أشعر برغبة عارمة صارمة بتعلّم الكاراتيه، كي أعضّ بأسناني رقاب بعض الأخوة العرب الذين يتساءلون: “ما بال الكويتيين؟ ما الذي حدث لكويت الستينيات والسبعينيات؟ أين اختفت؟”… وكأنهم عميٌ لا يبصرون.
ويأتيني اتصال من زميل في قاهرة المعز: “فيه ايه يا عم وشيحي؟ مالكم مشبعتوش خناق؟”، فأجيبه: “نقاوم الفساد كما كنتم تقاومونه”، فيعلق: “بس احنا كنا غير، احنا كنا بنتسرق جهاراً نهاراً”، فأعلق: “ونحن كنا وما زلنا نتسرق الساعة العاشرة صباح كل يوم”، فيعلق: “بس احنا الحرامية بتوعنا كانوا بيسرقونا بحماية من الدولة”، فأعلق: “والحرامية بتوعنا بيسرقونا، والمطلوب منا توفير القفازات لهم كي لا تظهر بصماتهم فنكتشفهم، وأن نقف على رأس الشارع لنتأكد من خلوّه من المارة”، فيعلق: “طيب عندكو فضائيات زي اللي كانت عندنا بتمجّد في الحرامية”، فأعلق: “لا، عندنا فضائيات بتمجد في الحرامية وبتشتم في الشرفاء”، فيتحدى: “معلش، احنا غير، احنا كان عندنا أحمد عز مبهدلنا ومشغّل الدولة كاشير عند حضرتو”، فأتحدى: “احنا عندنا أحمدات يتنافسون على بهدلتنا، ويدّعون الحكمة والعقل، وعايزين أجهزة الدولة خدامة تمسح البلاط اللي بيمشوا عليه حضراتهم”…
“بص يا وشيحي، يقول بحماسة، الكدابين بتوعنا بيقولوا عن مصر انها فقيرة ومتشحتفة يا عيني ومحتاجة صدقات ولاد الحلال، وده مش صحيح، مصر غنية ومش عايزة حاجة من حد، وكان المسؤولين بتوعنا ببساطة يقدروا يخلوها قطعة من أوروبا، بس هي بقت فقيرة من كتر ما نهبوها”، قلت له: “بص يا شرقاوي، الكويت تملك أكبر ملاءة مالية في العالم، وكانوا بتوعنا ببساطة يقدروا يخلوها قطعة من الجنة، لكنهم سرقوها حتى أصبحت الكلاب الضالة تأنف من السير في شوارعها لشدة نتانتها”، قال: “كان أي واحد عندنا يحتج على الفساد بيضيع في الكازوزة”، قلت: “كان وما زال أي واحد عندنا يحتج على الفساد يروح في الرجلين”، قال بفخر: “بس احنا الحمد لله قدرنا نجمع كل الحرامية في السجن”، فقلت بقهر: “واحنا الحمد لله قدرنا نتجمع كلنا في السجن والحرامية بره”.
واستمر النقاش ولم ينته إلا بعد أن جعلته يعترف أننا “ولاد أيوب”، وأننا مقصرون، وأن صوتنا خفيض ويجب أن يرتفع أكثر.
فانتهزت الفرصة، أو “استنزهت الفرصة”، كما قالت إحدى المتصلات على الإذاعة، وقلت: “كل ما يحدث في الكويت اليوم هو أن هذه الديرة، ولله الحمد، مازال فيها من يحبها ويجلس تحت بلكونتها، لا ليحظى بنظرة منها أو التفاتة، بل ليصرخ في وجه كل من يقترب من خزانة ملابسها”.
قال: “طب يا عم فين القفشات بتعتك والضحكات والذي منه؟”، فأجبته بسؤال يحمل على ذراعيه الجواب: “وهل تجوز القفشات والضحكات في أوقات العزاء؟”.
الشهر: نوفمبر 2011
نصائح كويتية للأشقاء في ليبيا
نبارك لكم في البدء استقلالكم الحقيقي الجديد بعد سقوط الطاغية ولجانه الثورية البغيضة، والذي تحقق بفضل إرادتكم القوية ودعم العالم الحر لكم ممثلا بقوى الناتو الخيّرة، ونتقدم لكم وأنتم أمام مفترق طرق خطير بالنصائح التالية:
***
1 – لكم أن تنظروا في دروس تجربتنا (عام 91) التي أدت الى استقرارنا ونمائنا والتي تقوم على تعزيز سلطة الدولة منذ اليوم الأول ومنع عمليات الثأر والانتقام ودعاوى الاجتثاث بعكس تجربتي العراق 2003 ومصر 2011، لذا حاكموا فقط القلة من المجرمين من أبناء معمر القذافي وارفعوا شعار (عفا الله عما سلف) و«اللي فات مات».
