كلهم دون استثناء، كل من أيد هذه الحكومة بالقول أو بالعمل دخلَ المحرقة برجليه… الوزراء والنواب والتجار والبسطاء والشعراء وشيوخ القبائل ووجهاء العوائل والممثلون، ووو، كلهم دخلوا، أو أُدخِلوا، في الفرن وراحوا في الكازوزة، باستثناء “موضي علف”، فهو، أو فهي، ضد الحرق.
حتى الكتّاب والصحف والفضائيات الذين كانوا يمشون “على الحدود” ويدّعون معارضتهم الحكومة، كشفت أضواء النيران موقفهم، وشوهت الحروق وجوههم وأتلفت ملامحهم.
قالوا: كل الوزراء؟ حتى محمد العفاسي؟ قلنا: هذا بالذات حروقه بليغة لن ينجو منها… قالوا: وعبد الوهاب الهارون؟ قلنا: يرقد في مستشفى البابطين للحروق السياسية… بدهشة كرروا: عبد الوهاب الهارون عضو التحالف الوطني؟ وبتأكيد أجبنا: نعم، شاهدناه يحترق ويتقلب على جمر النار، بل إنه أكثر الضحايا احتراقاً، هو ود. هلال الساير… قالوا: وماذا عن د. محمد البصيري وأحمد المليفي وعلي الراشد؟ قلنا: مغطاة أجسامهم بـ”كريمات الحروق” والشاش الأبيض، لا تظهر إلا عيونهم، حالاتهم ميئوس منها، هؤلاء الثلاثة تحديداً “في الدرك الأسفل من الفرن”… قالوا: وبقية الوزراء “الشعبيين”؟ قلنا: حطب نار، لا يشغلون حيزاً في الفرن، أعواد صغيرة يابسة سرعان ما احترقت و”تجمّرت”… قالوا: طيب والشيخ أحمد الحمود؟ قلنا: يتطلب علاجه نقله بسرعة إلى ألمانيا، وقد يموت “سياسياً” قبل أن يصل إليها، ولا تطيلوا الحديث عن أحمد الحمود الذي هرول بأقصى سرعة له في اتجاه أكبر الأفران وأكثرها “وجيجاً” ورمى حقائب أرصدته كلها قبل أن يقفز وراءها في قعر الفرن الأكبر…
لا حول ولا قوة إلا بالله، قالوا، ثم أضافوا: طيب والشيخ حمد جابر العلي الذي لم يجف بعد حبر توزيره؟ قلنا: في بداية الاحتراق، وسيتفحم بسرعة، هو من هذا النوع الذي يتفحم بسرعة، حاله كحال صغار الوزراء الشعبيين، فلا رصيد له يشفع، ولا ذكرى سيئة ولا طيبة تقيه الحرائق وتحافظ على جلده لفترة أطول، فقد كان سفيراً، والسفراء في بلادي، غالباً، لا يجيدون إلا ترديد “العلاقة بين البلدين متينة”، ونظنه في لحظات احتراقه يردد: “الأفران بين البلدين متينة”.
***
إلى هؤلاء الشبان والشابات الذين واللواتي ما فتئوا يهاتفونني وغيري من الكتّاب والنواب: “لدي مستند يكشف تلاعباً خطيراً، قمت بتصويره… مشروع سرقة، أو مشروع ظلم، أو مشروع فساد أو أو أو، وأتمنى وأده قبل أن يكبر ويشتد عوده”.
إلى هؤلاء كلهم أقول: لولاكم وأمثالكم لماتت الكويت. أنتم وأمثالكم من يتعهد الكويت وهي على فراش المرض، ويسند رأسها على زنده ليطعمها دواءها، في الوقت الذي يستغل فيه اللصوص مرضها ويتزاحمون على “كبتها”.
هل أقول لكم “شكراً”؟ وهل يُشكر الابن لبرّه بأمه؟ صدقاً لا أعلم ماذا أقول… فقط سأردد ما تقوله أمكم الكويت: الحمد لله.
