سامي النصف

ليلة غاب فيها القمر عن الكويت

الطريق إلى ليلة الأربعاء المظلمة التي غاب فيها قمر العقل والحكمة عن الكويت ووصلنا الى مرحلة بدأنا نشعر فيها جميعا بالخطر الداهم على حاضرنا ومستقبلنا، مر بعدة محطات اختفت خلالها اول مبادئ الفكر والمنطق السليم وضاعت خلالها كثير من الحقائق والبديهيات ومنها:

(1) «لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك» حكمة منقوشة على بعد خطوات قليلة من ساحة الإرادة كتبها الآباء ونسيها بشكل مطلق الأبناء، فناصر المحمد وجميع الوزراء والمسؤولين بشر زائلون والكويت باقية والأمر لا يستحق تدمير البلد ونشر الفوضى للوصول الى ذلك الهدف الذي رسم الدستور منهاجية الوصول إليه ولم يذكر الآباء المؤسسون أنه يمر بالشدة والعنف وتدمير المنشآت واقتحام بيت الشعب باسم الشعب!

(2) أحكام وتفسيرات المحكمة الدستورية في العالم «أجمع» ملزمة وإلا فما فائدتها وما سبب وجودها؟! وإذا ما انحرفنا عن تلك الحقيقة وتلك البديهية التي طبقت في السابق إبان الخلاف حول أسماء المرضى ورئاسة المجلس واستجواب القلاف لوزير الداخلية (قرار اللجنة التشريعية) وأرجعنا الأمر للمجلس فقد صوت المجلس «بالأغلبية» للامتثال لذلك التفسير المنطقي جدا فمحاسبة الرئيس على اعمال الوزراء سيعطيهم «عصمة» كعصمة النواب التي دفعتهم للفساد.

(3) للمعلومة طرح في مصر التي احضرنا منها دستورنا نفس القول ان «المجلس سيد قراراته» عندما صدر حكم المحكمة الدستورية المصرية بحل مجلس الشعب وإعادة الانتخابات في فبراير 1987 وأكتوبر 1990 وتم الامتثال لرغبة المحكمة الدستورية بعد ان رفض وأفشل جميع الخبراء الدستوريين تلك المقولة وأعيدت الانتخابات ولو ترك الأمر للمجلس لما ارتضى حل نفسه، وهناك العديد من الأمثلة المشابهة في الدول والديموقراطيات المتقدمة.

(4) الاستجواب الذي سقط بحكم التفسير وحكم الأغلبية واستخدم كذريعة لنشر الفوضى ساقط كذلك شكلا ومضمونا، ويُدين احد مقدميه أكثر ما يدين من وجه له الاستجواب فقد قدم بعد دقائق أو ثوان من تشكيل حكومة جديدة غير مسؤولة ـ بحكم المحكمة الدستورية ـ عن أفعال من سبقها ولم تعط الفرصة لتصحيح تلك الاخطاء، كما ان محوره الأول المختص بتشكيل شركات خطة التنمية مسؤول عنه الوزراء المختصون ومعهم النواب ممن لم يتابعوا منذ عام 2010 اسباب عدم إنشاء الشركات، محور قسائم أبوفطيرة قائم منذ 5/5/2002، محور البيئة وأم الهيمان منذ يناير 1994، والتعويضات البيئية منذ 21/2/2001، كما ان «زين» شركة خاصة تملك الهيئة منها 24% والتأمينات 2% فكيف لمن يملك 26% ان يتحكم في قرارات 74% المملوكة للآخرين؟! وجميع المعلومات سالفة الذكر موجودة في صحيفة الاستجواب التي يفترض ان يسأل مقدمها عن سر سكوته طوال تلك السنوات عن تلك المخالفات.

(5) إزالة ذلك الاستجواب من جدول اعمال المجلس كان ـ للتذكير ـ مطلبا معلنا للمعارضة للتفرغ لاستجواب التحويلات والإيداعات فكيف تصبح تلك الإزالة تنقيحا للدستور وسببا للفوضى والخروج للشارع كونها صدرت فقط من الأكثرية؟

(6) إذا ما رجعنا للمقولة الخالدة التي ذكرناها في الفقرة الأولى فما الضمان في حال وصول رئيس وزراء «إصلاحي» جديد ألا يتم التعامل معه ولأسباب شخصية بنفس الطرق غير الدستورية اي استجوابه بعد دقائق من تعيينه؟ ثم النزول للشارع ضده واقتحام بيت الشعب ولربما البنك المركزي ومجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى بحجة انها ملك للشعب يحق لمن اراد من افراده ان يدخلها متى شاء؟! ولماذا لم نسمع كلمة اعتذار واحدة عن اقتحام بيت الأمة او التعهد مستقبلا بعدم تكرار ذلك الجرم الفادح؟

لقد سقط القذافي وصدام وغيرهما من الطغاة وزرع لدينا ألف قذافي وصدام لا يملكون ادوات الاثنين في القمع والقهر وإلا لامتلأت السجون بالمعتقلين ولشهدنا ظاهرة المهجرين الكويتيين الذين كانوا سيترحمون في بلدان الهجرة والاغتراب على ايامنا هذه كحال الليبيين والعراقيين على ايام ادريس السنوسي وفيصل الثاني، ايام الديموقراطية والحريات التي فرط فيها واستغلت في غير موقعها

وتهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت..

