احمد الصراف

نصف قرن من العلمانية

آمنت في مراهقتي، ومن واقع بسيط قراءاتي، أن الحل لكل مشاكلنا الطائفية والدينية يكمن في فصل الدولة عن الدين، باعطاء ما لله لله وما لقيصر لقيصر. بعد نصف قرن من كسب الخبرة والتجربة والقراءات المتنوعة، اصبحت على قناعة تامة بأن العلمانية هي الحل الوحيد لأوضاعنا المأساوية «الكسيفة»، والأمثلة أكثر من ان تحصى، وقد تكون أحداث مصر الطائفية الأخيرة، التي راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح، بعد تلاحم جيوش الأقباط والمسلمين والقوات المسلحة في عنف طائفي فور انتشار خبر هدم كنيسة متواضعة في قرية نائية بصعيد مصر، أحد الأمثلة الحية الصارخة! هذا الهوس الديني الذي اجتاح مصر، وغيرها من مناطق المسلمين، لا تمكن السيطرة عليه بحسن الكلام وجميل النصيحة وترداد وتكرار النصوص الدينية التي تحض على التآخي والحلم والصبر ومحبة الآخر، فمقابلها هناك كم هائل من النصوص، عند كل الأطراف، التي تقول عكس ذلك! وبالتالي نحن بحاجة لأتاتورك عربي يشرع للعلمانية ويفرضها، ولو بالقوة! فهذا الهوس الديني المجنون، الذي لا يقتصر على المسلمين، على الرغم من أنهم الأكثر شراسة وعنفا لكونهم الأكثر عددا، لا يمكن حله بالتراضي أو بتجاهل وجوده، بل بالتصدي له بحلول جذرية والتحول للدولة المدنية بأقرب وقت، خاصة مع اصرار كل طرف على التصرف حسب قاعدة الفعل بالمثل، وليذهب التسامح الى البحر ولتمت المحبة، فتلبية مطالب النص الديني أجدى وأكثر ثوابا ومنفعة.
لقد سبق ان قال الغرب بكروية الأرض فقلنا له اذهب الى الجحيم، وثبتت الرؤية بعدها وصح ما قالوه، ولكن بعد خسارة قرون من المعرفة! ثم نادى الغرب بالديموقراطية، كأفضل أنظمة الحكم، فرفضنا ونادينا بشورى هلامية وتشاور غير واضح، فتحكم العسكر والطغاة بأعناق شعوبنا، وعندما حان الوقت لنقتنع بصحة ما نادوا به كان الظلم قد طحن النفوس وأهان الكرامات، وأمات الأمل في القلوب! وعندما قال الغرب ان على دول العالم اتباع العلمانية منهج حياة ونظام معيشة، طلبنا منه أن يصمت ويبلع الورق الذي كتب عليه مبادئها، وأن يذهب الى حيث ألقت أم عمر رحالها! وهنا أيضا سيمر وقت طويل قبل أن نقتنع لأن الغالبية لا تزال على رفضها للعلمانية نظاما يحفظ حقوق الجميع في العيش بسلام ومحبة، ورفضها الآن لا يعني أن الوقت لن يأتي ونقتنع بها، كما اقتنعنا في نهاية الأمر بكل ما جاء به الغرب من مثل ومبادئ تصلح للانسان والحيوان والنبات، بل سيأتي، ولكن كالعادة، بعد فوات الأوان.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

