قررت المعارضة النيابية أو ما يسمى بالمعارضة، إن صح التعبير، أن تقاطع لجان مجلس الأمة بحجتين؛ الأولى، هي سوء الإدارة الحكومية، وهو أمر متفق عليه ولا يستطيع أن يتغاضى عنه عاقل، والأمر الآخر هو وجود نواب “قبيضة” كما تمت تسميتهم، وهم المحالون إلى النيابة بسبب تضخم حساباتهم البنكية بشكل غير اعتيادي، وعدم إمكان تعاون نواب ما يسمى بـ”المعارضة” مع “القبيضة”. وقبل الدخول في صلب الموضوع والتعليق على هذا الأمر، فإنه يجب علي أن أطرح تساؤلاً مهماً على ما يسمى بالمعارضة، هل “قبيضة” اليوم هم أول “قبيضة” يدخلون مجلس الأمة في عهدكم؟ الإجابة طبعا لا، وقد شاركتم القبيضة السابقين سواء في اللجان أو الوفود أو حتى الاستجوابات في أحيان كثيرة، ولكن قبل أن تقولوا “اللي فات مات” أنتم مازلتم تشاركون “القبيضة” من غير النواب في معارضتكم، بل وتصفقون وتطبلون له أيضاً، فمن قبض “الوسيلة” هو أحد رموز المعارضة اليوم، وهو ما يعني أن حجة انسحابكم من اللجان لكي لا تجتمعوا بـ”القبيضة” متناقضة مع تصرفاتكم السابقة والحالية أيضاً. عموما ما سبق هو هامش الموضوع أما الجوهر فهو يتمثل في التالي: “ينبغي أن يشترك كل عضو من أعضاء المجلس في لجنة على الأقل”… تلك فقرة من نص المادة 45 من اللائحة الداخلية للمجلس تلزم عضو مجلس الأمة سواء كان “قبيضاً” أو موالياً أو معارضاً بالمشاركة في لجنة واحدة على الأقل، وإلا فإنه يخل بعضويته وأداء مهامه في تمثيل الأمة بأسرها.
وقرار ما يسمى بـ”المعارضة” بعدم المشاركة في اللجان يعني أنهم يتعدون ويتجاوزون اللائحة الداخلية من أجل تسجيل موقف لإثبات أن الحكومة و”القبيضة” لا يحترمون الدستور والقانون واللوائح، بمعنى آخر أن من يسمون بـ”المعارضة” يتجاوزون القانون لرفضهم تجاوز الحكومة و”القبيضة” للقانون! فضلا عن أن رواتب الأعضاء المقاطعين للجان تعد غير مستحقة بحكم أنهم لا يؤدون وظائفهم كما تنص اللوائح والقوانين، وهو ما يعني أن المعارضة الجديدة التي ترفض التعدي على الأموال، كما تدعي، تتقاضى رواتب وأموالاً غير مستحقة كذلك. وهنا أخاطب نواب الإسلام السياسي تحديداً ومدّعي حماية المال العام من المقاطعين تحديداً فما تتقاضون من رواتب بعد مقاطعة اللجان هو مال حرام ويتجاوز المادة الـ17 من الدستور كذلك. أنا هنا لا أنكر أن وضع المجلس والحكومة كارثي ولا يطاق وسوء اختياراتنا هي أساس هذا التردي، ولكن ليس من المنطقي أبداً أن ننسحب من المجلس ونجعل الفساد يستمر دون رقابة، فلماذا نعاقب الكويت أكثر بترك أدواتنا الرقابية في أيدي الفاسدين والمفسدين وكأننا نطبق أسلوب طارق العلي في مسرحية “سيف العرب” حين قوله “والله أحمق… عليكم هسّه وأثوّر بنفسي”.
ضمن نطاق التغطية: “إذا لم تكتمل عضوية اللجان الدائمة وتبين أن بعض الأعضاء لم يشترك في عضوية أي منها، أو لم يشترك إلا في عضوية لجنة واحدة، يتم شغل الأماكن الشاغرة من بين هؤلاء بطريق القرعة بدءاً بالأعضاء الذين لم يشتركوا في عضوية أي لجنة”.