اليوم: 27 نوفمبر، 2011
ماذا لو عقد مؤتمر جدة «قبل» الغزو؟!
كلما دخلت ديوانية هذه الايام استمعت لسؤال مهم هو «احنا وين رايحين؟» وعليه قررت كتابة هذا المقال لعل وعسى أن ننجح في الاجابة عن هذا السؤال المهم وأن نساهم عبر تلك الاجابة في تغيير المسار قبل وقوع الضرر لا بعده.
***
أول الأمور التي نلحظها في بلدنا أننا لا نتعلم قط من أخطائنا، بل نكررها، ولا نستمع للرأي السديد، بل نسارع في الأغلب الأعم الى نقضه وتسخيفه والتشكيك في نوايا قائله، لا نوقف في العادة مسارنا الخاطئ مهما نبهنا الآخرون منه حتى نسقط في الحفر المميتة أو المؤلمة جدا والتي ما ان نخرج منها حتى.. نعاود المسار الخاطئ «من تاني».
***
وأستذكر شخصيا تكفيرنا وطنيا عام 86 عندما طالبنا آنذاك بإحضار قوات أميركية لحماية البلد من الحرب المستعرة على حدودنا الشمالية بين العراق وإيران، وتكفيرنا وطنيا مرة أخرى بعدها بعشرين عاما عندما انفردنا تقريبا عام 2006 بمعارضة التحول الى الدوائر الخمس.
وقلنا حينها إنها ستزيد ما يشتكى منه ولن تقلله، والعجيب أن من يشتكي هذه الايام من مخرجات البرلمان الحالي، أي برلمان الدوائر الخمس، ويعتبرها الأسوأ في تاريخ الكويت هو من صرح على رؤوس الاشهاد في حينه بأن التحول سيوقف الرشاوى والفساد النيابي والطائفية والفئوية ولم يقبل في حينه الاستماع للرأي الآخر (خوش ديموقراطية) وقد عاد البعض لتسويق وترويج مشروع الدائرة الواحدة غير الدستوري وتكفير معارضيهم في الرأي وهذه هي الديموقراطية في أجل صورها ولاّ.. بلاش!
***
من يفخر باجتماع جدة أكتوبر 90، هل لنا أن نسأله لماذا لم يعقد ذلك المؤتمر «قبل» الغزو لا «بعده»؟! فلو تنازلت القوى المتباينة والمتنافرة آنذاك بدلا من المناكفة لما أطمعنا الطامع بنا ولما ـ ربما ـ حدث الغزو، إن تعلم درس الغزو الأليم يفرض على القوى الحكومية والمعارضة التنازل قليلا هذه المرة لأجل الكويت ومستقبل شعبها واللقاء دون شروط مسبقة «قبل» وقوع الضرر لا «بعده»، فقد امتلأت رؤوس الكويتيين بـ «الفلعات» من كثرة السقوط بالحفر المتكررة التي انفردنا بها دون الآخرين.. وصرنا بسببها بحق «طماشة للخلق».
***
آخر محطة: (1) سجن الشباب والإضرار بمستقبلهم خطأ، وإطلاق سراحهم وكأن اقتحام المجلس النيابي أمر عادي يحدث كل يوم، خطأ، الحل هو حجزهم ثم أخذ التعهد منهم بعدم العودة لذلك الخطأ الكبير وحفظ القضايا مسجلة ضدهم بعد الاعتذار للشعب الكويتي عن اقتحام بيته!
(2) الرجاء من الفضائيات الموالية والفضائيات المعارضة أن تكون القدوة للشباب الغر عبر عدم التخندق وضرورة استضافة من يمثل الرأي والرأي الآخر في برامجها الحوارية.
