تاريخياً، اعتاد عرب المدن والحواضر إرسال أبنائهم إلى البادية ليتعلموا من قاطنيها الفصاحة وسلامة النطق. وورد في سيرة ابن هشام أن النبي أرسل الى البادية لتعلم فصاحة اللسان. ولكن عندما نأتي الى العصر الحديث نجد أن المسألة قد انقلبت، وأصبح ابن البادية هو الذي يأتي الى المدينة لتعلم العربية الفصحى من أهلها ومدارسها، وسبب ذلك يعود ربما لطغيان سيل المفردات الجديدة التي انهمرت على أهالي البادية، مما كان له أكبر الأثر على اتقان لغتهم، او لهجاتهم! ففي زمننا هذا من الصعب مسايرة العصر من دون التأثر بالكم الهائل من المفردات التي استحدثت في ميادين عديدة، وبالذات الطب والفضاء والكمبيوتر، وفي الإنكليزية بالذات، التي لم تستطع حتى أعتى اللغات الأوروبية، وحتى الآسيوية القديمة، الصمود طويلا أمام طوفانها، فتبنتها، في الغالب، من دون تغيير.
ومن جهة أخرى، يمكن القول ان العرب الأقدمين استطاعوا الاحتفاظ بسلامة لغتهم، أو لهجاتهم، بسبب انعزالهم وبعدهم عن الحواضر وتأثيراتها الثقافية والحضارية، ولكن اقترابهم القسري والتدريجي، إن بفعل الحاجة أو الزمن، من الحواضر كان كافيا للقضاء تماما على «نقاء» لغتهم. كما أن المفردات غير العربية التي اكتسبها هؤلاء زادت من غربتهم لغويا!
خطر كل ذلك على بالي، وانا أستمع لشريط فيديو لخطبة ألقاها قبل فترة النائب السابق محمد هايف المطيري، في جمع من سلفيي منطقة الجهراء، وبحضور النائب خالد السلطان، الذي لا أعلم حقا كيف اصبح «منهم» بكل ما في حياته من تقلبات! وبدأت أتساءل وأنا أستمع لهايف، عن سبب انعدام سلاسة النطق واللغة في خطابه، وعن سبب ارتكابه، وهو ابن البادية الوفي، كل ذلك الكم من الأخطاء اللغوية المبكية والمضحكة، وعن كم «البدليات» التي وردت على لسانه في خطبة قصيرة، لم يستطع خلالها أن يفرق بين «دهس المتظاهرين» و«دعسهم»! وهي أخطاء لا نتوقع أن يرتكبها من في سنه ومكانته السياسية، وانتمائه الجغرافي! ولكن يبدو أننا بحاجة لخبير لغوي، كالصديق والزميل سعد بن طفلة، ليشرح لنا هذه الظاهرة الغريبة.
أحمد الصراف