سامي النصف

الحرائق والدستور

  في مثل هذه الأيام أي في 11/11/1962 صدر دستور دولة الكويت وان استمر عمل المجلس التأسيسي الى يوم الثلاثاء 15/1/1963، ويكفي الكويت فخرا ان ما قام به الآباء العظام المؤسسون قبل نصف قرن من اقرار المبادئ الديموقراطية والحريات العامة يؤسس لمثله «هذه الأيام» في بلدان الحضارة العربية كمصر وتونس والعراق وليبيا بالإضافة الى سورية واليمن بالقريب العاجل.

***

والمؤسف ونحن نحتفل بالعيد الـ 49 للدستور ان هناك من أساء له وأبعده عن المقاصد الخيّرة للآباء العقلاء الحكماء فحارب تعديله وتطويره مما سمح للفساد الذي ما خلق الدستور الا لمحاربته بأن يتسلل لأروقة البرلمان، فتحولت الديموقراطية والعملية السياسية عند الأبناء الى وسيلة اثراء غير مشروع ونهج لإثارة القلاقل والأزمات التي تطفش السياحة وتوقف الاستثمارات وتحولنا من بلد يحمل راية الحضارة والتنوير والريادة في كل مجالات الحياة الى اكثر الدول انغلاقا وتعصبا وتخلفا في مجالات التنافس الاقليمي والدولي والعجب ان المتسببين في ذلك التخلف هم أنفسهم من.. يتهمون الآخرين به!

***

وإحدى أكثر الأدوات الدستورية ايذاء للبلاد والعباد في العشرين عاما الماضية بعد ان أخرجت عن مقاصدها الخيرة هي «أداة الاستجواب» والذي اصبح وسيلة للإرهاب والإرعاب والابتزاز، وتحصيل المال الحرام، والواجب ان يقنن ويرشد، او ان يفتح للجميع فيعطى للوزير وهو عضو في البرلمان حق ان يستجوب ويوقف على المنصة بعض نواب الابتزاز وتمرير الصفقات، كما يجب في هذا السياق ان يستجوب كل كاتب وناخب نواب دائرته كوسيلة لمحاربة الفساد التشريعي عبر محاور تنشر بالعلن لاظهار مدى تجني النواب على الكويت ومصلحة شعب الكويت.

***

وقد هدمت أهم مبادئ الدستور وأطيح بمواده في يوم عيده عبر النهج غير الدستوري وغير القانوني وغير الإنساني الذي تم خلاله التعامل مع قيادي الداخلية، ففي البدء نحن وبشكل مطلق مع محاربة الفساد في وزارة الداخلية وكل الوزارات الأخرى عبر الالتزام بأحكام «الدستور والقوانين» التي تساوي بين الناس وتحفظ كرامتهم وتفرض السرية التي تحافظ على عائلات وأقارب المعنيين ممن لا ذنب لهم، ولا تصدر الأحكام المسبقة بحقهم حالهم حال نواب الايداعات وحتى المئات ممن قبض عليهم في الشقق المشبوهة هذه الأيام ولم يسمع بهم أحد، والتساؤل المحق: هل كان سيحدث ما حدث لو كان المتورط قياديا آخر؟ وهل سيقبل بعد اليوم ان يشهر بالأسماء والأشخاص قبل صدور أحكام الإدانة؟ وهل من العدل ان يهدد وزير بسبب خطأ أي موظف لديه؟!

***

ان التعميم وتصوير رجال الأمن بالفاسدين وكسر هيبتهم أمام الناس من قبل بعض النواب هو فساد ما بعده فساد سيضيع البلد وينشر الفوضى بين ربوعها (فهل هذا هو المطلوب؟!)، واسألوا أهل مصر اليوم والصومال والعراق بالأمس عن كم الدماء والترويع الذي دفع ثمنا لكسر هيبة رجال الأمن في بلدانهم، كما ان التهديد باستجواب الوزير الاصلاحي الشيخ احمد الحمود هو فساد ما بعده فساد وكفانا ابتذالا للدستور عبر استخدامه كأداة للانتقام الشخصي والاستقصاد على الهوية لا القضية.