(3) والرجاء من قوى المعارضة وقوى الحكومة إرشاد أتباعهم لمبدأ القبول بالآراء المختلفة وحقيقة عدم وجود احتكار للحقيقة، ثم التركيز على استخدام الحوار ـ لا العنف والعصيان ـ لحل المشاكل فتلك أسس المجتمع الديموقراطي الذي نحلم به، ودون ذلك فلا ديموقراطية لدينا مهما قلنا وطننا، وادعينا بدءها منذ 50 عاما.
فئة مجهولي الوالدين
تعتبر درجة اهتمام الدولة بقليلي الحظ من لقطاء ومعاقين وغيرهم المعيار الأهم في تحديد مدى إنسانية، وبالتالي رقي أي مجتمع، وليس بما يدفع من رواتب للمدنيين العسكريين فيها! فالتحدي ان تعطي من لاحول ولا قوة له وليس لمن بإمكانه انتزاع حقه منك بالصوت أو السلاح! تعتبر قضية تبني الأطفال المجهولي الوالدين، أو اللقطاء، من القضايا سهلة الحل، لولا أن الجهة التي تهتم بهم لا تريد ربما التخلي عن الدجاجة التي تبيض لهم ذهبا! فالحل الأفضل لوضع هؤلاء هو منحهم للأسر التي ترغب في تبنيهم، وأعداد هؤلاء تفوق أعداد مجهولي الوالدين بكثير ويمكن بالتالي اختيار الأفضل بينهم. ما يحدث الآن هو اهمال هذه الطلبات لتمر السنين، ويكبر هؤلاء ويصبحون في سن لا تساعد على تبنيهم بسبب اكتسابهم لعادات معينة يصعب تغييرها، إضافة لعامل السرية، حيث يكون الولد أو البنت قد علم بوضعه الاجتماعي وبالتالي يصعب تغيير نفسيتهم للأفضل، ويصبحون عالة على المجتمع!
تبين ارقام إدارة الحضانة العائلية أنه وبالرغم من الأعداد الكبيرة الراغبة في التبني من مواطنين، إلا أن أرقام الموافقات في تناقص مستمر. ولو كان صفرا لتفهمنا الوضع، ولكن لماذا هذا التقتير غير المبرر؟ وما الذي يتطلبه أمر تبني ما لا يزيد على ثلاثين طفلاً في سن صغيرة مهيأة للاحتضان، ضمن أسر كثيرة تتسم برغد العيش والإنسانية والاستعداد الحار للتبني، وعامل الوقت لدى هؤلاء المحرومين، من أسر واطفال، غاية في الأهمية والخطورة؟
أعلم بأن البلد مشغول برشى وصراخ وصياح النواب ومطالبات دستورية والوضع بكامله يغلي، ولكن ما ذنب هؤلاء، ومشكلتهم لا تحتاج لغير زيارة قصيرة من الوكيل المساعد المختص لتنتهي المشكلة خلال أيام، خاصة أن العالم المتحضر يحتفل حاليا بشهر حضانة اللقطاء والأيتام، ومؤسف أن يصر المعنيون بالأمر، على أن تنحصر اهتماماتهم بالكادر وحبس طلبات التبني لغاية في انفسهم وحرمان هؤلاء الأطفال والأسر الحاضنة من سعادة كبيرة، وخلاص أكبر! وللعلم فقط فقد كان المتوسط السنوي لعدد الأطفال المحتضنين للفترة من 1970 إلى 1990 هو 12 طفلا، ونقص إلى أقل من ذلك للفترة من 1990 – 2000، وليصبح اقل من 5 أطفال فقط للفترة من 2000 إلى 2010! فهل هناك دليل تقاعس أكبر من هذا؟
يا وزير الشؤون، أيها القاضي صاحب القلب الكبير، أين أنت من هذا الظلم الفادح؟
***
ملاحظة: افادت قناة فوكس، نقلا عن المتحدث باسم الخارجية الأميركية، مارك تونر، انهم أبلغوا الخارجية الكويتية بضرورة لجوء الحكومة لضبط النفس تجاه أي تظاهرة سلمية، وعدم اللجوء لأساليب القمع!! وهذا يصب لمصلحة الحريات في الكويت. ونتساءل هنا عن سبب عدم اصدار الخارجية الأميركية لما يماثل هذا التحذير لحكومة البحرين حتى الآن؟
أحمد الصراف
من يفكر للحكومة؟
كل القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد استنكروا اقتحام النواب والجمهور لمجلس الأمة، كل وفق رؤيته، فالقوى السياسية استنكرت حرصاً على الممارسة الحقيقية للديموقراطية، بينما غيرها استنكر من باب «ما كذب خبر»، حيث اعتبر هذا الحادث نازلا عليه من السماء ليشفي غليله من حماة المال العام، الذين منعوه من ممارسة مهنته الدائمة.. حلب البقرة وسرقة ما فيها!
