موضوع اليوم أهم لبلدنا وشعبنا من معارك السياسة الداخلية السخيفة التي لا نهاية لها، في عام 89 قامت عدة ثورات متزامنة في دول شرق أوروبا وأعلنت قيام «الربيع الأوروبي» وإذا ما عرفنا ما حل بتلك الدول بعد عشرة أعوام يمكن لنا بالمقاربة والمقارنة معرفة ما سيحدث لدولنا العربية عام 2020 والذي ستتأثر به قطعا الكويت ودولنا الخليجية سلبا أو إيجابا، حيث اننا لسنا جزرا نائية بعيدة عن محيطها الجغرافي.
***
ما حدث في رومانيا هو الأقرب في نظري لما يمكن ان يحدث في مصر، فقد ثار الشعب الروماني ذو الحضارة العريقة ومات منه ألف قتيل (نفس عدد ضحايا مصر) للإطاحة بالرئيس شاوشيسكو وزوجته بعد رفضهما التنحي والهرب خارج البلاد، وتحولت رومانيا الى دولة متعددة الأحزاب وتم تداول السلطة ووصل الحزب الديني المسمى «المسيحي الديموقراطي» ومعه الحزب القومي «رومانيا العظمى»، الى الحكم وتم تشكيل 200 حزب وافقت عليها لجنة الأحزاب تقلصت فيما بعد الى 20 حزبا وكان وضع رومانيا بعد عشرة أعوام هو أنها تتقدم سياسيا وتنهار اقتصاديا حيث انخفض معدل الدخل بنسبة 60% عما كان عليه إبان حكم شاوشيسكو وزادت البطالة وانتشر الفساد وتفشت تجارة المخدرات والسلاح مما تسبب في الانتخابات «الثانية» في السقوط الذريع لمن فاز بالانتخابات الأولى وسمي تحول رومانيا الاقتصادي بـ «رأسمالية دون رأسماليين» حيث لم تجرؤ الاستثمارات والمستثمرون الأجانب على القدوم.
***
ما حدث في يوغوسلافيا هو الأقرب لما قد يحدث في سورية حيث تسبب قمع وإبادة الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش لشعبه وتسببه في إثارة النعرات الدينية والطائفية والعرقية واستخدامه للأدوات الأمنية والإعلامية بوفرة، في تفتت يوغوسلافيا وقيام عدة حروب أهلية فيها وانقسامها الى عدة دول متناحرة، وانهار الاقتصاد وهبط الناتج القومي بمقدار الثلثين واضطر العالم لأن يتدخل عسكريا لإيقاف المذابح وانقلب الصرب على قائدهم الذي ورطهم وسلموه في النهاية لمحكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
***
يمكن تشبيه ما سيحدث في ليبيا بما حدث خلال الأعوام العشرة اللاحقة لربيع تشيكوسلوفاكيا، فالبلد كحال ليبيا وافر الموارد الاقتصادية وقد انقسم بطريقة «ناعمة» لا حرب فيها بين التشيك والسلوفاك (طرابلس وبنغازي!) ممن ينتمون الى أصول سلافية واحدة وتوجه البلدان بعد انقسامهما للتعاون ضمن مظلة الاتحاد الأوروبي (الجامعة العربية أو الاتحاد المغاربي) ولم تعان جمهورية التشيك ما عانته دول الربيع الأوروبي الأخرى في تحولاتها السياسية والاقتصادية وقيل ان أحد الأسباب هو ان الشعب التشيكي لم يؤمن قط بالنظام الشيوعي الأحمر السائد (نظام الكتاب الأخضر في ليبيا) لذا كان من السهولة بمكان التخلص منه.
***
تونس ومقاربة ما قد يحدث لها بما حدث لپولندا التي اعتبرت بعد ثورتها الطفل المدلل للسائحين والمستثمرين الغربيين بعد ان نجحت بشكل سريع في خلق نظام سياسي معتدل ومستقر وتم تعديل هيكلة اقتصادها وفتحه لرؤوس الأموال الأجنبية ما جعلها تنجح في استقطاب ما يزيد على 60 مليارا من الاستثمارات الأجنبية وقد ابتعد زعيم المعارضة التاريخي ليش فاونسا (راشد الغنوشي) بعد هزيمة حزبه في الانتخابات «الثانية» عام 1995 أمام المرشح الشاب الكسندر كفاشنفسكر بعد ان كان قد اكتسح الانتخابات الأولى.
***
آخر محطة:
(1) تظهر التجارب ان المهم ليس كيفية الدخول في الثورة أو الربيع.. بل المهم هو كيفية الخروج منهما..!
(2) كما تظهر التجارب ان المهم ليس نتائج «اول» انتخابات في دول الربيع العربي… الأهم هي نتائج الانتخابات.. «الثانية» بعد ان تذوق الشعوب اثر وصول المعارضة والأحزاب على الاقتصاد..!
(3) العزاء الحار لآل الوطيان والدوسري الكرام على وفاة فقيدتهم الغالية.. للفقيدة الرحمة والمغفرة ولأهلها وذويها الصبر والسلوان.
(4) العزاء الحار لآل باقر الكرام على وفاة فقيدهم الكبير المرحوم أحمد باقر، للفقيد الرحمة والمغفرة ولأهله وذويه الصبر والسلوان.