رد الفعل الحكومي على دخول المعتصمين مبنى مجلس الأمة يكاد يطابق إعلان الأحكام العرفية في الدولة، فإغلاق ساحة الإرادة بالحواجز الحديدية (أو الأسلاك الشائكة)، لا يعني إلا سجن الإرادة الحرة وحقها في التعبير والرفض، وهذا هو القليل المتبقي من “الديمقراطية الكويتية”، إن كانت تستحق أن نسميها بالديمقراطية، والسلطة بردود فعلها “الغاضبة” استنفرت كل قوتها المادية لفرض “هيبتها”، والهيبة هنا لا تعني هيبة القانون ولا هيبة الدولة، وإنما فرض سياسة الخوف على المعارضين، وحشر البشر في مزرعة الدواجن، ولا نفهم خروج مانشيتات الصحافة الكويتية بعناوين مثل “أجانب خليجيين” كانوا مع المتظاهرين، وأجهزة أمن الدولة تنبش وتحقق في أشرطة التسجيل المصورة، كي يعرف “الشعب” هؤلاء “المجرمين” الذين كسروا حكم القانون واستولوا على بيت الأمة، وكأنه حقيقة بيت الأمة، وليس ملحقاً تابعاً للسلطة التنفيذية بعد تقنين سياسة دبلوماسية الدينار، وتكريس استقرارها في بيت الأمة… تجييش إعلامي ضد المتظاهرين يهرول بأنفاس متقطعة لنيل بركة السلطة، ثم أحكام متلاحقة من تنظيمات سياسية تدين ما حدث…!
أسهل الأمور الآن، في التعليق على دخول المعتصمين صالة عبدالله السالم، أن ندندن في الكلام المكرر عن حريات البشر وحقوقهم في التعبير، ثم نستدرك بكلمة “لكن”، ونلحقها بعبارات رفض ما حدث من استيلاء بعض المعتصمين على صالة عبدالله السالم، وجلوسهم بسعادة المنتصرين على كراسي النواب والوزراء. أيضاً أعود إلى “لكن” الاستدراكية التي تمسك العصا من النصف، ونسأل أنفسنا عن حقيقة ما حدث فعلاً، ولا نعول في أحكامنا على الصور و”المسجات” والتصريحات الإعلامية التي تفجرت بعد ثورة مجلس “طبقات الشعب” على طريقة الثورة الفرنسية! فهل تمثلت الحقيقة في محاولة المعتصمين التوجه إلى منزل سمو رئيس مجلس الوزراء، وحين تم منعهم من الشرطة (ولا يذكر هنا استعمال القوة المفرطة في الحظر) احتموا بالمجلس، وانفلت العنف بين أجهزة الضبط ومجموعة الرفض…؟! الحقيقة في ليلة الغضب قد تكون مخالفة للصورة التي ترسم في وجدان الناس، وردود الفعل الغاضبة أو التي تتصنع الغضب ثم تذرف دموع الأسى على “استغلال هامش الحريات” من المعتصمين ونواب المعارضة، ليس هذا أو ذاك ما نحتاجه الآن، فالكويت وشقيقاتها الخليجيات ليست سورية أو ليبيا، ولم تكن أياً من دول الربيع العربي، فلنا بركة النفط، وشراء ود الناس ليس صعباً، وعلى ذلك، فليس هناك ما يفترض أن نخشاه من ربيع خليجي في الوقت الحاضر وبأسعار برميل النفط العالية، فصنبور الخيرات مفتوح على الكوادر للموظفين وللنواب التابعين “كادرهم”، ويبقى لطلاب الحرية والأمن الاقتصادي القلقين من المستقبل كادرهم، فهل هناك، بعد ذلك، سبب للقلق من المعارضة مهما كانت صور أشكال معارضتها؟ فلنهدأ قليلاً، فمسلم البراك ليس روسبير، والحربش ليس سان غوست، ولا بقية نواب المعارضة هم نماذج حديثة مستوحاة من “يعاقبة” الثورة الفرنسية، أمورنا أبسط من ذلك، فلماذا كل هذا الضجيج!