غير آل اكيهيتو ما نبي

العلم سلامتكم، كما يقول كبار السن قبل بدء حديثهم…
الشعب الإيطالي، هذه الأيام، لا حديث له إلا عن محاكمة علماء الزلازل الستة المتهمين بالتقصير في أعمالهم.
وكل حكاية لها أصل، وأصل هذه الحكاية أن زلزالاً وقع في إحدى المدن الإيطالية قبل عامين، سقط بسببه أكثر من ثلاثمئة قتيل وأضعافهم من الجرحى، فتقدم أهالي المنطقة وبعض الناشطين ببلاغ إلى القضاء الإيطالي يشكون فيه علماء الزلازل الستة لأنهم "لم يبلغوا الأهالي قبل الزلزال كي يتسنى لهم الهرب من المدينة والابتعاد عن الخطر، كما يحدث في أميركا وبقية بلدان أوروبا، بل طمأنوا الناس فصدقوهم فهلكوا، لذلك نحن نتهمهم بالتقصير الشديد في عملهم وعدم تحملهم المسؤولية".
والأدهى أن العلماء الستة المتهمين كانوا قد كتبوا في تقريرهم: "لا نظن (ضع ثلاثة خطوط تحت كلمة لا نظن) أن زلزالاً مدمراً سيضرب المدينة"، ثم إن زملاء هؤلاء العلماء، وعددهم زهاء خمسة آلاف عالم، كتبوا وثيقة يطالبون فيها ببراءة زملائهم، بحجة أن أحداً لا يمكنه على وجه التحديد تقدير قوة الزلازل… وما زال التحقيق مع "المتهمين" مستمراً.
وإذا التفتنا برقابنا إلى حيث مشرق الشمس، وتحديداً اليابان، سقى الله اليابان "بالمزون العقربية"، حيث الشعب الأقل تفاخراً في العالم (تندر في الثقافة اليابانية قصائد الفخر، وبالمناسبة، أكثر قصائد الفخر في الثقافة العربية المعاصرة ينظمها قليلو التعليم والمغيّبون دينياً وعرقياً، في حين تجد قصائد المثقفين مملوءة بالهجاء والقدح والتذمر احتجاجاً على حال العرب)، فسنجد علماء الجيولوجيا اليابانيين قد تقدموا باستقالاتهم من أعمالهم فور تشكيل لجنة التحقيق، التي لم يكد يجف حبر توصياتها حتى تم تنفيذها بالحرف والفاصلة والنقطة.
لكن ما الذي حدث فور تشكيل لجنة التحقيق، وفور صدور أمر استدعاء رئيس الوزراء الياباني؟ الذي حدث هو أن مجاميع يابانية خرجت وهي ترفع صور رئيس الوزراء، ورددت مجاميع أخرى "غير آل اكيهيتو ما نبي" كللللللوش (يزغردون بالياباني)، وتطوع نائب ياباني متدين- بوذي محكحك – بالسير على أقدامه إلى قصر رئيس الوزراء، على رأس جموع غفيرة قدّر عددها باثني عشر يابانياً بينهم خمسة مصورين وستة من سكرتاريته وواحد مجهول الهوية.
سحقاً لليابانيين وللطليان الذين ينفذون أجندات خارجية، ولم يراعوا خصوصية اليابان وإيطاليا… وانتو شلونكم؟

احمد الصراف

أأنا العاشق الوحيد؟ (3/3)

يبدو ان من السهل التشعب عند الكتابة عن لبنان، وهذا ما حدث معنا في المقالين السابقين، وحل أن نعود لموضوعنا الأصلي، ونقول إن تعدد الديانات والطوائف ضمن العائلة الواحدة، أو ابناء العمومة، فيها يعود لاسباب بعضها قديم واخرى أكثر حداثة. وقد يكون أفضل مثال هنا تاريخ الأمراء الشهابيين، الذين كان منهم الرئيس فؤاد شهاب، فهذه الأسرة الحاكمة تقلبت بين الدرزية والإسلام السني والمسيحية، قبل أن ينتهي بها الحال وتصبح كاثوليكية مارونية في أواخر عهد الأمير بشير الثاني، أهم حكام آل شهاب، وباني قصر بيت الدين في الشوف. ويقال ان سبب تحولهم هو وجودهم الدائم في بيئة متسامحة دينيا، وهذا ما يحذرنا منه رجال الدين المتزمتون. ويقال كذلك أن الأمير بشير وقع في غرام امرأة درزية اشترطت عليه، خوفا من أن يستخدم حقه الشرعي كمسلم ويتزوج عليها، ان يتحولا للمسيحية ليستحيل طلاقها، أو أن يتزوج بغيرها، وكان ذلك في ثلاثينات القرن السابع عشر، ومنها كرّت السبحة!
كما غيّرت الكثير من الأسر ديانتها أو مذهبها نتيجة خسارتها لمعارك في هذه المدينة أو تلك القرية، وكان يطلب منها في هذه الحالة إما الرحيل، وترك بيوتها ومزارعها، مصدر رزقها الوحيد، خلفها، وإما البقاء مع التحول لمذهب أو دين المنتصر، وغالبا ما كان يحدث التحول، دون تردد كبير.
كما كان الزواج المختلط أحد اكبر الاسباب، فيحدث أن يتزوج شخص من أسرة معروفة فتاة من غير دينه، ويتوفى عنها تاركا ابناءه لها، فتقوم هذه بتنشئتهم على مذهبها ودينها. وقد يحدث أن يقوم غير المسلم، والراغب في الاقتران بمسلمة إلى التحول لدينها لكي يتسنى له الزواج بها، وغالبية هؤلاء يعودون بعدها لدينهم، والبعض الآخر يبقى على دينه الجديد، المخالف لدين او طائفة بقية اخوته واخواته! كما يحدث أن يغضب خوري أو قس أو مطران طائفة مسيحية محددة ممن هو اعلى منه كنسيا، لرفض طلب حيوي له فيقوم بالتحول لمذهب آخر وينقل «رعيته» معه للدين الجديد. وبسبب تسامح المجتمع اللبناني ازاء مثل هذه التصرفات، وإن على مضض، فإن ذلك خلق مجتمعا متعدد الأعراق والمذاهب والطوائف، ولكنه متداخل أيضاً بصورة أو باخرى بعضه مع بعض. وقد تسنى لي خلال الأسابيع القليلة الماضية في لبنان حضور ثلاث حفلات زواج، اقترن في الأولى سني بيروتي بمارونية جبلية، وفي الثانية تزوج درزي جبلي بمارونية ساحلية، وفي الثالثة تزوج ارثوذكسي جبلي من شيعية جنوبية، وبقي كل منهم على دينه. وعاش لبنان حرا سيدا.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