فإن تولت فبالأشرار تنقاد

(7) أخيرا، لقد قرأت تاريخ دولنا العربية الحديث يوما بيوم وساعة بساعة وصفحة بصفحة، واطلعت على محاضر مجالسها النيابية وجلسات حكوماتها وتفاصيل محاكماتها وتحركات ومقولات ساستها وإعلامييها بشكل لم يطلع عليه 99% من شعوبها، وأقول ان خلاصة تلك القراءات التي اخذت مني سنوات طوالا هي انني لم ارقب امرا مشابها لما يحدث في بلدنا ثم انتهى بأمر فيه خير للشعوب والقوى السياسية حكومية او معارضة بل تنتهي في كل مرة ـ اذا لم يسد العقل والحكمة ـ بخسارة الجميع واشتعال حرائق مدمرة يكون حطبها وأول ضحاياها من أشعلها، فالحكمة الحكمة.. واللهم بلغت.. اللهم فاشهد.

آخر محطة:
(1) هل يصح ان تحدث تلك الاحداث المؤسفة بعد لقاء بعض الكتل والنواب بوالد الجميع صاحب السمو أمير البلاد وماذا أبقينا لهيبة السلطة التي ان ضاعت ضاع البلد معها؟!

(2) ما الذي اخاف المطالبين بالإصلاح من مقترح كتلة العمل الوطني بفحص حسابات البنك المركزي للجميع ودون تمييز؟!

(3) يثق النائبان الفاضلان عبدالله الرومي وصالح الملا وهما من أكفأ وأنزه النواب انه لو قدر لهما ان يصبحا وزيرين في المستقبل فسيتسلل فجر اليوم التالي من دافعا عنه لأبواب وزارتيهما الخلفية للتآمر مع المفسدين فيهما لاستجوابهما، فالدستور وأدواته ما هما إلا مطية للوصول الى اهداف ليس منها مصلحة الكويت والحفاظ على مستقبلها.

احمد الصراف

نمر طيبة الأبيض

تدور أحداث رواية «النمر الأبيض» للكاتب الهندي آرافيند آديغا، التي بيع منها الملايين، حول حياة «مونا»، وتعني بالهندية الصبي، الذي لم يهتم والده، حمال دراجة الريكشو، بإعطائه اسما، والذي أصبح بعدها يعرف بـ «بالرام»، الذي ولد في منطقة الفقر والحرمان من الهند والتي تسمى بمناطق الظلام، حيث دفع الفقر أهله لإخراجه من المدرسة صغيرا ليعمل في مقهى الشاي، يمسح الطاولات ويفتت قطع الفحم الكبيرة، ولكنه حمل بداخله حلما بالخروج من الظلام وإلى الهند الأخرى، هند النور، هند الثراء والشبع والمقاولات والصفقات! تستمر رحلة بالرام من الظلام إلى النور عبر 400 صفحة من الجمل الطريفة والذكية، وبفضل مهارات النمر الأبيض، النادر الوجود، التي يتحلى بها «بالرام»، فقد نجح في تعلم القيادة في سن مبكرة، وحصل بعدها على وظيفة سائق لدى اسرة كونت ثروتها من دفع الرشى لموظفي الحكومة، وابتزاز سكان مناطق الظلام واستغلالهم والتهرب من دفع الضرائب! وهكذا تتلاحق أحداث «النمر الأبيض» في تسارع جميل غير مخل يحبس الانفاس، وفي ترابط ذكي وصياغة مدهشة، لتنتهي بطريقة غريبة ولتترك بصماتها على النفس لفترة طويلة!
إن رواية «النمر الأبيض»، التي اتاحت لمؤلفها الشاب الفوز بعدة جوائز مرموقة، ومنها الــBookers، تترجم للمرة الأولى للعربية، وتعتبر التجربة الأولى للأكاديمية الكويتية طيبة صادق، التي أضافت من روحها وغنى خبراتها الكثير بترجمة رائعة وجدتها مقاربة جدا للأصل الذي قرأته قبل سنوات، هذا وعلى الرغم من أن الناشر الحكومي حذف منها ما رأى أنه غير مقبول اجتماعيا، فان زياراتي للهند بعد قراءتي للكتاب بالإنكليزية قد ساهمت في استمتاعي بالترجمة، إضافة للمراجعة المهمة للرواية التي قامت بها الأستاذة القديرة زبيدة أشكناني، كبيرة مترجمات الكويت، وما بذلته من مجهود لمعالجة التباين اللغوي والفكري بين الموروث الثقافي لقارئ الرواية بالعربية، وغيره من قرائها، وكانت زبيدة، كما ذكرت المترجمة في مقدمة الكتاب، تستشعر القبول أو الرفض فتلتمس الوسطية بحنكة وخبرة مكتسبة من أعمالها الأدبية الرائعة. وأتمنى أن تكثر المترجمة من أعمالها، وربما تتفرغ لها، فالمكتبة العربية بأمس الحاجة الى من هو بمثل قدراتها.
يمكن الحصول على كشف بالمكتبات التي توجد فيها الرواية في الكويت ولندن ونيويورك والدول العربية الأخرى، من خلال الاتصال بنا إلكترونيا، كما أن لدي عشر نسخ من الرواية لتوزيعها على الراغبين في الحصول عليها.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