إلا أن الحكومة تعاملت مع الحدث بطريقتها الخاصة، فاستغلته لمزيد من التأزيم، وصعّدت الموضوع حتى أصبح التراجع عنه أمراً صعباً، فاعتبرت الحادث جريمة مستنكرة وعملاً إرهابيا وتهديداً لاستقرار المجتمع، فأحالت – بالتعاون مع شركائها – عدداً من المواطنين إلى النيابة العامة، ومن بينهم عدد من الأعضاء، موجهة لهم تهماً تصل عقوبة بعضها في أسوأ الأحوال الى السجن المؤبد.
أنا أتفهم مقاصد الحكومة السياسية، لكن ما هكذا تورد الابل، ولا هكذا تستفيد الحكومة من الحدث، فالطرف الآخر له أسلحته وأدوات المواجهة، وهو طرف ليس ضعيفاً كما تتصور الحكومة، بل يكفيه انه معتمد على قطاعات في المجتمع فاعلة ومؤثرة إذا تحركت، وغاضبة على أداء الحكومة الضعيف، بينما تعتمد الحكومة على أفراد معروف ولاؤهم الدائم للمعازيب على الخير والشر، وتأثيرهم في المجتمع ضعيف ومحدود.
ان إحالة النواب والمواطنين الى النيابة سيتم استغلالها بشكل كبير من المعارضة، وستكون لها ردة فعل سلبية على الحكومة، بينما لو اكتفت الحكومة بالاستنكار لحققت ما تريد من دون مواجهة، ولأصبح الشعب بكل أطيافه يواجه النواب على فعلتهم، لكن المشكلة ان الحكومة لا تعرف كيف تفكر.. ولا تعرف كيف تخطط!
* * *
• الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان إحدى هذه الواجهات التي تطبل للحكومة عندما يكون الطرف الآخر المعارضة السياسية الكويتية! لذلك انتقد مسؤولها في إحدى مقالاته ظاهرة الاقتحام وطالب بتطبيق القانون على المقتحمين! بينما ذكر في تقرير لجمعيته صدر بالأمس بالتزامن مع صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق البحرينية ما نصه «.. يتوجب على السلطات الأمنية في الكويت التوقف عن ملاحقة النشطاء البحرينيين..»، ويقول في ختام التقرير «ونأمل أن يتحقق للبحرينيين ما يصبون إليه من إصلاح سياسي».
أيهما أولى يا حامي حقوق الإنسان: هذا الكويتي الذي شارك بدخول مبنى مجلس الأمة وقبضوا عليه ورموه في النظارة عدة أيام حتى الآن، أم هذا الذي هدد أمن دولة شقيقة ودهس أتباعه رجال الشرطة وأردوهم قتلى وتظاهروا يطالبون باسقاط النظام؟ أليس أولى ان تتمنى ان يتحقق للمعارضة الكويتية ما تصبو إليه من إصلاح سياسي بدلاً من ان تجعل الدوافع الطائفية تهيمن!