ضمير مستتر تقديره البراك

توالت الإضرابات وأبرزها برأيي هو إضراب الجمارك في الأسبوع الماضي، هذه الإضرابات ما هي إلا نتيجة حتمية لتخبط الحكومة في التعامل مع العصيان من أجل المادة سواء كانت الزيادة مستحقة أم لا.
وبغض النظر عن عدالة مطلب موظفي الجمارك من عدمه، إلا أن الأسلوب الذي مورس في سبيل تحقيق المطلب أسلوب سيئ ولا يمت لا للقانون ولا للدستور بأي صلة، فالنص الدستوري صريح وواضح  في المادة (26): “الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة”، وبإضراب الجمارك تحديدا لم يراع المضربون واجبهم الوطني ولا الحفاظ على المصلحة العامة.
ولم يأت هذا الإضراب دون دراية بتوابعه، فزعيم المضربين ذكر وكرر أن خسائر إضراب الجمارك يوميا تقدر بـ30 مليون دينار!
عموما، فأنا أتمنى محاسبة المتسبب في هذه الخسائر اليومية بأسرع وقت كي يكون ذلك رادعا لأي تصرف مشين في المستقبل.
لكن العلة لا تكمن في إضراب الجمارك وموظفيه فحسب، بل العلة كل العلة هي في من يسمى بضمير الأمة، وأقصد هنا النائب مسلم البراك الذي يسعى جاهدا إلى تصوير نفسه كحامٍ للمال العام والمدافع الأول عنه، وقد يكون هذا الكلام صحيحا في بعض القضايا، إلا أن ما صرح به البراك عشية إضراب الجمارك ينسف كل موقف له في سبيل حماية الأموال العامة.
فقد حيّا البراك موظفي وموظفات الجمارك على التزامهم النقابي والتفافهم حول نقابتهم لتحقيق مطالبهم العادلة والمشروعة!
وهو ما يعني أن ضمير الأمة يحيي إهدار 30 مليون دينار يوميا، إضافة إلى سمعة الكويت وتعطيل مصالح الناس، وما زال جمهوره يصفق للبراك ويهلل له. عن أي مال عام تتحدث يا “بوحمود” وأنت من يعزز الهدر لمجرد أنه تحرك ضد الحكومة؟ عن أي دولة دستور تتحدث وأنت تشجع الأعمال التي تضر بالاقتصاد الوطني والمصلحة العامة كما جاء في دستور الدولة الذي تدعي دفاعك عنه؟
لقد كانت هناك تصرفات حاول البعض من مريدي البراك أن يبرروها كوجود الفرعيين في التكتل الشعبي أو عدم احترامه لدستور الدولة في قضايا كحقوق المرأة والتعليم المشترك وحرية التعبير.
إلا أن ما ورد في تصريح البراك الأخير حول الجمارك لا يبرر أبدا ولن يجدي معه أي رد أو ترقيع.
للأسف فقد باتت المعارضة اليوم، التي يعتبر البراك أحد رموزها، لا تسير حسب المصلحة العامة وسمعة الوطن أو الحفاظ على ثرواته بل بات ما يسيّرها هو مدى تعارض الفرد أو الجماعة مع الحكومة بالصواب أو بالخطأ، لا يهم أي شيء المهم أن تكون ضد الحكومة حتى لو كان موقف الضد هذا يسيء للدولة ولثرواتها وسمعتها.