مواري ربيعٍ عظيم

دوماً كان الربيع، بالنسبة إلي، ليس إلا “تمشية” لمرة واحدة أو مرتين في “المطلاع” و”الوفرة” وغيرهما من صحارى الكويت. وكنت أضحك حتى أختنق بدخان سيجارتي عندما أقارن ربيع الكويت وأمطارها بربيع أوروبا ولبنان وسورية ودول إفريقية وأمطارها. هنا تنبت شعرتان في رأس أرضنا الصلعاء فتزغرد فرحاً بهما ويرقص الناس ويرددون أهازيجهم، وهناك يطول شعر الأرض حتى يغطي خصرها وأردافها، ولا يهتم الناس.
وحده ربيع هذه السنة سيكون مختلفاً، سيكسو الكويت لسنين وسنين، سيكون شامخاً، شاباً، فاخراً… هو ربيع لا ينطلق من السماء إلى الأرض التي تنتظره مستجدية، بل من الأرض يحلق إلى السماء… هو ربيع مختلف في لونه وشكله ومضمونه… هو ربيع عظيم… هو ربيع مجنون، وما أحلى جنونه.
لحضوره رهبة وهيبة، أتحدث عن ربيع هذا العام، لحضوره صرخة وفرحة، يفرح به عشاق هذا البلد، وتهرب الزواحف وتختبئ في جحورها خشية الغرق في سيله الغاضب.
حتى نوافذ بيوتنا، المبللة بأمطار هذا الربيع، لن تجفف وجهها. قسماً لن تجفف وجهها من مياهه الطاهرة. وكان الله في عون فراشاتنا هذه السنة، أو هذا الربيع، من يخلصها من حيرتها وهي تتلفت بين الورود البنفسجية الفاتحة والحمراء القانية والصفراء الضاحكة والبيضاء المشرقة. ستحتاج الفراشات إلى وقت طويل كي تمرّ على كل هذه الورود، لكن أيها أولاً؟
أبطأتَ علينا أيها الربيع العظيم، أبطأت فجفّت كبود عشاقك، أبطأت فتكاثرت الزواحف في مدينتنا وصحرائنا، أبطأت فاصفرّ “الخضار”، ولولا علمنا بانشغالك هنا وهناك لما عذرناك.
وها نحن نحذرك، ربيعنا العزيز، لا تأتِ مستعجلاً وتذهب مستعجلاً، فبلادنا الجافة بحاجة إلى وقت قد يطول. ولا تلمها، فكم من السنين مرّت على الكويت بلا ربيع، بعد أن كان ربيعها يبهر وأرضها تسحر.
تعبنا أيها الربيع العزيز من الوعود الكاذبة لمندوبَيك، الرعد والبرق. كم من مرة ومرة أبلغانا قربَ مجيئك وطلبا منا الاستعداد لاستقبال موكبك، فهرولنا فرحين نبشر أرضنا التي تحتضر وتنازع الموت عطشاً، لكنك لا تأتي.
آهٍ، أيها الربيع، ما أجمل كلماتك التي استقيتها من القرآن، وآه ما أعظم القرآن ولغة القرآن، فبأي آلاء الربيع تكذبان.
هاهو الشعب يترك كل ما في يديه ويصلي صلاة الاستسقاء، ويبدو أن الله استجاب لهم بعد طول صبر، فبانت العلامات و”المواري”.