تلك هي تتمة المادة 45 من اللائحة الداخلية للمجلس، وهو ما يعني أن بإمكان الرئيس أن يقوم بالقرعة ويملأ مقاعد اللجان بالنواب المقاطعين! حتى تسجيلكم للموقف، وإن اختلفنا عليه، لن يجدي في ظل وجود هذا النص.
اليوم: 1 نوفمبر، 2011
بين أنفاس السجائر
خذ يا صاحبي هذه السيجارة من صنع الجيرمان، أشعلها واكتم دخانها في صدرك ثم انفثه إلى الأعلى… حاول أن تستمتع بلحظاتك هذه إلى أقصى مدى فالمستقبل غضوب عبوس.
منذ الآن وصاعداً، وإلى المدى القريب، لا تُصِخ السمع أملاً في سماع ضحكات الأطفال. معلش، فلسنا في موسم الأطفال ولا ضحكاتهم، وأنت تعرف أن لكل شيء موسماً، للكَرَز موسم، وللتفاح موسم، وللأطفال كذلك موسم، ليس غداً بالتأكيد.
خذ يا صاحبي السيجارة الثانية، وفكر في ما ستفعله في الأيام المقبلة عندما ترتفع الصرخات والآهات، ويعلو غبار المظاهرات المطالبة بالإفراج عن المحجوزين، وتعلّم، وعلّم أطفالك، كيف يتلثمون بـ”الغترة” لمكافحة الغبار، ألا هل بلّغت اللهم فاشهد.
الدولة يا صاحبي بأجهزتها الهضمية والتنفسية جُيّرت وتُجيّر لخدمة الكراسي، الدولة كاملة من الجلدة إلى الجلدة تحولت إلى مسامير لتثبيت الكراسي. وأن يحصل شيخ دين على الجنسية أو حتى ممثل لا موهبة له، هو أمر لا غرابة فيه، إذ لا علاقة للمهنة بالجنسية. الغرابة، كل الغرابة، أن يتحول الدين إلى “هدية قيّمة” يقدمها الباحثون عن الجنسية إلى من بيده الكرسي، ويتحول الفن إلى وثيقة تثبت الولاء لأصحاب الكراسي.
وكان الأستاذ، أو الشيخ، عبدالرحمن عبدالخالق، قد أصدر فتوى عنقودية متفجرة قبل استجواب سمو رئيس الحكومة، ألغى فيها، بصورة أو بأخرى، المادة (100) من الدستور، خصوصاً الشق المتعلق برئيس الوزراء، الذي يبيح استجوابه. وكان زميله الشيخ عبدالله السبت قد ذهب إلى أبعد من ذلك، وأفتى بما هو أنكى وأشد، إذ رأى، لا أعمى الله بصره، أن “تعطيل الدستور” بمواده كلها، لا المادة (100) فحسب، أمر لا يستحق الغضب ولا حتى العتب.
وقد نسمع من “الشيخين” حفظهما الله، في القادم من الغبار، فتاوى مختومة بختم الحكومة، وقد لا نسمع، وقد نقرأ هجاء الممثل أحمد إيراج للمعارضة، وقد يقول ما لم يقله زميله الممثل “موضي علف” عن المعارضة، وقد لا يقول، لكن الأكيد والثابت أن أبطال الحروب والشهداء أقل من أن “يتكوّتوا”، كما ترى الحكومة، فلم يقدموا إلا أرواحهم، فقط، لا فتاوى دينية تهز العقول ولا أعمالاً فنية تهز الحجول.
وأخشى أن تكون “جناسي” هؤلاء مربوطة بخيط مطاط، أو أن تتحول الجنسية إلى دَيْن يلزم سداده.
أشعل يا صاحبي سيجارتك الثالثة وأدر بيننا أقداح القهوة الصنعانية، وتعال نبكِ كالنساء على الكويت التي سقطت على الأرض، واختفت بين أرجل المارة. أشعل سيجارتك بسرعة قبل أن تقرأ، في القريب العاجل، أخباراً عن هجرة بعض المعارضين إلى دول أوروبا ليتسنى لهم المعارضة من هناك بصوت أعلى مما كانت تخشاه الحكومة.
اكتم دخانها في صدرك… ثم انفثه إلى الأعلى وأنت مغمض العينين.