سامي النصف

GOOD ARAB IS A DEAD ARAB

  انقرضت قبائل الهنود الحمر بسبب شعار ساد في حينه يقول «إن الهندي الجيد هو الهندي الميت»، هل ما نشهده في منطقتنا هو نسخة مطورة ومعدلة من ذلك الشعار تنص على أن العربي الجيد هو العربي المنحور والمقتول بيد.. شقيقه العربي أو المسلم؟ ومن ثم فإن المنطقة بأكملها قادمة تدرجا على اضطرابات وحروب أهلية؟

* * *

هناك من يتخوف من قيام حروب أهلية في بلدان المنطقة (يا سلام)، إذا لم يكن ما يحدث في العراق من تفجير العراقي للعراقي، وفي سورية من قتل السوري للسوري وليبيا من نحر الليببي لليبي واليمن والسودان والصومال.. إلخ، هي حروب أهلية فما الحروب الأهلية إذن؟ لست أدري.

* * *

منذ 60 عاما والدم العربي يجري انهارا بسبب القضية الفلسطينية التي تسببت في أشكالنا مع إسرائيل مما جعل منطقة الشرق الأوسط تصبح المصنع الرئيسي للأحداث السيئة في العالم الذي تفرغت دوله للإنماء والرفاه، ألم يحن الوقت لإنهاء ذلك الصراع كي تحقن الدماء وتنعم شعوبنا بالسلام الدائم وتتجه ـ كنوع من التغيير ـ للأمام وللمستقبل المشرق للأبناء..؟

* * *

عبقرية في التخطيط والتنفيذ، منظمة سياسية تخطف أسيرا إسرائيليا يدعى شاليط، إسرائيل تدمر غزة وتأسر ألف فلسطيني تأخذهم معها لسجونها ليبقوا سنوات عدة تمكنها من تجنيد وتدريب بعض الأسرى ممن يصبحون بسبب طول الأسر في أوج ضعفهم الإنساني، الإشكال الوحيد هو كيفية إيجاد المبرر المنطقي لاطلاق سراحهم كي تتم الاستفادة منهم؟ الحل الأفضل والأمثل ان يتم الأمر بشكل طبيعي وعبر مفاوضات طويلة شاقة ومضنية ترجع الأسير الإسرائيلي سالما غانما إلى أهله ويرجع مقابله ألف أسير كان أغلبهم من الطلقاء قبل أسره وبعد أن يتم تجنيد العديد منهم ويتم توقيت الاطلاق لإعطاء دفعة انتخابية ووطنية للطرف الذي خطف.. وانتظروا العملية البطولية القادمة لخطف شاليط جديد.. وياللذكاء!

* * *

أسئلة كثيرة تطرح هذه الأيام حول ما يحدث حولنا مثل هل ستنجح الثورة في سورية؟ واعتقد أن الإجابة غير حاسمة في جزء منها حيث إن نسبة تغيير النظام لا تتجاوز 55% مقابل 45% لسقوطه على أن تتبعه حرب أهلية وتفكيك لسورية أي إن هناك نسبة 100% بتحول الأوضاع في بلدان الربيع العربي كافة من سيئ إلى أسوء وعدم تحقيق تطلعات ورغبات الشعوب، وفي هذا السياق لا اعتقد ان القذافي وأبناءه سيتم القبض عليهم لأنني لا اعتقد رغم كل ما يقال ـ عن وجودهم في ليبيا بل هم على الأرجح على بعد آلاف الأميال عنها يعيشون حياة أقرب للأحلام ويستمتعون بمئات المليارات التي سرقوها من ثروات الشعب الليبي تحت دعاوى الثورية والقومية والإسلامية الزائفة.. وياللذكاء!

* * *

آخر محطة: معجزة كبرى حدثت في عام 2011 وهي تأثر شعوبنا العربية بعضها ببعض فثورة تونس ينتج عنها ثورة في مصر، وثورة اليمن تتسبب في ثورة في سورية وليبيا، طول عمرنا يناكف بعضنا بعضا ولا نتأثر فديموقراطية الكويت ولبنان لم تؤثر في العراق وسورية وملكية المغرب لم تؤثر في ثورية الجزائر.. إلخ، فما الذي حدث؟!