2 – استخدموا سلطة الدولة القوية آنفة الذكر كما جرى معنا في الجمع السريع للسلاح من الناس، فالفوضى والإجرام والانقسام لا تحدث إلا بسبب ذلك السلاح وهل سمع أحد بحرب أهلية يتراشق طرفاها بالورود؟!
3 – ابتعد شعبكم الأبي طويلا عن الديموقراطية والحرية والتنمية السياسية، لذا لا تمنحوه جرعة زائدة من الديموقراطية والحرية فتعم الفوضى وينعدم الأمن ويتفتت البلد كما حدث في العراق الشقيق وقبله الصومال، بل تدرجوا في الحريات كما حدث في ألمانيا واليابان بعد الحرب الكونية الثانية وسنغافورة في الوقت الحاضر، فالديموقراطية هي كالدواء تختلف جرعتها من شعب الى شعب، فما يصلح لبريطانيا وإيطاليا وأميركا قد لا يصلح لليبيا في الوقت الحاضر.
4 – ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، والعرفان بالجميل أمر جميل، لذا عليكم أن تظهروا امتنانكم للغرب الذي ساعدكم على إسقاط أحد أسوأ الأنظمة الإبادية في التاريخ والذي كان سيمتد بأبنائه وأحفاده من بعده كما حدث في كوريا الشمالية وكوبا وبعض دولنا العربية، وان تحضروا الكوادر المؤهلة من الغرب، ولن يبخلوا عليكم بشيء، ولكم في الدول الخليجية القدوة الحسنة، وهي المثال الواضح للإنجاز العربي والتي لم تقم نهضتها إلا بمساعدة ودعم دول العالم الحر، وابتعدوا في هذا السياق عن الغوغائية وتبني قضايا الدول الاخرى، وارفعوا شعار «ليبيا أولا وليبيا أخيرا».
5 – أعلن 40 ألف «ليبي» يهودي رغبتهم في العودة لوطنهم ليبيا (أقل من 0.07% من السكان) فرحبوا بهم دون منة وافتحوا صفحة جديدة في تاريخ بلادكم لا تقوم على القمع والتهجير والتمييز بسبب الدين أو العرق كما حدث للبربر والأمازيغ، واسمحوا لهم ولغيرهم من المغتربين الليبيين باستثمار أموالهم وخبراتهم وعقولهم في خدمة «ليبيا الجديدة».
6 – النظام الملكي هو النظام الأمثل لبلداننا العربية، وقد كانت لكم أسرة مالكة لها جذورها الدينية والوطنية، وكان على رأسها ملك فريد أقرب للزاهد لم يعدم أحدا قط (عدا أحد أقربائه) وتوفي مديونا، بينما سرق الطاغية معمر القذافي 200 مليار دولار من ثرواتكم، فعودوا للملكية ضمانا لأبنائكم ومستقبل بلدكم، ومرحبا بكم بعد ذلك أعضاء فاعلين في مجلس التعاون الخليجي مع المملكة المغربية والمملكة الأردنية.
***
آخر محطة:
(1) بادرة إنسانية طيبة ومعتادة من القيادة السياسية الكويتية في استضافتها للجرحى الليبيين، فالكويت تبقى دائما وأبدا البلد الذي يبادر بأعمال البر والعطاء للاخوة والأشقاء، ولا يرسل قط أدوات الخراب والدمار لهم كحال غيرنا.
(2) نرجو من الأحبة في وزارة الإعلام إعداد رحلات سياحية وثقافية في أرجاء الكويت للجرحى الليبيين بعد شفائهم السريع إن شاء الله، إضافة بالطبع للأشرطة والمطبوعات.
(3) ونرجو من الفنانين الكويتيين أمثال عبدالحسين وسعد الفرج ونبيل شعيل وعبدالله الرويشد ونوال وغيرهم أن يبادروا بزيارة الجرحى، فلهم في ليبيا معجبون كثر، وكانت شوارعهم تخلى من المارة عند عرض الأعمال الدرامية الكويتية، وهذا الطلب يمتد كذلك لجميع المواطنين والمقيمين للزيارة لتخفيف عناء الغربة عنهم.