حسن العيسى

كأننا والمال من حولنا…

ما هي السياسية العامة للدولة؟! وكيف نعرفها حتى يمكن بالتالي مساءلة سمو رئيس مجلس الوزراء عنها؟!
مسألة صعبة تشبه مسرحيات صموئيل بيكت العبثية وفلسفة هايدغر الوجودية، لكن المحكمة الدستورية حددتها بأنها “الإطار العام الذي تتخذه الحكومة نهجاً لها في توجيه العمل الذي تسير على خطاه وزارات الدولة ومصالحها، وما تنوي الحكومة النهوض به من أعمال ومشروعات وخطط مستقبلية”… إلخ… الخ.
أفهم كلمات مثل “الإطار العام” و”توجيه العمل”، وأفهم كذلك “المشروعات والخطط المستقبلية في المجالات العامة”، لكن حين أجمع الكلمات معاً، أتوه وأصبح غبياً، فلا أفهم كيف تكون هذه السياسة العامة في الواقع الحي، وكيف يمكن أن نراها… أن نتحسسها، نلمسها، نشعر بها تتنفس، تنبض بالحياة، تسير وتقف، تكبو وتنهض، تبهجنا أحياناً وتغمنا في معظم الأحايين، تعرفنا بنفسها على أنها الآنسة سياسة ابنة العامة، التي تهيمن على عمل الوزارات والمؤسسات وتضبط مجمل شؤون الدولة وتشرف عليها بصورة عامة.
ومن جديد تهتُ وضِعتُ في قفار وفيافي هذه السياسة العامة العميقة حين أثيرت قضية مسؤولية سمو الرئيس عن هذه السياسة العامة، وكيف يجوز أو لا يجوز ـ حسب وجهات نظر فقهاء الديمقراطية الكويتية العليا- اعتبار تفجّر حسابات بعض النواب بالملايين بين ليلة وضحاها في تسونامي “كبت أمه”، من السياسة العامة للدولة، أو من السياسة الخاصة والخاصة جداً، والتي لا يجوز الحديث عنها، أو حتى الهمس بها… هس، سكوت، عيب؛ فذلك مخالفة للقانون، وجرح للدستور، وهو مسألة مرتبطة بحقوق الأفراد الشخصية (والنواب أفراد) والكلام بها (السياسة العامة وحساباتهم) يعني مساساً بسرية حساباتهم الشخصية، كما علمتنا الفقيهة رولا دشتي بجلسة أمس الأول، جزاها الله كل خير، هي ورفاقها من النواب الحريصين على حريات الأفراد وحقوقهم.
الاستجواب القادم لسمو رئيس الوزراء من البراك والمسلم والعنجري، سيحشرنا من جديد في الزنزانة الضيقة للسياسة العامة، ونحن لم نصدق فرحتنا بأننا انتهينا بالأمس من رفع وشطب استجواب السعدون والعنجري حول “السياسة العامة” ومتاهاتها، وكيف كنا “… والماء من حولنا قوم جلوس حولهم الماء” في شروح معاني السياسة العامة ومدلولاتها الغائرة في عمق العبقريات البرلمانية.. فماذا يريد النواب الثلاثة، هداهم الله من استجوابهم القادم، وقد عرفنا من قرار الأغلبية المجلسية الحكم مسبقاً في معاني السياسية العامة؟!
فهل سيعود النواب المستجوبون إلى تفسير الماء بالماء بعد كل هذا العناء، وبعد أن قلنا: ها… دقت ساعة العمل للحكومة، للـ”تيك أوف” لطيارة التنمية الكويتية الواقفة، وقد علاها الصدأ على مدرج المعارضة البرلمانية، كما تروج، بحكم العادة المتأصلة، الأدبيات الحكومية! أي تفسير جديد لـ”السياسة العامة” سيقدمه النواب الثلاثة في ٢٢ من الشهر المقبل غير مقولة “… كأننا والمال من حولنا… قوم جلوس حولهم مال” فلا فرق بين الماء والمال غير إحلال اللام بدل الهمزة.

احمد الصراف

ألف شكري وشكري

الحادثة الأخيرة التي تورط فيها ضابط شرطة كبير ليست فردية ومعزولة، فقد سبقتها مئات، لا بل آلاف الحوادث المماثلة الأخرى وأكثر منها بشاعة داخل السلك العسكري! ويستغرب البعض هنا وقوع مثل هذه التجاوزات الرهيبة في دولة هي الأكثر كرما مع ضباطها بالذات، فلا يكاد يمر يوم من دون ان نقرأ أو نسمع بتورط أحد هؤلاء في جريمة، وسبب ذلك، بنظري، بسيط ومعقد في الوقت نفسه، ويعود أساسا لأمور ثلاثة:
1ــ الزيادة الكبيرة في عدد من يطلق عليهم بالمتنفذين، من نواب وابناء أسرة وسياسيين، ممن استمرأوا التدخل في القضايا «الأمنية»، وما أكثرها، لمنع حبس فلان أو ضبط فلتان، وما يخلقه ذلك في نفوس المنوط بهم حفظ الأمن من حسرة، ويشجعهم بالتالي على التراخي في أداء الواجب وقبول ما يعرض عليهم من إغراءات! وقد ساهم ذلك، إضافة لنقص التربية الوطنية في نفوس الكثيرين، لاستشراء فزعة ابن الطائفة لطائفته وحماية ابن القبيلة لابن قبيلته او عرقه، والجميع يتعلل بــ«الستر»!
2 ــ التشدد المبالغ فيه في كل الأمور المباحة لدى أكثر الدول قربا منا ولنا، دينا ونفسية وتقاليد، وطول قائمة الممنوعات، التي تقيد المواطن والمقيم، والتي تطول كل يوم، وصعوبة تطبيق كل هذه الموانع والمحظورات بكفاءة، التي تخلو أصلا من المنطق، جعل تجاوزها أمرا سهلا، فممنوع دخول جنسيات معينة، وهناك من دخل، وممنوع التحاق بعائل، وممنوع منح استمارة تعلم قيادة مركبة، وممنوع النجاح لأول مرة في امتحان القيادة، وممنوع الحصول على إجازة قيادة عامة، وممنوع المجاهرة بالإفطار، فعلى الجميع الصيام ولو كانوا بوذيين، وممنوع تناول المشروبات، ولو في قلعة محصنة، وممنوع على النساء السباحة على الكثير من الشواطئ، وممنوع عليهم الحلاقين الرجال، وممنوع حفلات الفنادق، حتى الخاصة منها، وممنوع جلب الفنانين، وإن أتوا فتطبق الضوابط الشرعية عليهم، وغير ذلك الكثير.
3 ـ والنتيجة الحتمية للسببين 1 و2 هي التراخي العام والشامل في تطبيق القانون، فمن دون تطبيق حازم له سيكون لدينا، بل يوجد لدينا، ألف شكري وشكري. فنحن، باختصار، بحاجة الى السماح بالترفيه عن الناس، وتقليص قائمة الممنوعات وتقليل القيود السخيفة، وفي الوقت نفسه الحزم في تطبيق المعقول والمنطقي منها!

