سورية ليست ليبيا ولا تونس ولا اليمن ولا أياً من دول “الربيع العربي”، سورية هي قلب العالم العربي، وهي، تاريخياً، مهد حركة القومية العربية، ولا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يحدث للمنطقة العربية- ودولنا الخليجية لا تشكل استثناء- لو تحولت المظاهرات الشعبية في سورية إلى حرب أهلية، وتصبح هذه الدولة لبناناً أو عراقاً آخر، وبشكل أكثر بشاعة من الاثنين.
ليس لأحد أن ينكر وحشية النظام في قمع المظاهرات السلمية، لكن، أيضاً، لا يمكن أن نغمض العين عن واقع صور العنف الطائفي التي أخذت تتضح ملامحها في الشهرين الماضيين. سورية هي العراق سابقاً ولكن بالمقلوب، في العراق البعثي كانت هناك الأقلية السنية هي الحاكمة والمضطهدة للأغلبية الشيعية، ورغم ذلك كان قناع شمولية القومية العربية يحد من تعرض بقية الأقليات للاضطهاد الديني والطائفي، وبعد “التحرير الأميركي” الأهوج للعراق من سطوة النظام الصدامي أضحت الأقليات العراقية، وتحديداً الطائفة المسيحية، ضحية تفريغ الإحباط من متطرفي الإسلاميين سنة أو شيعة. في سورية الأقلية العلوية هي التي تمسك بمفاصل الدولة وتواجه الآن الأكثرية السنية، وليس البعد الطائفي المسؤول الوحيد عن تحرك شارع الأغلبية السورية الثائرة، فهناك أسباب مثل المرارة الاقتصادية والفساد المالي في النظام السوري، وإن كان عارض الفساد مسألة مشتركة في جل النظام العربي في نادي “الجامعة العربية”، فإن النظام السوري، من ناحية أخرى، حافظ بدرجة كبيرة على الحريات الدينية للأقليات.
خطر التصفيات الطائفية ماثل أمامنا الآن، وكم نخشى أن تصبح سورية صورة مكبرة للبنان ٧٥ – ٩٠، بمعنى أن تكون ساحة الغزوات والحروب بالوكالة لدول المنطقة، والمعركة هي معركة وجود بالنسبة للنظام السوري بصفة خاصة والطائفة العلوية وبقية الأقليات بصفة عامة، وهناك خطر أكبر أن تمتد حرب القبليات الطائفية إلى معظم دولنا العربية (باستثناء مصر وتونس) التي تستمد هوياتها من القبيلة والدين والطائفة، لا من مفهوم الدولة- الأمة.
نخشى أن يكون قرار الجامعة العربية بتجميد عضوية سورية بمنزلة الإشارة الخضراء لتدويل الأزمة السورية، وفتح جرة بندورا (كما في الأسطورة اليونانية) للشرور ليس في القلب السوري وحده، وإنما في بقية أعضاء الجسد العربي والمنطقة كلها. هناك بصيص أمل لتجنب الزلزال القادم للمنطقة حين يتم تجديد محاولة “الوساطة” العربية بين المعارضة والنظام الحاكم السوري، وساطة لا تهدف إلى بقاء النظام على حاله من دون إصلاح حقيقي، وتحافظ في الوقت ذاته على وحدة الوطن السوري، وتحقق أمل شعبه في الحرية والكرامة.