احمد الصراف

أأنا العاشق الوحيد؟ (3/2)

بالرغم من أن طوائف لبنان تزيد على العشرين، فإن الحكومة لا تعترف رسميا إلا بـ 18، وهؤلاء يمثلهم حكما أعضاء في البرلمان اللبناني، فهناك مسلمون سنة، ويتركزون في سواحل بيروت وصيدا وطرابلس، والشيعة ويتركزون في الجنوب وبعلبك والهرمل والضاحية الجنوبية، وهناك الدروز، ويتركزون في الشوف وعالية والبقاع الغربي، وتضاف إليهم طائفتا العلويين والاسماعيليين. وفي الجانب الآخر هناك مسيحيون موارنة، وروم ارثوذكس وروم كاثوليك، وارمن أرثوذكس وكاثوليك، وسريان أرثوذكس وكاثوليك، وكلدان ولاتين وانجيليون، وحتى اقباط أرثوذكس وكاثوليك، وأخيرا اشوريون. وبالرغم من كل الدماء التي سالت بين الفريقين، المسيحي والمسلم، على مدى قرون نتيجة حروب ومذابح ذهب ضحيتها مئات آلاف الأبرياء، والتي فقد ما يماثلها من أرواح في حروب أشد بين ابناء الديانة الواحدة، واحيانا كثيرة بين ابناء الطائفة الواحدة، الا ان براغماتية اللبنانيين لم توقفهم يوما عن تعايشهم معا، والأهم من ذلك تزاوجهم، فقد رسخت تقاليد الماضي زواج «الخطيفة»، الذي عادة ما يتم بين طرفين من ديانتين مختلفتين، وبغير قبول أهل أحدهما أو كليهما، وهي عادة أو تسمية قديمة تعود ربما الى أيام الفروسية، عندما كان الشاب يخطف عروسه من «ضيعتها» ومن بين أهلها، ويردفها خلفه على الحصان ويجري بها الى قريته، وليحدث بعدها ما يحدث! أما في أيامنا فالخطيفة أكثر قبولا وسهولة! والغريب، أو ربما من الطريف أن الدولة اللبنانية، لأسباب تتعلق غالبا بمصالح المرجعيات الدينية وصلاحياتها، لا تقبل بالزواج المختلط دينيا، ولكنها لا تتردد في الاعتراف به وتوثيقه، ان عقد «مدنيا» خارج لبنان!
وفي ظل غياب أي احصائيات رسمية فإن النسبة في عدد السكان بين من يصنفون بالمسلمين وغيرهم هي %60 الى %40 للمسيحيين، بعد أن كانت قبل عقود ثلاثة أقرب لبعضها، وسبب ذلك يعود للهجرة المسيحية باتجاه واحد، التي قابلتها عودة الكثير من المهاجرين المسلمين، وخاصة أفريقيا، الى لبنان! ولا ننسى التكاثر الطبيعي الأكثر تسارعا لدى المسلمين مقارنة بغيرهم. والى مقال الغد.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

