “جمعان الحربش”، يحمل سحنة الصدق وملامح الطمأنينة وغضبة بني وائل، يقود مجموعة من الشبان الغاضبين، فاقتحم بهم خيمة القيادة، فكسروا الأكواب ورموا الكرة، وهدموا السياج، وأرسلوا إلينا: “هاتوا إبلكم إلى رياضنا بلا حماة، نحن حماتها، وهاكم امرأتكم وأعيدوا إلينا امرأتنا حفظاً للشمل”، قبل أن يحتذوا بالأديب الفرنسي “دوما” فيمزّقوا مؤلفاتهم المخادعة ويشرعوا في كتابة مؤلفات جديدة، وانتزعوا حدس من أحضان الحكومة ليعيدوها إلى أحضان الناس. هنا، استقبلنا جمعان وجيشه الشاب وحدس بالأحضان، وأكملنا قصيدة مأمون الشناوي: “وقابلته، نسيت إني خاصمته… ونسيت الليل اللي سهرته، وسامحت عذاب قلبي وحيرته… معرفش ازاي أنا كلمته”. وولدت حدس جديدة، صادقة واثقة، وماتت حدس القديمة ذات الغمزة واللمزة، لكن روحها مع الأسف الحارق والألم الخارق انتقلت إلى جسمين سياسيين آخرين، متناقضين، “التجمع السلفي” و”التيار المدني”.* وفجأة… أطال التيار المدني لحيته وقصّر ثوبه وحمل مسبحة حدس القديمة ورسم على جبهته زبيبة تشبه زبيبتها، قبل أن يتبنى سياسة “الضفدع الجسور” الذي يجيد القفز إلى المناصب بنظام “هوووبّا”! في حين قصّر التجمع السلفي لحيته قليلاً، وأطال ثوبه قليلاً، ليتشابه شكلاً ومضموناً مع حدس القديمة، قبل أن يضع أكوابه الثلاثة مقلوبة على الطاولة، ويطلب من الحكومة الصراخ في السوق: “قرّب قرّب بص بص”. ونحن إذ نتابع ما يفعله “التيار المدني” و”التجمع السلفي” نقول: “رحم الله (حدس)، فقد كانت أكثر حياء”… نقول ذلك ونحن ننتظر ولادة “جمعان” في كلا التيارين السياسيين، يكسر الأكواب ويقتل الضفدع.
* الحديث هنا عن جزء من التيار المدني وجزء من التجمع السلفي.