حسن العيسى

حدكم

نسأل القوى الإسلامية المعارضة، وعلى رأسها حدس (الإخوان المسلمون في الكويت): ماذا تريدون من معارضة السلطة السياسية الآن، وما حقيقة نواياكم في النهاية؟
نحن معكم وقبلكم في معارضة الحكومة الغارقة في ملفات الفساد وإفساد النواب وكل المجتمع الكويتي، ولا أحد يختلف معكم في أن هذه الحكومة (وجل الحكومات التي سبقتها منذ نهاية الستينيات حتى اليوم) لم تملك يوماً ما أي برنامج سياسي أو اقتصادي تنموي، وكل مؤشرات التنمية الحقيقية تسير سلباً، والناس تم إغراقهم في لعبة الكوادر والرشاوى الشعبية.
وفي خلاصة الأمر كلها حكومات تمشي على البركة وعبقريتها في حل المشاكل الآنية يمكن أن توجز في كلمتين “دهان السير” ولا شيء بعد ذلك، و”دعوا القرعة ترعى لمستقبل البلد”.
هذه حقائق أولية ندركها ويعرفها أي صغير في الحضانة الكويتية، لكن أنتم في المعارضة الإسلامية (ويمكن لكم حصة الأسد في حشد شباب الاعتصامات)، أكرر، ماذا تريدون في النهاية، فإصلاح النظام وإزاحة الحكومة مسألة يمكن حلها بالحشود الجماهيرية، ويمكن حلها من خلال الدستور والقوانين الحالية، أما أن تحشروا لنا والناس منتشون في ربيعهم مسألة “وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية” فلنقل لكم إنكم خرجتم عن السكة، وسنرفض مثل هذا الطرح جملة وتفصيلاً، فمعنا مسلمون ومؤمنون، ومعنا مسلمون ولكن ربما غير مؤمنين، والدستور والقوانين (التي تنقبت وتحجبت) يفترض أنها تقرر حرية العقيدة دون خلاف، ومثلما لكم حرية عقيدتكم في الإيمان، لغيركم عقيدته في عدم الإيمان، والمطالبة بتطبيق الشريعة تفرض علينا فقهكم ورؤيتكم للدين، وليس هذا من حقكم، وإن قلتم إن 99.9 في المئة من الشعب الكويتي مسلم، والكويت بلد إسلامي، فإنه، حتى هذا “النكرة” الـ 1 في المئة له حق في عقيدة عدم الاعتقاد، ورفض أي إملاء قانوني بالقهر على سند أنه أخلاقي ديني! فلا إكراه في الدين.
حين دسستم “تطبيق الشريعة” في بيانكم استطردتم بعدها في عبارات تتسول مشاعر خلق الله الدينية، وتحدثتم عن تطبيق القانون على الجميع وإعادة الثقة، ووقف الإعلام الفاسد (ولا أعرف ما علاقة الشرع بصحافة القرن الـ21 التكنولوجية وفسادها) وضرب النواب، وأيضاً لا أفهم الرابط بين الأمرين، فضرب النواب ومحاسبة “الإعلام الفاسد” وشراء ذمم عدد من نواب الشعب كلها قضايا يمكن أن يحسمها حكم القانون، متى خلصت النوايا في التطبيق وكانت هناك إرادة جادة في إعمال حكم القانون دون إملاءات سياسية، بمعنى استلحاق السلطة التنفيذية لبقية السلطات. فلماذا الزج بالشريعة الإسلامية وتكرار شعارات أكل عليها الدهر وشرب، وهي يمكن أن تصب الزيت على المشاعر الطائفية المتأججة؟
إذا نظرنا إلى الشريعة على أنها هوية للناس، فلا خلاف معكم، ولكن أن تفرضوا قوانين بخلافات فقهية وتناحرات دينية وطائفية على مدى تاريخ طويل وتجاوزتها الحضارة الإنسانية اليوم، على أساس أنها شرع الله، فهذا ما يجب على القوى الحية أن ترفضه بشجاعة بداية، ولا يجوز أن يكون ثوب الشيخ ناصر محمد قميص عثمان لفرض الدولة الدينية في ما بعد، فالقوانين الجزائية الجسدية في الفقه الإسلامي من جلد وقطع أطراف المدانين، وغياب الإجراء القانوني الواجب (دو بروسس) لضمان حريات وحقوق الإنسان تناقض الحد الأدنى من المعايير التي ترسخت في اتفاقيات وشرائع البشرية، وإذا كان نموذج تطبيق الشريعة في السعودية مثالكم، فالمملكة لها خصوصيتها التاريخية، ولا نجتمع معها في تلك الخصوصية في نشأة الدولة وظرفها التاريخي، ولو اتحد معها عرقياً الكثير من قبائلنا وأسرنا.
ومازال ذلك الكابوس يقض مضاجعنا بعد أن أوقفت الشرطة الدينية في المملكة رجلاً وزوجته المنقبة ونهرتها لأن عينيها تثيران الفتنة وعليها تغطيتهما، وحين حاول زوجها المسكين الدفاع عن زوجته حكم عليه بالسجن والجلد على دفعات مختلفة…! إذا كان مثل هذا هو حلم وأماني النائب محمد هايف أو الطبطبائي فإن تكبيل وتعمية العيون الجميلة بعدسات سوداء تحجب ضياء الكون ونور العقل هو فيلم مفزع بالنسبة إلي على الأقل، ولأي فرد يؤمن بحرية الإنسان وحرية اختياره.
اتركوا الملالي الحامضين جانباً، فهم على سذاجة أطروحاتهم وخطورتها إلا أنهم صريحون وواضحون مع أنفسهم، لكن ماذا عنكم يا إخوان حدس… توقعنا أن تجددوا في مثال حزب النهضة بتونس والشيخ راشد الغنوشي الذي لم يتردد في طرحه الواضح بالدولة المدنية كنقيض الدولة الدينية، إن ما تروجونه الآن في حرب المزايدات الدينية، قد توه بوصلة شبه الحداثة في مركبكم.
كلمة أخيرة، إن كنتم تريدون الإصلاح وتنمية البشر، وضمان حقوقهم فنحن معكم، أما إذا كنتم تريدون إزاحة شيوخنا حتى تأتوا بمشايخكم… فلنقل لكم… حدكم.

