الطريق إلى ليلة الأربعاء المظلمة التي غاب فيها قمر العقل والحكمة عن الكويت ووصلنا الى مرحلة بدأنا نشعر فيها جميعا بالخطر الداهم على حاضرنا ومستقبلنا، مر بعدة محطات اختفت خلالها اول مبادئ الفكر والمنطق السليم وضاعت خلالها كثير من الحقائق والبديهيات ومنها:
(1) «لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك» حكمة منقوشة على بعد خطوات قليلة من ساحة الإرادة كتبها الآباء ونسيها بشكل مطلق الأبناء، فناصر المحمد وجميع الوزراء والمسؤولين بشر زائلون والكويت باقية والأمر لا يستحق تدمير البلد ونشر الفوضى للوصول الى ذلك الهدف الذي رسم الدستور منهاجية الوصول إليه ولم يذكر الآباء المؤسسون أنه يمر بالشدة والعنف وتدمير المنشآت واقتحام بيت الشعب باسم الشعب!
(2) أحكام وتفسيرات المحكمة الدستورية في العالم «أجمع» ملزمة وإلا فما فائدتها وما سبب وجودها؟! وإذا ما انحرفنا عن تلك الحقيقة وتلك البديهية التي طبقت في السابق إبان الخلاف حول أسماء المرضى ورئاسة المجلس واستجواب القلاف لوزير الداخلية (قرار اللجنة التشريعية) وأرجعنا الأمر للمجلس فقد صوت المجلس «بالأغلبية» للامتثال لذلك التفسير المنطقي جدا فمحاسبة الرئيس على اعمال الوزراء سيعطيهم «عصمة» كعصمة النواب التي دفعتهم للفساد.
(3) للمعلومة طرح في مصر التي احضرنا منها دستورنا نفس القول ان «المجلس سيد قراراته» عندما صدر حكم المحكمة الدستورية المصرية بحل مجلس الشعب وإعادة الانتخابات في فبراير 1987 وأكتوبر 1990 وتم الامتثال لرغبة المحكمة الدستورية بعد ان رفض وأفشل جميع الخبراء الدستوريين تلك المقولة وأعيدت الانتخابات ولو ترك الأمر للمجلس لما ارتضى حل نفسه، وهناك العديد من الأمثلة المشابهة في الدول والديموقراطيات المتقدمة.
(4) الاستجواب الذي سقط بحكم التفسير وحكم الأغلبية واستخدم كذريعة لنشر الفوضى ساقط كذلك شكلا ومضمونا، ويُدين احد مقدميه أكثر ما يدين من وجه له الاستجواب فقد قدم بعد دقائق أو ثوان من تشكيل حكومة جديدة غير مسؤولة ـ بحكم المحكمة الدستورية ـ عن أفعال من سبقها ولم تعط الفرصة لتصحيح تلك الاخطاء، كما ان محوره الأول المختص بتشكيل شركات خطة التنمية مسؤول عنه الوزراء المختصون ومعهم النواب ممن لم يتابعوا منذ عام 2010 اسباب عدم إنشاء الشركات، محور قسائم أبوفطيرة قائم منذ 5/5/2002، محور البيئة وأم الهيمان منذ يناير 1994، والتعويضات البيئية منذ 21/2/2001، كما ان «زين» شركة خاصة تملك الهيئة منها 24% والتأمينات 2% فكيف لمن يملك 26% ان يتحكم في قرارات 74% المملوكة للآخرين؟! وجميع المعلومات سالفة الذكر موجودة في صحيفة الاستجواب التي يفترض ان يسأل مقدمها عن سر سكوته طوال تلك السنوات عن تلك المخالفات.
(5) إزالة ذلك الاستجواب من جدول اعمال المجلس كان ـ للتذكير ـ مطلبا معلنا للمعارضة للتفرغ لاستجواب التحويلات والإيداعات فكيف تصبح تلك الإزالة تنقيحا للدستور وسببا للفوضى والخروج للشارع كونها صدرت فقط من الأكثرية؟
(6) إذا ما رجعنا للمقولة الخالدة التي ذكرناها في الفقرة الأولى فما الضمان في حال وصول رئيس وزراء «إصلاحي» جديد ألا يتم التعامل معه ولأسباب شخصية بنفس الطرق غير الدستورية اي استجوابه بعد دقائق من تعيينه؟ ثم النزول للشارع ضده واقتحام بيت الشعب ولربما البنك المركزي ومجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى بحجة انها ملك للشعب يحق لمن اراد من افراده ان يدخلها متى شاء؟! ولماذا لم نسمع كلمة اعتذار واحدة عن اقتحام بيت الأمة او التعهد مستقبلا بعدم تكرار ذلك الجرم الفادح؟
لقد سقط القذافي وصدام وغيرهما من الطغاة وزرع لدينا ألف قذافي وصدام لا يملكون ادوات الاثنين في القمع والقهر وإلا لامتلأت السجون بالمعتقلين ولشهدنا ظاهرة المهجرين الكويتيين الذين كانوا سيترحمون في بلدان الهجرة والاغتراب على ايامنا هذه كحال الليبيين والعراقيين على ايام ادريس السنوسي وفيصل الثاني، ايام الديموقراطية والحريات التي فرط فيها واستغلت في غير موقعها
وتهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت..
فإن تولت فبالأشرار تنقاد
(7) أخيرا، لقد قرأت تاريخ دولنا العربية الحديث يوما بيوم وساعة بساعة وصفحة بصفحة، واطلعت على محاضر مجالسها النيابية وجلسات حكوماتها وتفاصيل محاكماتها وتحركات ومقولات ساستها وإعلامييها بشكل لم يطلع عليه 99% من شعوبها، وأقول ان خلاصة تلك القراءات التي اخذت مني سنوات طوالا هي انني لم ارقب امرا مشابها لما يحدث في بلدنا ثم انتهى بأمر فيه خير للشعوب والقوى السياسية حكومية او معارضة بل تنتهي في كل مرة ـ اذا لم يسد العقل والحكمة ـ بخسارة الجميع واشتعال حرائق مدمرة يكون حطبها وأول ضحاياها من أشعلها، فالحكمة الحكمة.. واللهم بلغت.. اللهم فاشهد.
آخر محطة:
(1) هل يصح ان تحدث تلك الاحداث المؤسفة بعد لقاء بعض الكتل والنواب بوالد الجميع صاحب السمو أمير البلاد وماذا أبقينا لهيبة السلطة التي ان ضاعت ضاع البلد معها؟!
(2) ما الذي اخاف المطالبين بالإصلاح من مقترح كتلة العمل الوطني بفحص حسابات البنك المركزي للجميع ودون تمييز؟!
(3) يثق النائبان الفاضلان عبدالله الرومي وصالح الملا وهما من أكفأ وأنزه النواب انه لو قدر لهما ان يصبحا وزيرين في المستقبل فسيتسلل فجر اليوم التالي من دافعا عنه لأبواب وزارتيهما الخلفية للتآمر مع المفسدين فيهما لاستجوابهما، فالدستور وأدواته ما هما إلا مطية للوصول الى اهداف ليس منها مصلحة الكويت والحفاظ على مستقبلها.