أحمد الصراف

سامي النصف

ما الذي سيحدث لدول الربيع بعد 10 أعوام؟!

  موضوع اليوم أهم لبلدنا وشعبنا من معارك السياسة الداخلية السخيفة التي لا نهاية لها، في عام 89 قامت عدة ثورات متزامنة في دول شرق أوروبا وأعلنت قيام «الربيع الأوروبي» وإذا ما عرفنا ما حل بتلك الدول بعد عشرة أعوام يمكن لنا بالمقاربة والمقارنة معرفة ما سيحدث لدولنا العربية عام 2020 والذي ستتأثر به قطعا الكويت ودولنا الخليجية سلبا أو إيجابا، حيث اننا لسنا جزرا نائية بعيدة عن محيطها الجغرافي.

***

ما حدث في رومانيا هو الأقرب في نظري لما يمكن ان يحدث في مصر، فقد ثار الشعب الروماني ذو الحضارة العريقة ومات منه ألف قتيل (نفس عدد ضحايا مصر) للإطاحة بالرئيس شاوشيسكو وزوجته بعد رفضهما التنحي والهرب خارج البلاد، وتحولت رومانيا الى دولة متعددة الأحزاب وتم تداول السلطة ووصل الحزب الديني المسمى «المسيحي الديموقراطي» ومعه الحزب القومي «رومانيا العظمى»، الى الحكم وتم تشكيل 200 حزب وافقت عليها لجنة الأحزاب تقلصت فيما بعد الى 20 حزبا وكان وضع رومانيا بعد عشرة أعوام هو أنها تتقدم سياسيا وتنهار اقتصاديا حيث انخفض معدل الدخل بنسبة 60% عما كان عليه إبان حكم شاوشيسكو وزادت البطالة وانتشر الفساد وتفشت تجارة المخدرات والسلاح مما تسبب في الانتخابات «الثانية» في السقوط الذريع لمن فاز بالانتخابات الأولى وسمي تحول رومانيا الاقتصادي بـ «رأسمالية دون رأسماليين» حيث لم تجرؤ الاستثمارات والمستثمرون الأجانب على القدوم.

***

ما حدث في يوغوسلافيا هو الأقرب لما قد يحدث في سورية حيث تسبب قمع وإبادة الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش لشعبه وتسببه في إثارة النعرات الدينية والطائفية والعرقية واستخدامه للأدوات الأمنية والإعلامية بوفرة، في تفتت يوغوسلافيا وقيام عدة حروب أهلية فيها وانقسامها الى عدة دول متناحرة، وانهار الاقتصاد وهبط الناتج القومي بمقدار الثلثين واضطر العالم لأن يتدخل عسكريا لإيقاف المذابح وانقلب الصرب على قائدهم الذي ورطهم وسلموه في النهاية لمحكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

***

يمكن تشبيه ما سيحدث في ليبيا بما حدث خلال الأعوام العشرة اللاحقة لربيع تشيكوسلوفاكيا، فالبلد كحال ليبيا وافر الموارد الاقتصادية وقد انقسم بطريقة «ناعمة» لا حرب فيها بين التشيك والسلوفاك (طرابلس وبنغازي!) ممن ينتمون الى أصول سلافية واحدة وتوجه البلدان بعد انقسامهما للتعاون ضمن مظلة الاتحاد الأوروبي (الجامعة العربية أو الاتحاد المغاربي) ولم تعان جمهورية التشيك ما عانته دول الربيع الأوروبي الأخرى في تحولاتها السياسية والاقتصادية وقيل ان أحد الأسباب هو ان الشعب التشيكي لم يؤمن قط بالنظام الشيوعي الأحمر السائد (نظام الكتاب الأخضر في ليبيا) لذا كان من السهولة بمكان التخلص منه.

***

تونس ومقاربة ما قد يحدث لها بما حدث لپولندا التي اعتبرت بعد ثورتها الطفل المدلل للسائحين والمستثمرين الغربيين بعد ان نجحت بشكل سريع في خلق نظام سياسي معتدل ومستقر وتم تعديل هيكلة اقتصادها وفتحه لرؤوس الأموال الأجنبية ما جعلها تنجح في استقطاب ما يزيد على 60 مليارا من الاستثمارات الأجنبية وقد ابتعد زعيم المعارضة التاريخي ليش فاونسا (راشد الغنوشي) بعد هزيمة حزبه في الانتخابات «الثانية» عام 1995 أمام المرشح الشاب الكسندر كفاشنفسكر بعد ان كان قد اكتسح الانتخابات الأولى.

***

آخر محطة:

(1) تظهر التجارب ان المهم ليس كيفية الدخول في الثورة أو الربيع.. بل المهم هو كيفية الخروج منهما..!

