إذا كان أمراء قبيلة “سبيع” الكريمة هم عائلة “أبو اثنين”، فإن بعض المرشحين حصل كل منهم على لقب قريب له في الشكل بعيد في المضمون… “أبو ثنتين”.
والأمر ليس مقارنة، يكرم “أبو اثنين” عن “أبو ثنتين”، فـ”أبو اثنين” حاز المجد والشموخ، و”أبو ثنتين” جمع خصلتين لا يجمعهما إلا وضيع، عندما قرر خوض الانتخابات الفرعية باستخدام المال السياسي وشراء أصوات أقربائه وأبناء عمومته من جهة، واستعداده لبيع أصواتهم في البرلمان لمن يدفع أكثر من الجهة الأخرى.
كل شيء عند “أبو ثنتين” قابل للشراء والبيع، فالدنيا بقالة، والمبادئ معلبة ومرصوصة على أرفف أو محفوظة في الثلاجة وعليها “تسعيرتها”، والدَّين ممنوع والعتب مرفوع.
وخذها مني واحفظها عندك: “كل من يشتري الأصوات اليوم يبيع صوته غداً، كبر منصبه أو صغر”. ولا أتألم إلا عندما يعلن “شاري الأصوات” خوضه انتخابات “فرعية القبيلة”، إذ يعني ذلك أن القبيلة التي ينتمي إليها فيها من “بائعي أنفسهم” ما يكفي لإنجاحه، أو هكذا يظن… إذا نجح فهي كارثة الكوارث وطامة الطوام، على القبيلة لا عليه هو، فالقبيلة التي صنعت – عبر قرون من الزمن – تاريخها بالدماء جاء هذا الفأر ليهدّ سد مأرب، وليؤكد بالدليل أنها قابلة للبيع والشراء، وليثبت باليقين أنها “مُسعّرة”، لا فرق بينها وبين الأدوات المنزلية وألعاب الأطفال ولوازم النساء وما شابه من السلع المعروضة في الأسواق.
وإذا كان الأمر كذلك، فيجب أن توضع القبائل، والعوائل كذلك، “المعروضة للبيع” تحت رقابة “حماية المستهلك” لقياس “معدل التضخم” قبل أن تُدرج في “البورصة” أو سوق الأسهم، كي يتسنى للجميع بيعها وشراؤها، ولتكف – تلك القبيلة أو العائلة – لسانها مرة وإلى الأبد عن التحدث بأمجادها، فلا أمجاد بعد اليوم وقد اشتراها وضيع في الانتخابات.
وكنت قد تحدثت في هذا العمود الصحافي عما كتبه البحارة الأوروبيون في مذكراتهم عن دهشتهم من الأفارقة السود، الذين يعملون عبيداً للأوروبيين لكنهم لا يكفون عن التفاخر بأنسابهم وأمجادهم التليدة، وهي كما أظن “أمجادٌ موضوعة” لا أصل لها ولا جذر. كذا هو الحال بالنسبة للقبائل العربية التي تُباع وتُشترى في الانتخابات في وقت يباهي فيه أبناؤها بتاريخها. أي تاريخ لكم يا سادة؟ إذا سلمنا جدلاً أن ثمة تاريخاً قد خطه الأجداد فلنسلّم يقيناً أنه قد باعه الأحفاد. وعلى القبيلة أن تبدأ من جديد صناعة تاريخها لتعويض خسائرها، فـ”تاريخك رصيدك”، إذا ما صرفته كله فقد خوى حسابك البنكي على عروشه، وعليك أن تجمع رصيداً جديداً “بدل فاقد” قبل أن تفاخر مرة أخرى، ولا أظن أن الوقت يسعفك.
والذي اشترى قبيلتك اليوم في الانتخابات الفرعية، سيبيعها غداً مستعملة “ساكند هاند” برجالها، أقصد ذكورها، ونسائها وتاريخها ووو مختومة على قفاها. تماماً كما يفعل شيخ القبيلة الذي “يغلّف” تاريخ قبيلته وسمعتها ومجدها ويقدمها هدية عند أقدام المسؤولين وهو خانع، فيمسح المسؤولون قفاه كما يمسح الصياد قفا كلبه الذي اصطاد له الفرائس، ويرمي له عظمة كمكافأة.
هذه هي الصورة الحقيقية للأوضاع، ومن لم يصدقني فليتنفس على مرآته ثم يمسحها بطرف كمه كي يتمكن من الرؤية بوضوح فيسمي الأمور بمسمياتها المؤلمة.