الحادثة الأخيرة التي تورط فيها ضابط شرطة كبير ليست فردية ومعزولة، فقد سبقتها مئات، لا بل آلاف الحوادث المماثلة الأخرى وأكثر منها بشاعة داخل السلك العسكري! ويستغرب البعض هنا وقوع مثل هذه التجاوزات الرهيبة في دولة هي الأكثر كرما مع ضباطها بالذات، فلا يكاد يمر يوم من دون ان نقرأ أو نسمع بتورط أحد هؤلاء في جريمة، وسبب ذلك، بنظري، بسيط ومعقد في الوقت نفسه، ويعود أساسا لأمور ثلاثة:
1ــ الزيادة الكبيرة في عدد من يطلق عليهم بالمتنفذين، من نواب وابناء أسرة وسياسيين، ممن استمرأوا التدخل في القضايا «الأمنية»، وما أكثرها، لمنع حبس فلان أو ضبط فلتان، وما يخلقه ذلك في نفوس المنوط بهم حفظ الأمن من حسرة، ويشجعهم بالتالي على التراخي في أداء الواجب وقبول ما يعرض عليهم من إغراءات! وقد ساهم ذلك، إضافة لنقص التربية الوطنية في نفوس الكثيرين، لاستشراء فزعة ابن الطائفة لطائفته وحماية ابن القبيلة لابن قبيلته او عرقه، والجميع يتعلل بــ«الستر»!
2 ــ التشدد المبالغ فيه في كل الأمور المباحة لدى أكثر الدول قربا منا ولنا، دينا ونفسية وتقاليد، وطول قائمة الممنوعات، التي تقيد المواطن والمقيم، والتي تطول كل يوم، وصعوبة تطبيق كل هذه الموانع والمحظورات بكفاءة، التي تخلو أصلا من المنطق، جعل تجاوزها أمرا سهلا، فممنوع دخول جنسيات معينة، وهناك من دخل، وممنوع التحاق بعائل، وممنوع منح استمارة تعلم قيادة مركبة، وممنوع النجاح لأول مرة في امتحان القيادة، وممنوع الحصول على إجازة قيادة عامة، وممنوع المجاهرة بالإفطار، فعلى الجميع الصيام ولو كانوا بوذيين، وممنوع تناول المشروبات، ولو في قلعة محصنة، وممنوع على النساء السباحة على الكثير من الشواطئ، وممنوع عليهم الحلاقين الرجال، وممنوع حفلات الفنادق، حتى الخاصة منها، وممنوع جلب الفنانين، وإن أتوا فتطبق الضوابط الشرعية عليهم، وغير ذلك الكثير.
3 ـ والنتيجة الحتمية للسببين 1 و2 هي التراخي العام والشامل في تطبيق القانون، فمن دون تطبيق حازم له سيكون لدينا، بل يوجد لدينا، ألف شكري وشكري. فنحن، باختصار، بحاجة الى السماح بالترفيه عن الناس، وتقليص قائمة الممنوعات وتقليل القيود السخيفة، وفي الوقت نفسه الحزم في تطبيق المعقول والمنطقي منها!
أحمد الصراف