(2) كما تظهر التجارب ان المهم ليس نتائج «اول» انتخابات في دول الربيع العربي… الأهم هي نتائج الانتخابات.. «الثانية» بعد ان تذوق الشعوب اثر وصول المعارضة والأحزاب على الاقتصاد..!

(3) العزاء الحار لآل الوطيان والدوسري الكرام على وفاة فقيدتهم الغالية.. للفقيدة الرحمة والمغفرة ولأهلها وذويها الصبر والسلوان.

(4) العزاء الحار لآل باقر الكرام على وفاة فقيدهم الكبير المرحوم أحمد باقر، للفقيد الرحمة والمغفرة ولأهله وذويه الصبر والسلوان.

احمد الصراف

اسرق .. اسرق، فلن تحاسب!

في السنوات الأخيرة من الحرب العراقية – الإيرانية العبثية، قامت «المواصلات» بطرح مناقصة لتحديث الشبكة الهاتفية، وفازت بالمناقصة شركة محلية وكيلة لشركة أوروبية كبرى، وكانت قيمة العقد تقارب الــ 90 مليون دينار! لأسباب «أمنية» تم سحب المشروع من الشركة، وإعادة طرحه بشرائح أصغر، وهنا فازت بغالبية شرائحه شركات تابعة لكبار مسؤولي الوزارة، وكانت غالبيتها غير مؤهلة، وممثلة لشركات من دول عربية أشد تخلفا منا، في نظام اتصالاتها على الأقل. وقد أثر تفتيت المناقصة على جودة العمل، ورفع التكلفة كثيرا! والآن، وبعد ثلاثة عقود من ذلك العقد البائس، نجد أن الخدمة الهاتفية الأرضية لا تزال تشكو الكثير من العلل والانقطاع المستمر في مناطق عدة، ويكفي أن خدمة الإنترنت لا تعمل، ولا يمكن أن تعمل بشكل جيد في مناطق حيوية كثيرة، كالشويخ وصبحان والري، بسبب سوء تنفيذ أعمال الخدمات الأرضية للشبكة الهاتفية، ولست ابالغ إن ذكرت أن أي جهة أو شركة بحاجة الى خدمة إنترنت جيدة عليها دفع مبالغ تصل لعشرات آلاف الدنانير، لتمديد كيبل أرضي خاص بها من مقسم الوزارة وحتى مكاتبها، ويحدث ذلك في دولة صرفت مئات ملايين الدنانير، ولا تزال على خدمة من الدرجة الثالثة، ويحدث ذلك ايضا لأن الجميع على علم بألا أحد سيحاسب في نهاية الأمر مهما كان الخطأ فادحا، وقضية محولات الكهرباء المضروبة ومحطة مشرف خير مثال! إن ما يحدث جريمة شارك فيها كل وزراء المواصلات السابقين، والحالي، من خلال التغطية على أسبابها، وعدم الاهتمام بحلها! فكل وزير يأتي ليقضي مدته، ويستمتع بالمزايا، ويغادر بعد فترة من دون أن يفكر بصداع الالتفات إلى حاجات الوزارة الفعلية، علما بأن في المواصلات، كما الكهرباء، أكبر عدد من الوكلاء المساعدين والمديرين العامين! وبسبب الطريق المسدود الذي تواجهه كثير من الشركات فيما يتعلق بخدمة الإنترنت السيئة، فإن البعض أصبح يعتقد أن هناك نوعا من التآمر الخفي، أو الصامت، بين الوزارة وشركات الإنترنت والاتصالات الهاتفية، لإبقاء خدمة الهواتف الأرضية والإنترنت بطيئة وسيئة، لكي تستمر استفادة هذه الجهات من وضع الخدمة الهاتفية والإنترنتية المزري.

***
• ملاحظة: يقيم «مركز تنوير للثقافة» ندوة حوارية في الجمعية الثقافية النسائية اليوم الأربعاء (11/16) في السابعة والنصف مساء، يحاضر فيها الناشط السياسي غانم النجار بعنوان «الدستور المفترى عليه». كما تقيم زمالة المدمنين السابقين (المخدرات)، والمتعاطفين معهم، ندوة في جمعية الخريجين، السبت 11/19، الساعة 4 نتمنى الالتقاء بكم في الندوتين.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