(4) كما نرجو من الاخوة في شركات الهواتف المتنقلة توفير هواتف وخطوط للمرضى الليبيين كي يمكن لهم أن يتواصلوا مع بعضهم البعض.
الأمور تزداد سوءاً
حسناً فعل صاحب السمو باستقباله وفد المعارضة البرلمانية والاستماع اليهم ومحاورتهم، وهذا ليس بغريب على سموه الذي عرف عنه الحكمة والحنكة في قراراته، فلو لم تتم هذه الخطوة المستحقة من قبل سموه لأصبح نواب المعارضة في حل من اتخاذ اي اجراء يبرئ ذمتهم امام الله وأمام الشعب. فكلنا يعلم كيف تمكنت الحكومة من تعطيل جلسات مجلس الامة، سواء بفقدان النصاب او بالاحالة إلى «الدستورية» ولجان المجلس لاي موضوع او قضية لا تريدها. لذلك، لجأ النواب إلى الشارع وساحة الارادة، فحجبت الحكومة رأيهم عن الناس ومنعت نقل ما يجري الى الشعب، فاتجه النواب الى دواوينهم، وهنا تعهدت الحكومة بمنع اي تواجد بشري خارج حدود المنزل ولو استدعى ذلك تدخل القوات الخاصة! فلم يجد النواب بداً من التوجه الى صاحب القرار النهائي ليشتكوا اليه ظلم الصديق وجور الصاحب، وكيف آلت الامور في البلاد الى حافة الانهيار، فاستوجب الامر تدخل صاحب البصر والبصيرة لانقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الاوان.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا عن مستشاري سمو رئيس الوزراء؟ فاما انهم لا يمارسون دورهم الاستشاري، يعني مستشار ترضية وتطييب خاطر بس فكنا من رأيك واحتفظ به لنفسك! وإما انهم يقدمون استشارة ورأيا ركيكا وبعيدا عن الواقع، وثالثة الاثافي انهم يزينون لصاحب الشأن ما يريده ويرغب فيه، ولو خالف قناعاتهم وهذه طامة كبرى، اما الرابعة فهي انهم يشيرون عليه لكن صاحب الشأن لا يقتنع بما يرونه فيصبحون مثل «المطوطي في جليب!».
اقول هذا الكلام لانني ارى ان الاوضاع وصلت إلى درجة من السوء بحيث يراه كل ذي عقل وبصر وبصيرة ولو كان صغيراً! ولا يمكن ان تصل الامور الى هذا الحد من دون ان تحرك ساكنا في مشاعر من يعنيه الامر، وحتى لا نصل الى ما وصل اليه بعض مثقفينا ومنظري الاقتصاد عندنا الذين يرون انشاء دار للاوبرا اولوية يتمنون عدم تجاهلها!
وما دام اننا نكتب عن اصحاب الشأن ورؤاهم واولوياتهم فأتمنى ان نلفت نظرهم ــــ وهم جزماً غير غافلين عن ذلك ــــ الى خطورة الطرح الطائفي وتأجيج المشاعر الطائفية عند بعض جهال السنة والشيعة.
واعتقد ان السماح للبعض بالتحرك بأريحية في هذا المجال وشعور هذا البعض بانتقاص حقوقه ورفع سقف مطالباته زادت من هذا الطرح الذي نشأ عنه احتقان طائفي يهدد الوحدة الوطنية. وهنا أنبه الى قضية لم يعد يخفيها هذا البعض، وهي شعور البعض بالتعاطف الذي يصل الى درجة الولاء لاحدى الدول الصديقة والجارة التي تتبنى المرجعية المذهبية في عملها السياسي! اقول هذا التعاطف لم يعد خافيا بل اصبح البعض يصرح به تصريحا لا تلميحاً، مما جعل الطرف الآخر يشعر بالغبن وهو الذي اتهم منذ فترة قريبة جدا بازدواجية الجنسية!
الامور اصبحت قاتمة ولم تعد رمادية كما كانت بالامس، والتشاؤم او التحلطم اصبح لغة التخاطب بين اهل الديرة، والتحسر على كويت الماضي اصبح هماً يشيله قلب كل مواطن مخلص وغيور، فمتى يأتي الفرج؟
«قل عسى ان يكون قريباً» صدق الله العظيم.
