وصلت، أو ستصل قريباً، أحزاب دينية للحكم في أكثر من دولة عربية. وسيمر وقت قبل أن تكتشف شعوبها أن ما سمعته من وعود لم يكن أكثر من خواء، فهذه الأحزاب لم يصدر عنها، خلال 80 سنة، أي «منافستو» واضح يبين كامل رؤيتها ومواقفها من عشرات القضايا الخطرة التي تشغل بال شعوبها وتقلقهم، فهم يطالبون بالحكم فقط، وبعدها «يصير خير»! ويستثنى من ذلك ما سبق أن أعلنوه من مواقف من قضايا هامشية كتعدد الزوجات وفرض الحجاب وإطالة اللحى، وهي أمور لا تقترب من القضايا الخطرة. وفي مقال للزميل المصري سامي البحيري، في «إيلاف»، نشر قبل فترة، ذكر أن أياً من أحزاب مصر الدينية لم تعلن صريح موقفها من إسرائيل غير نيتها إلغاء معاهدة السلام معها، فهل مصر مستعدة لخيار الحرب مثلاً، ونصف الشعب يعيش تحت خط الفقر؟ وماذا عن أميركا، فعداء هؤلاء لها واضح، ولكن هل سيستمر أم ستتغلب «وصولية» الإخوان والسلف في نهاية الأمر؟ وماذا عن المعونة الأميركية والسلاح وقطع الغيار؟ وماذا لو امتنعت الدول العربية الغنية عن مساعدة مصر وتونس مثلاً، فهل بإمكانهما التخلي عن العرب؟ وماذا عن البطالة، وقد بلغت الملايين؟ هذا غير مشكلة تزايد السكان، ومتطلباتهم من سكن ومستشفيات وطرق؟ وماذا عن السياحة، مصدر النقد الأكبر في مصر وتونس والمغرب، هل ستتم مراقبة تصرفات السياح ومنعهم من الترفيه، والأنشطة الأخرى من بارات وكازينوهات وفنادق، وعدد من يعتمد عليها في معيشته فيها يفوق العشرة ملايين بكثير؟ كما تعاني الدول المرشحة لحكم الإسلاميين من ديون ضخمة تدفع عليها المليارات كفوائد ربوية، فكيف سيتم التعامل معها، ومع القروض الدولية؟ وهل سنجد أنفسنا أمام موجة هائلة من الفتاوى التي تحلل وتحرم الكثير من الأمور لأن «مولانا الشيخ» يرى ذلك؟ وماذا عن المتاحف وما بها من تماثيل، هي في حكم الأصنام، وتلك التي في الميادين، هل سيتم تحطيمها كما حطمت طالبان تمثال بوذا في بانيان، وكبير السلف في مصر هو الذي وصف حضارة الفراعنة بالعفنة؟ وماذا عن دور السينما، ونوعية الأفلام، ومعاهد الموسيقى ومئات آلاف المشتغلين بمختلف الفنون والثقافات، من تلفزيون وإذاعة ومنشورات، وكبير السلف سبق أن وصف نجيب محفوظ، رمز ثقافة مصر، بأنه عار عليها؟ وما الموقف من تأسيس أحزاب علمانية وليبرالية وحتى شيوعية، وعن الكثير من مواد الدستور «غير» الإسلامية؟ وهل ستبعث الخلافة الإسلامية؟ وماذا عن مسيحيي الكويت لو أصبح لكم قرار في الحكم، هل ستفرضون الجزية عليهم، يدفعونها عن يد وهم صاغرون؟ كما أن في مصر وحدها 8 ملايين مسيحي، فهل سيجبرون على مغادرة وطن عاشوا فيه لآلاف السنين؟ وماذا عن بناء الكنائس وإقامة الحدود على أهل الكتاب، فمن قتل مسلماً يقتل ومن قتله مسلم.. يعزر؟
وحيث إن كل هذه معضلات خطرة لا تستطيع أي جهة دينية، مهما ارتفع كاحلها، الإجابة عنها، فإن أمام من يتسلم من هؤلاء الحكم أحد طريقين: إما لحس كل سابق تصريحاتهم وتطبيق القشور من الأمور من لحية ورداء ونقاب، والاعتراف بالواقع، وهذا سيكشف كذبهم ومراءهم، وإما تطبيق ما يعتقدون أنه شرع الله، حسب فهمهم، ووقتها سيحل الخراب.
أحمد الصراف