خذ يا صاحبي هذه السيجارة من صنع الجيرمان، أشعلها واكتم دخانها في صدرك ثم انفثه إلى الأعلى… حاول أن تستمتع بلحظاتك هذه إلى أقصى مدى فالمستقبل غضوب عبوس.
منذ الآن وصاعداً، وإلى المدى القريب، لا تُصِخ السمع أملاً في سماع ضحكات الأطفال. معلش، فلسنا في موسم الأطفال ولا ضحكاتهم، وأنت تعرف أن لكل شيء موسماً، للكَرَز موسم، وللتفاح موسم، وللأطفال كذلك موسم، ليس غداً بالتأكيد.
خذ يا صاحبي السيجارة الثانية، وفكر في ما ستفعله في الأيام المقبلة عندما ترتفع الصرخات والآهات، ويعلو غبار المظاهرات المطالبة بالإفراج عن المحجوزين، وتعلّم، وعلّم أطفالك، كيف يتلثمون بـ”الغترة” لمكافحة الغبار، ألا هل بلّغت اللهم فاشهد.
الدولة يا صاحبي بأجهزتها الهضمية والتنفسية جُيّرت وتُجيّر لخدمة الكراسي، الدولة كاملة من الجلدة إلى الجلدة تحولت إلى مسامير لتثبيت الكراسي. وأن يحصل شيخ دين على الجنسية أو حتى ممثل لا موهبة له، هو أمر لا غرابة فيه، إذ لا علاقة للمهنة بالجنسية. الغرابة، كل الغرابة، أن يتحول الدين إلى “هدية قيّمة” يقدمها الباحثون عن الجنسية إلى من بيده الكرسي، ويتحول الفن إلى وثيقة تثبت الولاء لأصحاب الكراسي.
وكان الأستاذ، أو الشيخ، عبدالرحمن عبدالخالق، قد أصدر فتوى عنقودية متفجرة قبل استجواب سمو رئيس الحكومة، ألغى فيها، بصورة أو بأخرى، المادة (100) من الدستور، خصوصاً الشق المتعلق برئيس الوزراء، الذي يبيح استجوابه. وكان زميله الشيخ عبدالله السبت قد ذهب إلى أبعد من ذلك، وأفتى بما هو أنكى وأشد، إذ رأى، لا أعمى الله بصره، أن “تعطيل الدستور” بمواده كلها، لا المادة (100) فحسب، أمر لا يستحق الغضب ولا حتى العتب.
وقد نسمع من “الشيخين” حفظهما الله، في القادم من الغبار، فتاوى مختومة بختم الحكومة، وقد لا نسمع، وقد نقرأ هجاء الممثل أحمد إيراج للمعارضة، وقد يقول ما لم يقله زميله الممثل “موضي علف” عن المعارضة، وقد لا يقول، لكن الأكيد والثابت أن أبطال الحروب والشهداء أقل من أن “يتكوّتوا”، كما ترى الحكومة، فلم يقدموا إلا أرواحهم، فقط، لا فتاوى دينية تهز العقول ولا أعمالاً فنية تهز الحجول.
وأخشى أن تكون “جناسي” هؤلاء مربوطة بخيط مطاط، أو أن تتحول الجنسية إلى دَيْن يلزم سداده.
أشعل يا صاحبي سيجارتك الثالثة وأدر بيننا أقداح القهوة الصنعانية، وتعال نبكِ كالنساء على الكويت التي سقطت على الأرض، واختفت بين أرجل المارة. أشعل سيجارتك بسرعة قبل أن تقرأ، في القريب العاجل، أخباراً عن هجرة بعض المعارضين إلى دول أوروبا ليتسنى لهم المعارضة من هناك بصوت أعلى مما كانت تخشاه الحكومة.
اكتم دخانها في صدرك… ثم انفثه إلى الأعلى وأنت مغمض العينين.