لا حول ولا قوة إلا بالله… دخل مجموعة من الأميركان إلى مبنى الكونغرس أمس احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية، وبعد التحريات الأولية اتضح أنهم من أصول “مكسيكية”، وظهر ذلك جلياً من “دشاديشهم المخصرة”، أي ثيابهم الضيقة، و”الكبّوس الأحمر” الذي كان كلّ منهم يضعه فوق رأسه.
احتج بعض عقلاء أميركا: “هذه ليست أخلاق أهل أميركا، بل هي أخلاق أتت من خلف صحراء تكساس” في إشارة إلى المكسيك، وصرخ آخرون: “هؤلاء همج، هؤلاء رعاع”، وظهر مذيع “مدربح” على قناة “فوكس نيوز” باكياً: “المكسيكيون اليوم اقتحموا الكونغرس، وغداً سيقتحمون البنتاغون”.
وبدأت “فوكس نيوز” حملتها الداعية إلى تجمع “غود سيف يو أميركا”، أي “الله يحفظج يا أميركا”. وفي التجمع شوهد الفنان “النص نص” بوي جورج، وشوهد معه فنانون لا تظهر أسماؤهم على “تترات الأفلام”، ولم يشارك أي فنان هوليوودي “عليه القيمة”.
ولوحظ في التجمع مجموعة من المسنين، تبين أنه تم إحضارهم دون علمهم، فقط من أجل زيادة عدد المتجمعين والإيحاء بأنه حتى المسنون شاركوا في التجمع رغم الشيخوخة والمرض.
وفي الشأن القانوني، تقدم رئيس الكونغرس وأعضاء مكتب الكونغرس بشكوى على المقتحمين المكسيكان، فتم زج المقتحمين في السجون الأميركية، فتجمّع أهالي المسجونين وأنصار الغوغائيين في ساحة مقابلة لمجمع المحاكم الأميركي، وراحوا يرددون أغاني و”شيلات” لا يعرفها أهل أميركا ولم يسمعوا بها من قبل.
اللافت أن تصريحات النواب “القبّيضة” الأميركان انهمرت بغزارة المطر في شهر يناير، فتكلموا عن “الشرف واحترام القوانين ومكانة أميركا وطاعة ولي الأمر الأميركي”، وطالبوا بإنزال أقصى العقوبات على مقتحمي الكونغرس، وعلى المذيع الذي نهض واقفاً أثناء تغطية الحدث، وعلى فريق برنامجه، وعلى القناة التي يعمل فيها لأنها غطت الحدث، وهي قناة تتبع “الإسطبل الأميركي”. وظهر على شاشة التلفزيون الحكومي (هم لغبائهم مازالوا مصرين على بقاء هذا التلفزيون الجثة) قسيس أميركي حكومي، لا يخرج إلا “وقت الحاجة”، فهاجم المقتحمين والمتظاهرين، وحذر من أن ذلك يخالف تعاليم الدين المسيحي الذي يحض على طاعة الرئيس الأميركي، ونهى عن محاسبة الحكومة مهما فعلت، مذكراً أن سبب تخلف أميركا هو ابتعادها عن طاعة الله وطاعة ولاة الأمر.
وخرج “وزير خبل” في أميركا مهدداً المقتحمين بالسجن المؤبد.
ثم دخل على الخط مجموعة من شيوخ قبائل أميركا بطلب من الحكومة الأميركية، كالعادة، فتصدى أحد هؤلاء “الشيوخ” للأمر، أو قل “أذعن للأمر”، وهو شيخ قبيلة “ألاباما”، ووعد بصياغة بيان “يوقّع عليه” كل شيوخ القبائل الأميركية يعلنون فيه دعمهم الحكومة الأميركية في كل ما تفعله، لكن أبناء القبائل هناك احتجوا وكشروا عن أنيابهم، فأعلن شيوخ قبائل نيويورك وكارولينا الشمالية والجنوبية، رفضهم للبيان، ثم تبعهم شيوخ قبائل أوهايو وأوريغون وكنساسولويزيانا وبقية القبائل في رفضهم البيان… هنا اضطر شيخ قبيلة “ألاباما” إلى صياغة بيان “لا وجه له ولا قفا”، تفادياً لإغضاب أبناء قبيلته الذين أصدروا بياناً غاضباً يحذرون فيه من المساس بالثوابت الدستورية الأميركية، ومن تسييس القبيلة. وأقسم مجموعة من أبناء القبائل الأميركية المثقفين بأن يتبرأوا في المستقبل من أي شيخ قبيلة يتحول إلى دجاجة تكاكي، في حالة هي الأولى من نوعها، إذ تتبرأ القاعدة من الرأس لا العكس.