لماذا ساكتون عن مجازر اليمن؟

استغرب تعامل وسائل الإعلام العربية والعالمية مع الحراك الشعبي في اليمن التعيس والتركيز على الاحداث في بقية مناطق الربيع العربي! ما يحدث في اليمن لا يقل فظاعة وبشاعة عما يحدث في بلاد الشام وبقية المناطق! قتل وبطش وتنكيل وملاحقة وتعذيب وتقييد حريات وملاحقة ثوار، كل ذلك يحدث يوميا في تعز وصنعاء وبقية المدن اليمنية.
انا اعتقد ان عدم تسليط الاضواء بشكل كاف على احداث اليمن وجرائم علي عبدالله صالح يعود الى عدة امور؛ اهمها ان الولايات المتحدة تريد منه ان يستكمل ما بدأه من حرب على «القاعدة»، وهي المهمة التي لا يمكن ان ينجزها غيره! أمر آخر وهو أن المعارضة اليمنية تتشكل من عدة أطياف سياسية، وان الحوثيين احد هذه الاطياف، وهذا بلا شك لا يرضي دول الخليج العربي، وبالمقابل يفتح المجال لتعاون اكبر مع الايرانيين! ولعل هذا الامر هو الذي عجل بعودة صالح الى اليمن سريعا بعد ان توقع الجميع انها رحلة ONE WAY أي بلا رجعة الى صنعاء. كما ان بلاد الشام ومصر قريبة من الاراضي المحتلة مما يعطيها أهمية أكبر لكل من يهتم بأمر هذه الاراضي ويهمه امنها واستقرار من فيها، بينما بلاد اليمن بعيدة عن القدس، وما يحدث فيها لن يكون له تأثير مباشر على دولة بني صهيون.
وختاماً.. فاليمن بلد فقير اقتصاديا والتخلف مسيطر عليه منذ عقود طويلة، ورئيسه «خوش ولد» حكمه منذ عدة عقود من دون ان يعطيه أي أهمية تذكر على أي مستوى، يعني كان يسير على خطى أغلب حكام الأمة، وكأن هاجسه قول الشاعر:
«نامي جياع الشعب نامي
حرستك آلهة الطعام»
حتى قيل (تندراً) ان مقرر اللغة العربية في اليمن وردت فيه هذه الأبيات للحفظ:
« يا قوم لا تتكلموا ان الكلام محرّم
ناموا ولا تستيقظوا ما فاز الا النوّم
وتأخروا عن كل ما يقضي بأن تتقدموا»
فهل عرفت عزيزي القارئ لماذا ثار شعب اليمن؟ وهل عرفت لماذا لم تتفاعل مع ثورته وسائل الإعلام المحسوبة على الغرب وبعض حكامنا؟
***
لم أعلق على أحداث جلسات مجلس الامة لشعوري بأن ما يحدث الآن هو تحصيل حاصل.. فقد أصبح لزاماً التحرك بسرعة بحل الحكومة أو حل المجلس- وهذا ما لا اتمناه شخصيا – ان كنا نريد ان نحافظ على كيان الدولة ونوقف الانهيار!

سامي النصف

عندما يحول الأسد بلاده إلى.. غابة!

  لم يكن مستغربا على الإطلاق الكلام البذيء الذي وجهه مندوب النظام السوري إلى رئيس الوزراء القطري والى الدول الخليجية الأخرى، فنهج الثوريات العربية واحد وبعث سورية لا يختلف في شيء عن بعث أو عبث العراق، الغريب ان البعثيين في البلدين يتحدثون طوال الوقت عن «المؤامرات الخارجية» التي يتعرض لها البلدان والتي تعطيهم الحق بنظرهم للقيام بعمليات «الإبادة الداخلية» وخلق «المقابر الجماعية» ولا يكشفون حقيقة أنهم العدو والمتآمر الأكبر على بلدانهم وشعوبهم، وإلا فلماذا غزا صدام الكويت؟! ولماذا يتم قتل العشرات في سورية مع مطلع كل نهار مما يفتت الجهود بدلا من حشدها لمواجهة المؤامرات المزعومة؟!

***

ان منطق «اتركونا نفعل ما نشاء في شعبنا المبتلى بنا فقد سبق ان قتلنا بدم بارد 30 ألفا في حماة عام 82 ولم يحاسبنا احد» هو منطق اهوج واعوج، فقد تغيرت المعادلات الدولية منذ ذلك الحين وسقطت امبراطورية الشر ممثلة بالاتحاد السوفييتي، وتغيرت معها قدرات الإعلام العربي والدولي على نقل الأحداث، فلو قتل هذه الأيام 40 قطا (لا انسانا) كل نهار لأثار العالم من أقصاه إلى أقصاه، ان ما نراه من قتل محزن لم يتوقف حتى إبان المبادرة العربية يعني تحول سورية تدريجيا من بلد حضارة وتاريخ الى غابة قتل وتوحش!

***

وإذا كنا لا نفهم أسباب الإبادة المتواصلة القائمة منذ أشهر عدة في قلب العروبة الدامي ـ لا النابض كما كانت تسمى سورية ـ عدا انها وسيلة ناجحة وناجعة لإشعال نيران الحرب الأهلية في بلاد الشام، فاننا نطلب من الثوار وخاصة ذوي التوجهات الإسلامية، منعا وإفشالا لمشاريع التقسيم والتفتيت، إعلان إيمانهم بالمثال الإسلامي التركي أو التونسي كنوع من الطمأنة الواجبة للأقليات الدينية والطائفية السورية التي تخشى تكرار ما حدث في العراق من قتل وتهجير للزيدية والمسيحيين، إضافة للقتل والتهجير الطائفي المتبادل.

***

ان الحقيقة التي لا خلاف حولها هي ان العراق والسودان وسورية واليمن وليبيا ومصر تشتعل بها هذه الأيام آلاف الحروب الأهلية الصغيرة والمرشحة كالنار لان تكبر وتعظم وتأكل كل شيء وتتسبب في انقسام تلك البلدان وتحولها إلى دويلات طائفية ودينية واثنية صغيرة متناحرة، والمرعب المخيف ان تلك الحروب قائمة بدعم وتشجيع من الأنظمة الديكتاتورية.. القائم منها والساقط.