***
ملحوظة:
في مثل هذه الاجواء.. لا نستغرب عودة الرويبضة، وهو التافه من الناس يتكلم في الشأن العام.. ولا نستبعد تسلق الطحالب على ظهر الشرفاء.
معارضة طارق العلي
قررت المعارضة النيابية أو ما يسمى بالمعارضة، إن صح التعبير، أن تقاطع لجان مجلس الأمة بحجتين؛ الأولى، هي سوء الإدارة الحكومية، وهو أمر متفق عليه ولا يستطيع أن يتغاضى عنه عاقل، والأمر الآخر هو وجود نواب “قبيضة” كما تمت تسميتهم، وهم المحالون إلى النيابة بسبب تضخم حساباتهم البنكية بشكل غير اعتيادي، وعدم إمكان تعاون نواب ما يسمى بـ”المعارضة” مع “القبيضة”. وقبل الدخول في صلب الموضوع والتعليق على هذا الأمر، فإنه يجب علي أن أطرح تساؤلاً مهماً على ما يسمى بالمعارضة، هل “قبيضة” اليوم هم أول “قبيضة” يدخلون مجلس الأمة في عهدكم؟ الإجابة طبعا لا، وقد شاركتم القبيضة السابقين سواء في اللجان أو الوفود أو حتى الاستجوابات في أحيان كثيرة، ولكن قبل أن تقولوا “اللي فات مات” أنتم مازلتم تشاركون “القبيضة” من غير النواب في معارضتكم، بل وتصفقون وتطبلون له أيضاً، فمن قبض “الوسيلة” هو أحد رموز المعارضة اليوم، وهو ما يعني أن حجة انسحابكم من اللجان لكي لا تجتمعوا بـ”القبيضة” متناقضة مع تصرفاتكم السابقة والحالية أيضاً. عموما ما سبق هو هامش الموضوع أما الجوهر فهو يتمثل في التالي: “ينبغي أن يشترك كل عضو من أعضاء المجلس في لجنة على الأقل”… تلك فقرة من نص المادة 45 من اللائحة الداخلية للمجلس تلزم عضو مجلس الأمة سواء كان “قبيضاً” أو موالياً أو معارضاً بالمشاركة في لجنة واحدة على الأقل، وإلا فإنه يخل بعضويته وأداء مهامه في تمثيل الأمة بأسرها.
وقرار ما يسمى بـ”المعارضة” بعدم المشاركة في اللجان يعني أنهم يتعدون ويتجاوزون اللائحة الداخلية من أجل تسجيل موقف لإثبات أن الحكومة و”القبيضة” لا يحترمون الدستور والقانون واللوائح، بمعنى آخر أن من يسمون بـ”المعارضة” يتجاوزون القانون لرفضهم تجاوز الحكومة و”القبيضة” للقانون! فضلا عن أن رواتب الأعضاء المقاطعين للجان تعد غير مستحقة بحكم أنهم لا يؤدون وظائفهم كما تنص اللوائح والقوانين، وهو ما يعني أن المعارضة الجديدة التي ترفض التعدي على الأموال، كما تدعي، تتقاضى رواتب وأموالاً غير مستحقة كذلك. وهنا أخاطب نواب الإسلام السياسي تحديداً ومدّعي حماية المال العام من المقاطعين تحديداً فما تتقاضون من رواتب بعد مقاطعة اللجان هو مال حرام ويتجاوز المادة الـ17 من الدستور كذلك. أنا هنا لا أنكر أن وضع المجلس والحكومة كارثي ولا يطاق وسوء اختياراتنا هي أساس هذا التردي، ولكن ليس من المنطقي أبداً أن ننسحب من المجلس ونجعل الفساد يستمر دون رقابة، فلماذا نعاقب الكويت أكثر بترك أدواتنا الرقابية في أيدي الفاسدين والمفسدين وكأننا نطبق أسلوب طارق العلي في مسرحية “سيف العرب” حين قوله “والله أحمق… عليكم هسّه وأثوّر بنفسي”.
ضمن نطاق التغطية: “إذا لم تكتمل عضوية اللجان الدائمة وتبين أن بعض الأعضاء لم يشترك في عضوية أي منها، أو لم يشترك إلا في عضوية لجنة واحدة، يتم شغل الأماكن الشاغرة من بين هؤلاء بطريق القرعة بدءاً بالأعضاء الذين لم يشتركوا في عضوية أي لجنة”.
