أي حكومة قادمة لن تكون غير وجه آخر للسلطة، وبفرض تعيين الشيخ جابر المبارك رئيساً لمجلس الوزراء، ثم استقالة هذه الحكومة الجديدة، وحل المجلس “الكربوني” (بمعنى أنه صورة كربونية من السلطة الحاكمة)، والدعوة إلى انتخابات جديدة ونزيهة (والله العالم)، ثم عودة الشيخ جابر المبارك لرئاسة الوزراء، بحكومة كفاءات ونزاهة ورؤية واضحة للمستقبل، كل هذا لن يحل الأزمة السياسية (ومعها الاقتصادية القادمة لا محالة)، فلدينا عقدتان، ليستا جديدتين على الحال الكويتي السائب.
الأولى هي عقدة بيت الحكم القابعة في أسرة الصباح، فليس هناك خلافات فقط في الرأي واجتهادات متباينة بين كبار وشباب الأسرة حول آلية إدارة الدولة، فقد نمت تلك التباينات إلى مرحلة الفعل وتصيد المتنافسين بعضهم لبعض في الأخطاء الكبيرة والزلات البسيطة، بهدف إزاحة الآخر والانفراد بالكرسي القادم، وتمثلت حروب الشيوخ، بعد أن اندمجوا تماماً في هذا الدور المعارض، في خلق قواعد شعبية وإعلامية تضرب الطار بالمقلوب لهذا الشيخ أو ذاك، واختلاق معارضة “مشيخية” تركب سفن المعارضة الشعبية، وتظهر تلك المعارضة المشيخية صورتها على أنها لوحة فنية رائعة ببرواز النزاهة الأنيق وتتجلى لنا كعاشق متيم بالديمقراطية والحريات، وتعمل من أجل التغيير والإصلاح، وكل الحلم الرومانسي للناس، بينما يدرك الواعون أن “هذا سيفوه وهذي خلاجينه”، وهذه المعارضة المشيخية في حقيقتها “قبلة على الشفتين وخنجر في القلب” بتعبير شيللر في مسرحية اللصوص…! كيف يمكن حل أزمة بيت الحكم وصراعات أبنائه، وليس هذا الصراع جديداً على حكم القصور في الكويت وغير الكويت في دول الحكم الوراثي، من غير الاحتكام لحكم مؤسسة القانون؟ والقانون هنا ليس مجرد النصوص المكتوبة بل هو الأحكام النافذة التي يفترض احترامها، حتى يتم بالتالي خلق مؤسسة حكم محكومة بضوابط قانونية يخلقها ويشارك فيها ويراقبها نواب الشعب.
العقدة الثانية وهي مرتبطة حتماً بالأولى، اسمها الناس، هي الشعب، وهي نواب الشعب، فالبترول مثلما كان نعمة لخلق دولة الرفاهية فقد ابتكر بالتزامن معها النقمة حين قتل روح العمل والمثابرة، وأصبحت روح الاتكال على جهد وعمل الغير من غير الكويتيين هي السائدة، ونتج عن ذلك سلبيات عدم الاكتراث للمال العام وخواء الفكر، وتسطيح وعي الناس بحاضرهم ومستقبلهم، وأضحت الدروشة الدينية ودورها في غياب العقل النقدي هي سمة الثقافة النفطية، فصدقات القطاع العام (الذي يجلس على قمته شيوخ الديرة) في اختلاق الوظيفة وزيادات الرواتب والكوادر ليست بقصد تحقيق دولة الرعاية الاجتماعية، كما تتمثل نماذجها في الدول الاسكندنافية، وإنما هدفت إلى تدجين البشر وتسطيح إدراكهم حتى نقول في النهاية “والله شيوخنا ما قصروا”…! ولن يمكن حل هذه العقدة الثانية بغير حل الأولى، مع العمل الدؤوب الجدي لتعميق ثقافة ووعي أهل الديرة عبر الإعلام ومناهج التعليم الجيدة، والانفتاح على الثقافة الإنسانية… وهذه دروبها شائكة وليست سهلة، لكن بغيرها سنظل على “طمام المرحوم”… بعد أن شبع موتاً.
اليوم: 1 ديسمبر، 2011
جريمة أخرى
ورد في صحيفة «أخبار اليوم» المصرية أن وزارة العدل، أو بالأحرى المجلس العسكري الحاكم، شكل لجنة تحقيق بعضوية قاضيين ، للنظر في الاتهامات التي طالت بعض جمعيات النفع العام وبعض الحركات الشبابية التي كان لها دور في ثورة 25 يناير التي أدت الى الاطاحة بحكم مبارك، بتلقيها أموالا من مصادر ودول أجنبية! كانت المفاجأة ان أكبر جمعية سلفية، وهي «أنصار السنة» حصلت، في خضم الأحداث والاضطرابات التي جرت في مصر في بداية العام، ومن مصدرين خليجيين، على مبلغ 296 مليون جنيه، أو ما يعادل 50 مليون دولار، 19 مليون دولار منها من الكويت والباقي من قطر! وورد في التقرير أن ما حصلت عليه أنصار السنة كان الأكبر حتى تاريخه لجمعية نفع عام!
ومن جانب آخر. برّأ التقرير حركتي «شباب 6 ابريل»، و«كلنا خالد سعيد»، اللتين شاركتا بقوة في الاطاحة بمبارك، من كل الاتهامات المتعلقة بتلقيهما أموالا من الخارج، وخاصة تلك الاتهامات التي صدرت من الجنرال الرويني، الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري، الذي أمر بتشكل لجنة التحقيق.
ومن جانبها، لم تنكر «جمعية أنصار السنة» تهم تلقي أموال من الخارج، ولكنها ذكرت أنها استخدمتها لأغراض انسانية، وليس انتخابية أو سياسية، كرعاية الأيتام، علما بأن غالبية قادة الحزب السلفي هم من الايتام أصلا، بعد أن بلغوا من العمر أرذله. ويذكر أن هؤلاء كانوا ينكرون باستمرار تلقيهم أموالاً من الخارج، وتبين الآن أن الأموال الخليجية بالذات هي التي مكنتهم، ومكنت جماعة «قارض الثورات الأكبر» في قطر، يوسف القرضاوي، من خطف ثورة الشباب وتجييرها لحسابهم. كما ورد في الصحافة الكويتية أن مبالغ التحويلات المليونية هذه خرجت من حسابات «جمعية احياء التراث السلفية» لحساب الحزب السلفي الأكبر والأكثر تطرفا في مصر! وحدث ذلك أمام بصر وسمع الحكومة الكويتية، وحتما بعلمها، وان ثبت ذلك فهو بحكم الجريمة التي تضاف لسجل الحكومة السيئ، وهو اثبات دامغ على تدخلنا في شؤون الدول الأخرى. فلا يعقل أن تتمكن جمعية نفع عام، تخضع لرقابة الدولة الصارمة، من تحويل مثل هذه المبالغ من دون علمها.
ومن أين لجمعية كاحياء التراث مثل هذه الأموال الضخمة لتصرفها على حزب سياسي مصري متطرف يسعى للوصول للحكم؟ ولماذا لا تنفق هذه الجمعية أموالها في الكويت، بوجود عشرات آلاف المحتاجين من المواطنين، وشبه المعدمين من «البدون»؟
أسئلة كثيرة ستبقى بلا جواب وتعزز سابق شكوكنا بدور بعض الأحزاب الدينية في تمويل الارهاب خارج الكويت، وربما داخلها.
أحمد الصراف