ليس من السهل وجود طفل ذي احتياجات خاصة في الأسرة، ومع هذا للموضوع جانبه الإيجابي، وأعتقد انني أصبحت شخصا أفضل بوجود «طارق» ضمن أسرتي الصغيرة! فقد تعلمت منه وبسببه الكثير، فعندما كان في سنواته الأولى زار الكويت طبيب شهير، وكان موعدنا معه في آخر أيام زيارته. طال انتظارنا، وكان عليّ العودة سريعا لعملي في البنك لإنجاز لم يكن أحد يمتلك صلاحية القيام به. وأيضا الذهاب لتحويل ملكية أسهم بعتها في اليوم السابق وانخفضت أسعارها في ذلك اليوم بحدة، وتأخير التحويل قد يبطل البيعة. كما أن موعدي في وزارة الأشغال لتوقيع عقد بناء مسجد قد تأخر! ولم تكن الموبايلات معروفة وهواتف مستشفى الصباح، عبر البدالة، لم يكن يعتمد عليها يومها، وربما لا تزال كذلك بعد ربع قرن! وكنت أشعر بضيق شديد وحيرة لعجزي عن الاختيار بين انجاز ما هو مطلوب مني، وبين رغبتي في البقاء مع طارق ووالدته، وفجأة شعرت براحة نفسية تغشاني بعد ان اكتشفت «الحقيقة» وأنا أتساءل: أليست الرغبة في تحقيق المزيد من المال هي الدافع وراء رغبتي في ترك ابني ووالدته؟ ألا ندعي جميعا تقريبا اننا لا نهدف من وراء جمع المال غير تأمين حياة أفضل لأسرنا وضمان مستقبلهم؟ فإن كنت صادقا مع نفسي ومع هذا الادعاء فإنني بالتالي في المكان المناسب، مع ابني! وعلى العالم أن ينتظر، ولتذهب الأرباح إلى الجحيم، فأنا هنا من أجل صحته ومستقبله! ومن يومها تعلمت من طارق أن أضعه وأخته وأخاه وأمهم في قمة أولوياتي، ومن الأجدر بمن لا يشاركني الرأي، البقاء من غير زواج أو أبناء!
وتعلمت من طارق الصبر، وصبري ليس بالمثالي، ولكن كان من الممكن أن يكون اسوأ! وتعلمت منه الصدق في المحبة، وعدم القدرة أو الميل لمجاملة من بإمكاننا عدم مجاملتهم، وهم الغالبية بيننا. كما أن طارق لا يترك طعاما في صحنه من دون أن ينهيه، ومنه تعلمت عدم تبذير الطعام، فقد اكتشفنا مصادفة أنه لا يحب الذهاب لمطاعم محددة، بالرغم من حبه لما تقدمه من طعام، لأن الكمية التي توضع في صحنه كبيرة ويتعب بالتالي في انهاء ما قدم له من طعام!
ومن الأشياء الرائعة التي تعلمتها من طارق عدم السماح لرغبة التملك في السيطرة علينا. فكل ما يمتلكه طارق هو ملك لمن يحب. وبخلاف حالات المرض القليلة التي يمر بها، فإن كلامه وتصرفاته تتسم عادة بالبعد عن المجاملة أو زيف القول، وهذا ما نحتاج اليه أكثر في عالم مليء بالمجاملات «الكاذبة»، فنحن نتكلف في المديح، ونبالغ في الذم ونتجنب الصراحة، علما بأنه لم يقل يوما انه يكره فلانا!
***
ملاحظة: فكرة المقال مستوحاة من مقال للزميل الأميركي المصري سامي البحيري بعنوان «ماذا تعلمت من صديقي صاحب الإعاقة؟».
أحمد الصراف