احمد الصراف

أولاد فريجنا (1 – 2)

مات «أبو عود» بعد أن جاوز المائة بكثير، وعاش حياة حافلة بالانجازات، تاركا سبعة أبناء ذكوراً، وثروة هائلة لم يمتلك مثلها أحد من قبل! ولمنع وقوع صراع بين الأبناء، قام باستثمار كامل ثروته قبل وفاته في سبعة مشاريع، كل واحد عبارة عن مدينة كاملة الخدمات والتجهيزات، وكانت تلك المدن أكبر ارث تركه إنسان لأبنائه في تاريخ البشر! مرّ قرن، وتلاه آخر، وبضعة عقود، مات أثناءها الأبناء السبعة واحدا بعد الآخر تاركين ذرية كبيرة وراءهم، وهكذا مع الوقت وصل عدد الأحفاد في كل فرع إلى الآلاف، ومعهم كبرت الثروات اكثر، خاصة بعد أن تم اكتشاف نوع نادر من المعدن الثمين في باطن المناطق الخالية من تلك المدن، واتاح هذا للجميع العيش برخاء وغنى، ما بعده ولا قبله غنى! ثم جاء يوم قرر فيه «مستنير» من أحفاد أحفاد «أبو عود»، وبموجب الحق الشرعي الذي يخوله بالتصرف بما يملك، نيابة عن نفسه وأسرته، قرر التنازل عن ثروته، وثروة اخوته، وما يمتلك من حقوق و«امتيازات» معدنية لسكان مدينته الصغيرة! أثار ذلك في حينه حنق اخوته، وابناء عمومته عليه وأوغر صدورهم، ولكن لم يكن أمامهم من خيار غير الرضوخ للأمر على مضض، فحقه الشرعي في ما فعل واضح، كما أن شخصيته القوية والآسرة منعت الجميع من عصيان أمره. لم تقف الأمور عند ذلك الحد، بل تطورت بعد أن وجد المستنير أن من الضروري أن يكون هناك «عقد اجتماعي» ينظم العلاقة بينه، ككبير القوم، وبين بقية سكان مدينته، وهكذا جرى ما يشبه العملية الانتخابية لاختيار من يقوم بصياغة «العقد الاجتماعي»، الذي نص في نهاية الأمر على تخلي المستنير عن حقه التاريخي في إدارة تركته، وتخويل جميع السكان «المختارين» بأمر الإدارة، فهو أولى وأدرى بشؤون مدينتهم، ونال «العقد» رضا وقبول الجميع، مع تردد قلة رأت أن بنوده في غير مصلحتها، خاصة وهي ترى الثراء والقوة اللتين يتمتع بهما اقرانهم وابناء عمومتهم، الذين ورثوا بقية المدن الست الأخرى!
تقلبت الأمور، بين مد وجذب، بعد موت «المستنير» عندما حاول اخوته وابناء عمومته إلغاء العقد الاجتماعي، أو على الأقل تفسير بنوده لمصلحتهم، ولكن الظروف لم تكن تسعفهم كثيرا، خاصة أن المخاطر الكبيرة التي كانت تحيق بتلك المدينة الصغيرة، داخليا وخارجيا، كانت تتطلب دائما تكاتف ذرية المستنير وابناء عمومتهم، وبقية السكان، ولم يكن هناك ما ينظم ذلك التكاتف واستمرار التعاون والاتحاد والتعاضد غير بنود ذلك «العقد الاجتماعي»، التي كانت تترسخ مع الزمن بالرغم من كل محاولات تعديل أو تبديل كل أو بعض بنوده. وبالرغم من جدية محاولات البعض ممن جاء بعد المستنير لإلغاء أو تجميد العقد الاجتماعي، فان رجاحة العقل منعتهم من تكرار المحاولة، فالخيار كان دائما إما كل شيء، مع خطر قيام فوضى عارمة، أو بعض الشيء، مع رخاء وسلام، وكان الأخير الثاني هو الأرجح في غالب الأحيان، وإن على مضض. (نكمل غدا).

أحمد الصراف