***

آخر محطة:

(1) تحتفل الكويت هذه الأيام بمرور عشرين عاما على اطفاء آبار النفط والذي يحسب الفضل فيه بعد الله سبحانه الى الفكر الكويتي الخلاق الذي فتح الباب أمام جميع فرق اطفاء الحرائق في العالم للتنافس ودون ذلك الابداع كانت الحرائق ستبقى لسنوات طوال كفيلة بالقضاء على مخزون النفط ومن ثم سننتهي دون دولة و… دون دستور لذا لنحتفل كل عام بإطفاء الحرائق كما نحتفل بصدور الدستور.

(2) العزاء الحار إلى آل زينل وآل المنصور وللثقافة الكويتية عامة والمسرح الكويتي قاطبة برحيل الفنانين الكبيرين المرحومين خليل زينل ومنصور المنصور.

وإنا لله وإنا إليه راجعون

احمد الصراف

المحبة الكاذبة!

ولد راغب، أو رجب، زاراكولو عام 1948 في جزيرة قريبة من إسطنبول، وكان والده محافظا لها، كانت نشأته في بيئة متعددة الأعراق من أتراك مسلمين وأكراد وأرمن ويونانيين، وبدأ راغب الكتابة في سن مبكرة، بعد أن أنهى دراسته في الحقوق، وأصبح محاميا. وفي 1971 زجّت به الجونتا العسكرية، التي استولت على الحكم وقتها في تركيا في السجن بتهمة التخابر السري مع منظمة العفو الدولية! ليخرج من السجن بعد فترة ويعود اليه مرات عدة، ودائما بتهم تتعلق بقضايا رأي. وفي 1977 أسس وزوجته المناضلة الأخرى دار نشر «بلجي» The Belge، التي أصبحت منذ وقتها هدفا للمصادرة والتعطيل والغرامات المالية الباهظة في قضايا عدة تتعلق – أيضا – بحرية الرأي. كما كان راغب أحد مؤسسي صحيفة ديمكرات، وكان مسؤولا عن الشؤون الخارجية فيها، وقام الحكم العسكري – الذي جاء بانقلاب 1980 – بتعطيل الصحيفة ووضع راغب في السجن، قبل أن يطلق سراحه ويمنعه من مغادرة البلاد. وفي عام 1986 أسس مع آخرين «منظمة حقوق الإنسان» التركية، وسببت مواقفها ومواقف «دار بلجي» صداعا مستمرا للسلطات التركية، خاصة عندما قامت بنشر مؤلفات لمساجين سياسيين من الأقليات، ونشر 10 كتب مترجمة من الأدب اليوناني، وخمسة عن القضية الأرمنية ومثل ذلك عن يهود تركيا، إضافة الى كتب عن الأقلية الكردية التي ينتمي اليها، وكانت مواضيع هذه الكتب ما لا تود أي سلطة تركية – منذ انهيار الامبراطورية حتى الآن – سماعه أو التطرق اليه، خاصة تلك التي تتعلق بالمذبحة المليونية التي تعرض لها الأرمن في تركيا مع بداية القرن الماضي.
وقد ألقت السلطات التركية القبض مؤخرا على راغب زاراكولو، المدافع الصلب عن حقوق الإنسان في وطنه، وخمسين آخرين من رفاقه، بتهمة انتمائهم لحزب سياسي محظور، وبأنهم الذراع المدنية لحركة الـ PKK الكردية، التي تسعى لتحسين أوضاع الأقلية الكردية في تركيا، وقد حدث ذلك على الرغم من كل ما تدعيه حكومة أردوغان الإسلامية من دفاع عن حرية الرأي، في سعي تركيا الى أن تصبح جزءا من أوروبا، وهذا يكشف انتهازية الحكومة الدينية بشكل عام.

أحمد الصراف