تجربتي اليابانية
قضيت جزءا من الصيف الماضي مع أصدقاء يابانيين، وكانت تجربة جدا غريبة، فهذا الشعب الذي سبق أن اختار العزلة عن العالم لقرون طويلة، قبل ان ينفتح مع بداية القرن الماضي، يعتمد كليا على نفسه، بخلاف شعوب دولنا النفطية تماما، فاليابان لا تمتلك أي موارد، فلا فحم ولا نفط ولا حديد ولا خامات مهمة، وأرضها عبارة عن 3000 جزيرة متباعدة، وسبق ان دمرت أجزاء كبيرة منها في الحرب الثانية، كما ضربتها، ولا تزال، مئات الزلازل المدمرة، ومع هذا ما زالت اليابان الثانية عالميا في قوتها الاقتصادية بعد أميركا، ولا يوجد بها أمي واحد، ففيها الإنسان هو أساس الثروة! ولو وضعنا جانبا تاريخ اليابان الاستعماري المشين، والذي استطاعت التخلص من آثاره وآثامه تماما مع نهاية الحرب العالمية الثانية، فإننا نجد شعبا جديرا حقا بالاحترام. فبالرغم من أنهم لم يشتهروا بتدينهم، بشكل عام، فلا علاقة مثلا للدين بأهم طقوسهم وهي الزواج، مقارنة بالأميركيين الأكثر تدينا في العالم الغربي، إلا أن تصرفاتهم الراقية وأمانتهم أمر لا يمكن مقارنته بأي شعب آخر… تقريبا! فأثناء الزلزال والتسونامي الذي ضرب أجزاء من اليابان، واجبر مئات الآلاف على ترك كل شيء وراءهم، شاهد العالم على شاشات التلفزيون ما ابهره، فلا حالات سلب ونهب للمتاجر والبيوت، بعكس ما حصل في مدن غربية عدة، وبالذات في مدن أميركا الكبرى، وعاصمة التدين في العالم الغربي، دع عنك عالمنا بالطبع! وقد حدث ذلك التصرف بتلقائية ونتيجة لطريقة تربية محددة، وليس خوفا من عقاب سماوي.
وقد تعلمت من أصدقائي اليابانيين جهلهم «بفن» الكذب، وخاصة الذي نسميه الأبيض. كما أن الياباني لا يعرف القسم أو الحلف بأغلظ الأيمان وخاصة لإقناع الآخر بصحة ما يقول. وحتى في المحكمة فإن المتهم أو الشهود لا يطلب منهم غير قول: «أقسم بأن أقول الحقيقة، وأن اتبع ضميري، دون خداع أو كذب»! ولا شيء غير ذلك، فلا كتاب مقدسا يضع يده عليه وينطق بالقسم ولا أي شيء من هذا القبيل. ولفت أصدقائي نظري إلى حقيقة ان اللغة اليابانية تفتقد مفردات الشتم والسب، المنتشرة في لغات المجتمعات الأخرى. وعندما يغضب الياباني فإن ما يتلفظ به عادة يعتبر «غشمرة» مقارنة بشتائمنا. ويعود سبب هذا لأدبهم الجم الناتج عن تربية مدرسية ومنزلية صارمة تحث الطفل على التزام الصمت والاستماع إلى من هو أكبر منه، وقد أثر ذلك سلبا على شخصية الياباني بشكل عام، فالقيادات السياسية والإدارية لا تمتلك، كما في الغرب، ملكة مواجهة الآخرين والنظر بأعينهم وإلقاء الخطب الرنانة، فالأدب أو الخجل يمنعهم من ذلك. ولو نظرنا لنسبة تواجد اليابانيين في المناصب الدولية المهمة لوجدنا أن عددهم لا يتناسب مع حجمهم الاقتصادي ومساهماتهم الدولية!
ونختم ذلك بان نقول ان بإمكان أولئك الذين أدمنوا على الدعاء على الآخرين باليتم والتشرد والموت، الاستمرار في ذلك، فلا مجال لإقناعهم بعدم سلامة ذلك، ولكن أليس بإمكان هؤلاء تعلم ولو بعض الشيء من هدوء هؤلاء واحترامهم وصبرهم وأدبهم وعفة يدهم ولسانهم، وقول الصدق؟ لست أدري!
أحمد الصراف