تكتل صاهود

تذكرتُ الحكاية القديمة الحقيقية لتلك الصبيّة اليافعة العفيفة والشبان الذين استمرأوا معاكستها والتحرش بها ورميها بالصخر وإهانتها كل يوم، عندما هددتهم بأخيها "صاهود" الذي يعمل في العراق وسيعود في غضون أيام لينتقم لها منهم…
انتظرَته، وطال انتظارها، وتعاقبت الأسابيع، أسبوعاً يركل أسبوعاً ويزيحه ليحل محله، والصبيّة تقضي أوقاتها بين دموع القهر وابتسامات الأمل بانتقام أخيها من الشبان الملاعين… وطال الوقت عليها، واليافعات لا يحتملن عذابات الوقت، فنعست عيونها لكن قلبها الغض لم ينعس، ولا كرامتها المجروحة نعست.
وأخيراً، تبسمت السماء، ووصل أخوها، فقفزت في حضنه تقبله وتغرقه بدموع فرحها، وتشكو إليه ما أصابها في غيابه، وتلومه على تأخيره، وهو الذي بلغته شكاواها مع المسافرين، ويعلم أنها شقيقته الوحيدة اليتيمة الأب، ومع ذا فقد غفرت له كل ذلك، لكنها أقسمت عليه بحق الأخوة ألا يتركها مرة أخرى ويغادر…
ولم تكمل بكاءها وشكواها حتى سحبته من ذراعه إلى "البراحة" التي يجتمع فيها أولئك الفتيان الملاعين، ليريها فيهم عظيم قوته وأصيل نخوته، ويسترد كرامتها المهدرة. وما إن أقبلا على جمع الشبان حتى فرّ بعضهم هلعاً وتماسك القلة منهم وصمدوا، فصرخ في وجوههم: "ما تستحون؟ لا تحرشون فيها مرة ثانية"، واكتفى بذلك، وسحب شقيقته من ذراعها ليعود بها إلى البيت…
وفي البيت، راح أخوها ينثر الهدايا أمامها وهي تنظر إليه مذهولة مفجوعة، فركلت هداياه وهربت منه إلى أمها باكية، فسألتها أمها: "ما الذي يبكيك؟" فأجابتها: "يا ليت صاهود في عراقه"، أي ليته بقي في العراق ولم يأتِ.
وعاد صاهود إلى "عراقه"، وعاد الفتيان إلى سابق عهدهم مع أخته.
الحكاية تتكرر اليوم، والصبيّة اليافعة هي الكويت، والشبان الذين أهدروا كرامتها هم الراشي والنواب المرتشون، وصاهود هو "تكتل العمل الوطني".
وكانت الكويت اليافعة قد تعرضت لكارثة هي الكبرى في تاريخها، بلا مبالغة، هي أكبر من كارثة الغزو – وفي هذا يطول الشرح – عندما تم شراء بعض نواب برلمانها كما يُشترى العبيد، وسُلِبَت إرادة الشعب، فتسابق النواب الأحرار لإعلان غضبهم، وأسرجوا خيلهم، وتفقدوا سيوفهم وصفوفهم قبل المعركة، فتخلّف نواب تكتل العمل الوطني، فتساءل الناس، فراح أنصار "الوطني" يقلبون أثاث الصالة بحثاً عن عذر هنا أو حجة هناك، فقالوا تارة: "هم الآن خارج الكويت، وسيعودون قريباً محمّلين باللؤلؤ والمرجان"، وقالوا تارة أخرى: "جهّزوا سيارات الإسعاف، واحفروا مزيداً من القبور، فنواب التكتل الوطني قادمون لينتقموا للكويت"، وانتظر الناس السيل، وتأخر السيل، والبدو يقولون "ما يبطي بالسيل إلا كبره"، وشحبت الأرض، لكن رحمة ربك تداركت عشاق البلد فشاع الخبر عن "ندوة لنواب التكتل الوطني"…
وقامت الندوة، وأرخينا أسماعنا لصوت طبول الحرب، فصرخ نواب الوطني في وجه الراشي والمرتشين كما فعل صاهود: "ما تستحون؟"، واكتفى "صاهود الوطني" بتلك الجملة، ثم طلب شهادة أربعة من الثقات شاهدوا "المرود يدخل في المكحلة"، وراح "الوطني" يتحدث عن أمجاده التي خلدها التاريخ في الهند والسند وفي المحيط الأطلسي والنرجسي وفي بلاد تركب الأفيال والبغال، قبل أن يقلب "الوطني" ندوته إلى "لطمية" بسبب الحرب التي يتعرض لها من الكائنات الفضائية التي لا يراها إلا هو، ووو، ومع نهاية الندوة، التفت "الوطني" إلى جهة ما وغمز بعينه اليسرى وهو يخفي ابتسامته الساخرة.
وبدلاً من أن يفزع صاهود لأخته، راح يهاجم من انتفض من أجلها.
أوااااه… يا ليت صاهود في عراقه.

سامي النصف

مصر في خطر!

  لا أخفي إيماني بالتطور الطبيعي للأمم (Evolution) لا بنهج الثورات (Revolution) ولا اعتقد شخصيا أن مصر الحبيبة قد استفادت قط رغم كل ما يقال من ثوراتها، فثورة عرابي عام 1882 نتج عنها احتلال مصر، وثورة الوفد عام 1919 لم تحقق الاستقلال أو أي شيء يذكر عدا تسببها في قسمة الشعب المصري إلى سعديين وعدليين، كما نتج عن ثورة 1952 القمع والتخلف وتغييب القانون وسلسلة الهزائم العسكرية وفقدان السودان، ثورة السادات في مايو 1971 نتج عنها ما سمي بانفتاح السداح المداح واغتيال قائدها ووصول نائبه حسني مبارك للحكم الذي انتهى بالثورة عليه واعتقاله.