تلك هي تتمة المادة 45 من اللائحة الداخلية للمجلس، وهو ما يعني أن بإمكان الرئيس أن يقوم بالقرعة ويملأ مقاعد اللجان بالنواب المقاطعين! حتى تسجيلكم للموقف، وإن اختلفنا عليه، لن يجدي في ظل وجود هذا النص.
بين أنفاس السجائر
خذ يا صاحبي هذه السيجارة من صنع الجيرمان، أشعلها واكتم دخانها في صدرك ثم انفثه إلى الأعلى… حاول أن تستمتع بلحظاتك هذه إلى أقصى مدى فالمستقبل غضوب عبوس.
منذ الآن وصاعداً، وإلى المدى القريب، لا تُصِخ السمع أملاً في سماع ضحكات الأطفال. معلش، فلسنا في موسم الأطفال ولا ضحكاتهم، وأنت تعرف أن لكل شيء موسماً، للكَرَز موسم، وللتفاح موسم، وللأطفال كذلك موسم، ليس غداً بالتأكيد.
خذ يا صاحبي السيجارة الثانية، وفكر في ما ستفعله في الأيام المقبلة عندما ترتفع الصرخات والآهات، ويعلو غبار المظاهرات المطالبة بالإفراج عن المحجوزين، وتعلّم، وعلّم أطفالك، كيف يتلثمون بـ”الغترة” لمكافحة الغبار، ألا هل بلّغت اللهم فاشهد.
الدولة يا صاحبي بأجهزتها الهضمية والتنفسية جُيّرت وتُجيّر لخدمة الكراسي، الدولة كاملة من الجلدة إلى الجلدة تحولت إلى مسامير لتثبيت الكراسي. وأن يحصل شيخ دين على الجنسية أو حتى ممثل لا موهبة له، هو أمر لا غرابة فيه، إذ لا علاقة للمهنة بالجنسية. الغرابة، كل الغرابة، أن يتحول الدين إلى “هدية قيّمة” يقدمها الباحثون عن الجنسية إلى من بيده الكرسي، ويتحول الفن إلى وثيقة تثبت الولاء لأصحاب الكراسي.
وكان الأستاذ، أو الشيخ، عبدالرحمن عبدالخالق، قد أصدر فتوى عنقودية متفجرة قبل استجواب سمو رئيس الحكومة، ألغى فيها، بصورة أو بأخرى، المادة (100) من الدستور، خصوصاً الشق المتعلق برئيس الوزراء، الذي يبيح استجوابه. وكان زميله الشيخ عبدالله السبت قد ذهب إلى أبعد من ذلك، وأفتى بما هو أنكى وأشد، إذ رأى، لا أعمى الله بصره، أن “تعطيل الدستور” بمواده كلها، لا المادة (100) فحسب، أمر لا يستحق الغضب ولا حتى العتب.
وقد نسمع من “الشيخين” حفظهما الله، في القادم من الغبار، فتاوى مختومة بختم الحكومة، وقد لا نسمع، وقد نقرأ هجاء الممثل أحمد إيراج للمعارضة، وقد يقول ما لم يقله زميله الممثل “موضي علف” عن المعارضة، وقد لا يقول، لكن الأكيد والثابت أن أبطال الحروب والشهداء أقل من أن “يتكوّتوا”، كما ترى الحكومة، فلم يقدموا إلا أرواحهم، فقط، لا فتاوى دينية تهز العقول ولا أعمالاً فنية تهز الحجول.
وأخشى أن تكون “جناسي” هؤلاء مربوطة بخيط مطاط، أو أن تتحول الجنسية إلى دَيْن يلزم سداده.
أشعل يا صاحبي سيجارتك الثالثة وأدر بيننا أقداح القهوة الصنعانية، وتعال نبكِ كالنساء على الكويت التي سقطت على الأرض، واختفت بين أرجل المارة. أشعل سيجارتك بسرعة قبل أن تقرأ، في القريب العاجل، أخباراً عن هجرة بعض المعارضين إلى دول أوروبا ليتسنى لهم المعارضة من هناك بصوت أعلى مما كانت تخشاه الحكومة.
