هي وزارة الصداع لا شك. أتحدث عن وزارة الداخلية. حمانا الله وإياكم من طيشها و”نفشة” ريشها، ورزقنا الله وإياكم نقاءها وارتقاءها.
منصب وزير الداخلية يتطلب قدرات خاصة، كقدرات تلك السيدة التي ظهرت في فيلم هوليوودي تقود سيارتها هاربة من سيارة مملوءة بالأشرار تطاردها، وإلى جانبها يتمدد ابنها الذي يتأوه ويصرخ ألماً وينزف دماً من طلقة رصاص أطلقها عليه أولئك الأشرار، وكان عليها، أثناء قيادتها السيارة، أن توقف نزيف دم ابنها وأن تهدئ من روعه، وأن تتمالك نفسها، وألا ينشغل ذهنها عن الطريق، وأن تتخلص من الأشرار، كل ذلك في لحظة واحدة. وقد نجحت الممثلة، طبعاً برغبة المخرج والمؤلف، فهل ينجح الحمود أم يرفض المخرج والمؤلف؟
منصب وزير الداخلية، تحديداً، يُشترط ألا يتبوأه كائن لزج دبِق، مواقفه لزجة وتصريحاته دبقة. منصب وزير الداخلية، تحديداً، يجب أن يشغله سليل عنترة في الشجاعة، ولقمان في الحكمة، وأتاتورك في الحزم، وكيسنجر في الدهاء، وغاندي في السمو، وعبدالله السالم في حب الشعب.
وبعد غبار، وذات صحو، تسلم الشيخ أحمد الحمود “سيف” الداخلية، وهو رجل يحظى بحساب بنكي ضخم في قلوب الناس، يثق به الناس ويصدّقونه، خصوصاً عند مقارنته بـ”راعي السيف” السابق، وهو ما يُرجح كفة الحمود لا شك، دون حتى أن يبذل “عطسة” من مجهوده، فحساب الوزير السابق مكشوف على مصراعيه.
ورغم أن الحمود جزء من شجرة الحكومة التي تطرح حنظلاً أصفر، فإنه أحد الأغصان القليلة التي تطرح “الورد الجوري”، فما أغرب تلك الشجرة! ويقول القوّالة: “بما أنه قبِلَ الانضمام إلى تلك الشجرة فهو منها، فالجِذر واحد والماء واحد والنهج واحد”، وأقول أنا: “إلا الداخلية”، هي وحدها، على الأقل، يجب أن نعزلها عن بقية “الأغصان”، لأنها إن تلوثت ستلوّث بيوت الناس وغرف نومهم، وستتحول لحوم الناس إلى لحوم ظباء طيبة المذاق تلتهمها الضباع، وهذا ما يجعلنا نغض النظر عن خطأ “قبوله بالمنصب”.
دققوا في الأمر… فساد وزارة الخارجية أو التخطيط أو البلدية أو ما شابهها، يشبه الجرح السطحي، أما فساد وزارة الداخلية فيضرب الأوردة الدموية مباشرة. ثم إن فساد تلك الوزارات يجرح ويدمي، هذا صحيح، لكنه لا يميت، أما فساد وزارة الداخلية فيمكن أن يشعل حروباً أهلية في المجتمعات المفككة، ويمكن أن يفتح شهية المقابر.
نعم، أرى أن جملة “اجتماع الوزراء” خاطئة لغوياً، والأصح “استماع الوزراء”. بيد أن الحمود من الوزراء المصابين بمرضين اثنين، لا شفاه الله منهما، الأول “عدم قدرته على الاستماع إلى الأوامر الخاطئة الهوجاء لخلل في أذنه”، والثاني “آلام في أعلى الرقبة تمنعه من الانحناء”. اللهم لا تشفِ أذن أحمد الحمود ولا رقبته. آمين.
جاءوا إليه بطبيب أنف وأذن وحنجرة، وجاءوا إليه بمرهمٍ يليّن عظام الرقبة، لكنه يرد عليهم بأنه “معافى يطمر العرفج”، هنا مد أحدهم يده خلسة، مستعيناً بالظلام، وشقّ بالموس جيب دشداشة الحمود ليتسرب منه “رصيده الشعبي”، وحاصروه براً وبحراً وجواً كي لا يتخذ قراراته “الضميرية”، وصدرت الأوامر لمجاميع الذباب بالهجوم عليه، حاملة معها عدوى “الخضوع”.
هم يريدونه جثة بلا قرار، رفاتاً بلا إرادة، يجيد ابتسامة الخضوع، كالخادم يفعل ما يؤمر به، ونحن نريده فارساً يهز سيف القانون بقوة، فإن عجز فليهز استقالته، وليجمع حاجياته ومبادئه، على أن يتأكد من أن شيئاً منها لم يقع على الأرض، ثم يغادر… عزيزاً كريماً.
أحمد الحمود، متورط بمراعاة ضميره، وقد شوهد متلبساً يمارس الإصلاح في مكان عام، وهما جريمتان لا تغتفران، من وجهة نظر الشيطان.