***

آخر محطة:

(1) إذا لم تكن تملك الحس الإنساني الذي يجعلك تدين المذابح الكبرى المحزنة التي ترتكب في سورية هذه الأيام، فلا اقل من ان تتوقف عن محاولة تبريرها!

(2) عندما تعدى عزة الدوري باللفظ الذي يدل على قلة التربية على الوفد الكويتي تبسم له سمو الشيخ صباح الأحمد، وعندما تعدى طه ياسين باللفظ على الأمير سعود الفيصل تبسم له كذلك الأمير، وقد أتى الرد سريعا متمثلا بسقوط نظام صدام، فهل تتكرر تلك الحكاية بعد تعدي المندوب السوري على الشيخ حمد بن جاسم وترفّع الشيخ عن الرد عليه؟!

3 – قبل ان نلوم المندوب السوري علينا ان نلوم قيادته وزعامته التي وصفت قبل سنوات قليلة بعض القيادات الخليجية والعربية في خطاب معلن بـ «أنصاف الرجال».. ومن يهن يسهل الهوان عليه!

4 – أرسلت الحكومة الاسترالية من اقصى الارض مبعوثين للكويت ودول الخليج للتأكد من حسن التعامل مع «خرفانها»! الا يستحق الشعب السوري من حكومته تعاملا مماثلا في بلده بعد ان تساوى مع الخرفان في عمليات.. الذبح في العيد، وقبله وبعده؟!

5 – هل يصح ان يظهر بعثي سوري يدعى احمد شلاش على تلفزيون «حزب الله» ليقول نصا كما يظهر في اليوتيوب «مين بده يحشرنا على الساحة؟! اللي بيحشرنا في زاوية بنحشر «الله» اللي خلقه كلياته على بعضه فسورية قوية برئيسها وجيشها»، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

حسن العيسى

سورية اليوم على كف عفريت ونحن غداً

سورية ليست ليبيا ولا تونس ولا اليمن ولا أياً من دول “الربيع العربي”، سورية هي قلب العالم العربي، وهي، تاريخياً، مهد حركة القومية العربية، ولا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يحدث للمنطقة العربية- ودولنا الخليجية لا تشكل استثناء- لو تحولت المظاهرات الشعبية في سورية إلى حرب أهلية، وتصبح هذه الدولة لبناناً أو عراقاً آخر، وبشكل أكثر بشاعة من الاثنين.
ليس لأحد أن ينكر وحشية النظام في قمع المظاهرات السلمية، لكن، أيضاً، لا يمكن أن نغمض العين عن واقع صور العنف الطائفي التي أخذت تتضح ملامحها في الشهرين الماضيين. سورية هي العراق سابقاً ولكن بالمقلوب، في العراق البعثي كانت هناك الأقلية السنية هي الحاكمة والمضطهدة للأغلبية الشيعية، ورغم ذلك كان قناع شمولية القومية العربية يحد من تعرض بقية الأقليات للاضطهاد الديني والطائفي، وبعد “التحرير الأميركي” الأهوج للعراق من سطوة النظام الصدامي أضحت الأقليات العراقية، وتحديداً الطائفة المسيحية، ضحية تفريغ الإحباط من متطرفي الإسلاميين سنة أو شيعة. في سورية الأقلية العلوية هي التي تمسك بمفاصل الدولة وتواجه الآن الأكثرية السنية، وليس البعد الطائفي المسؤول الوحيد عن تحرك شارع الأغلبية السورية الثائرة، فهناك أسباب مثل المرارة الاقتصادية والفساد المالي في النظام السوري، وإن كان عارض الفساد مسألة مشتركة في جل النظام العربي في نادي “الجامعة العربية”، فإن النظام السوري، من ناحية أخرى، حافظ بدرجة كبيرة على الحريات الدينية للأقليات.
خطر التصفيات الطائفية ماثل أمامنا الآن، وكم نخشى أن تصبح سورية صورة مكبرة للبنان ٧٥ – ٩٠، بمعنى أن تكون ساحة الغزوات والحروب بالوكالة لدول المنطقة، والمعركة هي معركة وجود بالنسبة للنظام السوري بصفة خاصة والطائفة العلوية وبقية الأقليات بصفة عامة، وهناك خطر أكبر أن تمتد حرب القبليات الطائفية إلى معظم دولنا العربية (باستثناء مصر وتونس) التي تستمد هوياتها من القبيلة والدين والطائفة، لا من مفهوم الدولة- الأمة.
نخشى أن يكون قرار الجامعة العربية بتجميد عضوية سورية بمنزلة الإشارة الخضراء لتدويل الأزمة السورية، وفتح جرة بندورا (كما في الأسطورة اليونانية) للشرور ليس في القلب السوري وحده، وإنما في بقية أعضاء الجسد العربي والمنطقة كلها. هناك بصيص أمل لتجنب الزلزال القادم للمنطقة حين يتم تجديد محاولة “الوساطة” العربية بين المعارضة والنظام الحاكم السوري، وساطة لا تهدف إلى بقاء النظام على حاله من دون إصلاح حقيقي، وتحافظ في الوقت ذاته على وحدة الوطن السوري، وتحقق أمل شعبه في الحرية والكرامة.