اكتم دخانها في صدرك… ثم انفثه إلى الأعلى وأنت مغمض العينين.
تجربتي اليابانية
قضيت جزءا من الصيف الماضي مع أصدقاء يابانيين، وكانت تجربة جدا غريبة، فهذا الشعب الذي سبق أن اختار العزلة عن العالم لقرون طويلة، قبل ان ينفتح مع بداية القرن الماضي، يعتمد كليا على نفسه، بخلاف شعوب دولنا النفطية تماما، فاليابان لا تمتلك أي موارد، فلا فحم ولا نفط ولا حديد ولا خامات مهمة، وأرضها عبارة عن 3000 جزيرة متباعدة، وسبق ان دمرت أجزاء كبيرة منها في الحرب الثانية، كما ضربتها، ولا تزال، مئات الزلازل المدمرة، ومع هذا ما زالت اليابان الثانية عالميا في قوتها الاقتصادية بعد أميركا، ولا يوجد بها أمي واحد، ففيها الإنسان هو أساس الثروة! ولو وضعنا جانبا تاريخ اليابان الاستعماري المشين، والذي استطاعت التخلص من آثاره وآثامه تماما مع نهاية الحرب العالمية الثانية، فإننا نجد شعبا جديرا حقا بالاحترام. فبالرغم من أنهم لم يشتهروا بتدينهم، بشكل عام، فلا علاقة مثلا للدين بأهم طقوسهم وهي الزواج، مقارنة بالأميركيين الأكثر تدينا في العالم الغربي، إلا أن تصرفاتهم الراقية وأمانتهم أمر لا يمكن مقارنته بأي شعب آخر… تقريبا! فأثناء الزلزال والتسونامي الذي ضرب أجزاء من اليابان، واجبر مئات الآلاف على ترك كل شيء وراءهم، شاهد العالم على شاشات التلفزيون ما ابهره، فلا حالات سلب ونهب للمتاجر والبيوت، بعكس ما حصل في مدن غربية عدة، وبالذات في مدن أميركا الكبرى، وعاصمة التدين في العالم الغربي، دع عنك عالمنا بالطبع! وقد حدث ذلك التصرف بتلقائية ونتيجة لطريقة تربية محددة، وليس خوفا من عقاب سماوي.
وقد تعلمت من أصدقائي اليابانيين جهلهم «بفن» الكذب، وخاصة الذي نسميه الأبيض. كما أن الياباني لا يعرف القسم أو الحلف بأغلظ الأيمان وخاصة لإقناع الآخر بصحة ما يقول. وحتى في المحكمة فإن المتهم أو الشهود لا يطلب منهم غير قول: «أقسم بأن أقول الحقيقة، وأن اتبع ضميري، دون خداع أو كذب»! ولا شيء غير ذلك، فلا كتاب مقدسا يضع يده عليه وينطق بالقسم ولا أي شيء من هذا القبيل. ولفت أصدقائي نظري إلى حقيقة ان اللغة اليابانية تفتقد مفردات الشتم والسب، المنتشرة في لغات المجتمعات الأخرى. وعندما يغضب الياباني فإن ما يتلفظ به عادة يعتبر «غشمرة» مقارنة بشتائمنا. ويعود سبب هذا لأدبهم الجم الناتج عن تربية مدرسية ومنزلية صارمة تحث الطفل على التزام الصمت والاستماع إلى من هو أكبر منه، وقد أثر ذلك سلبا على شخصية الياباني بشكل عام، فالقيادات السياسية والإدارية لا تمتلك، كما في الغرب، ملكة مواجهة الآخرين والنظر بأعينهم وإلقاء الخطب الرنانة، فالأدب أو الخجل يمنعهم من ذلك. ولو نظرنا لنسبة تواجد اليابانيين في المناصب الدولية المهمة لوجدنا أن عددهم لا يتناسب مع حجمهم الاقتصادي ومساهماتهم الدولية!
ونختم ذلك بان نقول ان بإمكان أولئك الذين أدمنوا على الدعاء على الآخرين باليتم والتشرد والموت، الاستمرار في ذلك، فلا مجال لإقناعهم بعدم سلامة ذلك، ولكن أليس بإمكان هؤلاء تعلم ولو بعض الشيء من هدوء هؤلاء واحترامهم وصبرهم وأدبهم وعفة يدهم ولسانهم، وقول الصدق؟ لست أدري!
أحمد الصراف