وضع صغار ومتواضعي الثراء والإمكانات والمؤهلات من ابناء عمومة المستنير كان مختلفا عن وضع البقية، فقد كانوا في جميع الأحوال الأكثر خسارة من الوضع الذي وضعهم فيه المستنير، وبالتالي كانوا الأكثر صخبا واعتراضا في قبول «العقد الاجتماعي»، وبالتالي السعي الى إلغائه، أو على الأقل تغيير بنوده، بعد أن تبين صعوبة أو استحالة إلغائه تماما، وفي سبيل تضييق الهوة بين ثرائهم وثراء غيرهم، من المسيطرين على مقدرات مدينتهم، أو مقارنة أوضاعهم باعضاء أسر المدن الست الأخرى، لم يكن أمام هؤلاء غير السعي الى طرق غير «تقليدية» للحصول على جزء من كعكة الثروة الكبيرة، وهكذا فعل البعض في ذلك بشكل كبير، خاصة عندما مرت البلاد بظروف أمنية قاهرة، جعلت من المستحيل تفعيل بنود «العقد»، كما لجأ آخرون اقل خبرة وذكاء الى غير الشرعي من الأساليب لتكوين الثراء، فتورطوا، ولم يكن في «العقد الاجتماعي» ما يكفي لتوفير غير الحد الأدنى من الحماية لهم، وهذا ما زاد من تذمره بشكل عام، خاصة مع زيادة الدخل والثراء الكبير الذي كان يحققه السكان بشكل عام، واستمرار تدني دخل ابناء عمومة «المستنير»، ودفعهم للسعي أكثر من مرة الى الالتفاف على بنود العقد لتحقيق المزيد من السلطة والامتيازات الاجتماعية، ونجحوا في ذلك أكثر من مرة، وهذا أدى في أحوال عدة الى تفريغ بعض بنود «العقد الاجتماعي» من محتواها السياسي، ولم يصل الأمر الى التعدي السافر عليها إلا بعد استمرار زيادة الدخل الناتج عن ارتفاع سعر المعدن الثمين، الذي كان في بطن المناطق الخالية من تلك المدينة، واستمرار بقاء أوضاع ابناء العمومة المالية والسياسية كما هي عليه، مع زيادة طموح الأذكياء منهم للوصول، وكل هذا خلق حالة من التذمر من جهة والريبة بنوايا أحد طرفي العقد من جهة اخرى، خاصة بعد انكشاف عمليات تلاعب وتسريب لثروات أكبر من المعتاد بكثير، وبطرق لم ينص عليها في العقد الاجتماعي! كما فرض حتى بتقديم اي تفسير أو تبرير مقبول لقيامه بمثل تلك التسريبات الكبيرة، إلا أن لسان حاله يقول انه حرم من ثروة، ومن ثراء كان يوما ملكاً له بكامله، فكيف لا يكون له ولو جزءا بسيطا منه! ولكن الطرف الآخر يقول، في الوقت الذي يقر فيه بهذه الحقيقة، إن الزمن قد تغير و«بنود العقد» واضحة وجلية، ولا تتطرق لهذه الجزئية لا من بعيد ولا من قريب، ويضيف انه حتى مع الايمان بهذه «الأحقية»، رغم عدم النص عليها، فلمن يكون الدفع من «يقبض» وكيف ومتى واين؟ وبالتالي من الأفضل إبقاء العقد كما هو! ولكن طرفا ثالثا أكثر حكمة ورجاحة عقل ربما يرى أن من الأفضل تعديل بعض بنود العقد الاجتماعي، بحيث يسمح بمشاركة أوسع لأبناء عمومة المستنير في ثروة البلاد، مع تغليظ، أو توضيح الأحكام الخاصة بمحاسبة أبناء عمومة المستنير على تصرفاتهم، عند ارتكابهم ما يخالف، وإقرارهم الثابت والدائم بأن الأمة هي مصدر كل السلطات! وإلى أن يتم ذلك ستبقى الأمور بين مد وجذب بين الطرفين، ربما إلى الأبد، وليس هذا في مصلحة أحد، أو ينجح طرف في التغلب على الطرف الآخر، وهنا سيعم الجميع الخراب ويحترق كل شيء.
أحمد الصراف