وخرجت جموع الأميركان الغاضبة في تجمع هو الأكبر في تاريخ أميركا، تطالب – هذه الجموع – بإيقاف النزيف، وبدء صفحة جديدة، وتمزيق الصفحة السابقة.
… كانت ليلة البارحة طويلة، ثار غبارها فأعمى العيون، وهزّ الأميركان فناجين صبرهم دلالة على الاكتفاء، فاستقال باراك أوباما وتولى نائبه الأول المسؤولية، فتفتحت أزهار أميركا، وعلت ضحكات أطفالها، وفتحت أميركا صفحة جديدة لم يُعرف لونها إلى الآن.
اليوم: 8 ديسمبر، 2011
الموت الرحيم
تعتبر كلمة Euthanasia واحدة من آلاف الكلمات التي يحكُّ المستفيدون، من مزايا «مركز تعريب العلوم الطبية، مجلة تعريب الطب»، رؤوسهم لإيجاد أو «اكتشاف» مرادف لها في اللغة العربية، وكأن مشكلة الطب لدينا لغوية، وليست مشكلة أداء وخبرة ومعرفة وإخلاص، علما بأن هذا المركز «كوّش» على خيراته وزير صحة سابق، وجماعته، منذ سنوات، ولم يعرف، من واقع اتصالاتي مع عدد من خيرة الأطباء، أن أحدا استفاد منه، غير المسيطرين عليه، فالطبيب الذي يحترم نفسه يعرف أين يجد المعلومة التي يريد! ولكن هذا ليس موضوع مقالنا، فما نريد الكتابة عنه هو «الموت الرحيم» أو Euthanasia التي تعني التدخل الطوعي لإنهاء حياة مريض بغرض تخفيف آلامه، أو التدخل الطبي لإنهاء حياة مريض بناء على رغبته! وهذا النوع من إنهاء الحياة تقرّه الكثير من شرائع الدول الغربية، وأول من جرّب هذه الطريقة من الموت الطوعي هو الامبراطور اليوناني أغسطس، الذي اختار التخلص من آلامه بين ذراعي زوجته! ويعرف قاموس اكسفورد «اليوثانازيا» بـ: «تخلص من يعاني من أوجاع لا تطاق من حياته بغير ألم»!
وأشهر من مارس هذا النوع من القتل الرحيم الدكتور جاك كيفوركيان، الأميركي، والمولود من أبوين أرمنيين، الذي توفي قبل ستة اشهر، بعد أن قضى آخر ايامه في مساعدة الكثير من المصابين بأمراض عضال ومزمنة في التخلص من حياتهم. وقد تعرض للسجن أكثر من مرة، وكان آخرها عام 1999 عندما حكم عليه بـ 25 سنة، ولكن اطلق سراحه بعد 8 سنوات، شريطة امتناعه عن تقديم اي نصيحة أو مساعدة لأحد في كيفية التخلص من حياته، ولكن هذا لم يمنعه من إيصال رسالته «الإنسانية» للكثيرين. ويذكر أن والد جاك هاجر إلى أميركا من «أرزروم»، تركيا. كما هاجرت والدته في الفترة نفسها، هربا من المذابح التي تعرض لها الأرمن في تركيا عام 1915، والتقى الاثنان في ارض «الحلم والأمل»، وكان جاك أوسط أبنائهم، وكان مميزا في دراسته وتخرج طبيبا عام 1945، وعلم نفسه اليابانية والألمانية، ونشر في عام 1988 سلسلة من رسائله الطبية عن اليوثانازيا بالألمانية في الدورية العلمية «الدواء والعدل».
أكتب هذا المقال لعلمي بوجود الكثير من المصابين بامراض خطيرة بيننا، وتسبب لهم الكثير من الألم ويرغبون في التخلص من حياتهم بمشيئتهم، وهم بكامل الأهلية، ولكنهم بحاجة لمن يمد لهم يد العون، ولكن بسبب قصور القوانين المتعلقة بهذا الأمر، فإن الأطباء المؤمنين بهذا الأسلوب من الموت الرحيم عاجزون عن فعل شيء، وليس هناك أمل في صدور قانون لمعالجة مثل هذه الأمور، لأن نسبة كبيرة من مشرعينا لا يزالون مشغولين بعدّ المبالغ الضخمة التي حصلوا عليها، نتيجة مواقفهم غير المشرفة في مجلس الأمة!
أحمد الصراف