* * *

ولا مبرر شخصيا لي على الإطلاق بالوقوف مع نظام حسني مبارك، فمصلحة مصر والشعب المصري أولى وأجدى بالنظر إليها والحفاظ عليها خاصة بعد تكشف الحقائق وما نشرته جريدة «الفجر» بتاريخ 25/7/2011 عن صورة لشيك دفعه حاكم خليجي رحمه الله بتاريخ 25/8/1990 بمبلغ 120 مليون دولار لصالح الرئيس حسني مبارك كدفعة أولى لمشاركته في حرب تحرير الكويت، أي ان وقوفه كان للمال لا للمبدأ بينما وقف الشعب المصري الأصيل والطيب مع مظلمتنا واحتضن شعبنا دون مقابل.

* * *

أحداث ماسبيرو قبل أيام لن تكون الأخيرة ما دام هناك من يروج لتكرار تجربة تدمير العراق التي تسببت فيها دعوات عزل الملايين بحجة اجتثاث حزب البعث بدلا من الاكتفاء بمحاسبة ومعاقبة القلة المجرمة داخل الحزب وخارجه، وقد رفع الآلاف في الصعيد بالأمس شعار «احذروا الصعيد إذا غضب» مهددين بالانفصال عن مصر إذا تم عزل قبائلها وعوائلها والملايين من أبنائها بحجة انتمائهم للحزب الوطني، ودعوة العزل تتبناها بعض الأحزاب الإسلامية تحديدا كي تحصد مقاعد الحزب الوطني الذي يتوقع ان يفوز بـ 30 ـ 35% من المقاعد في الانتخابات القادمة.

* * *

ومعروف ان ثورات دول أوروبا الشرقية أواخر الثمانينيات (11 دولة) لم ينتج عنها عزل أحد بل قامت على التسامح ومبدأ «عفا الله عما سلف» ورفع شعار «كلنا كنا شيوعيين في الماضي وكلنا أصبحنا إصلاحيين وديموقراطيين في الحاضر» وهو ما ساعد على سرعة استتباب الأمن ونجاح التجارب سياسيا واقتصاديا وتكالب المستثمرين والسائحين عليهم، فهل من عظة للاخوة في مصر وليبيا وحتى.. العراق؟!

* * *

آخر محطة: تظهر الاستطلاعات وآخرها استطلاع جريدة الأهرام تصدر كل من عمرو موسى وأحمد شفيق الذي لم يعلن ترشحه حتى الآن قائمة مرشحي الرئاسة المصرية بنسب تجاوزت في مجموعها 40% والاثنان من أعمدة النظام السابق، بينما لا تزيد فرص المرشحين الإسلاميين للرئاسة أمثال العوا وأبو الفتوح والهزلي أبو إسماعيل وحتى الليبرالي المعارض أيمن نور والبرادعي عن 1 ـ 2%، الأوضاع الاقتصادية السيئة وانعدام الأمن والفوضى السياسية وظهور توجهات انفصالية لدى الصعيد والنوبة وبدو سيناء وقاطني الصحراء الغربية بدأت تجعل الناس تبحث عن نظام قوي حتى ضمن «فلول» النظام السابق، وحفظ الله مصر وشعبها الأبي من كل مكروه.

مبارك الدويلة

منتدى وحدة الخليج والجزيرة

حضرت في اليومين الماضيين مؤتمراً لتأسيس منتدى وحدة الخليج والجزيرة العربية في مملكة البحرين الشقيقة، شاركت فيه نخبة من المفكرين والسياسيين والإعلاميين والادباء من أبناء دول مجلس التعاون. وكان محور الحديث عن أهمية الوحدة الكونفدرالية لدول مجلس التعاون في ظل المتغيرات في المنطقة، وأدهشني شبه الاجماع في الرؤية على أهمية هذه الوحدة وضرورتها، والتي ربطوها بخطوة مهمة لا بد من اقترانها بها، وهي اجراء اصلاحات سياسية في دول مجلس التعاون الخليجي تتيح للمواطن الحرية المنضبطة والممارسة الديموقراطية السليمة.
واستوقفني طرح غريب وحقيقي في الوقت نفسه، ففي الوقت الذي اثنى الجميع على التجربة الديموقراطية الكويتية فإن البعض انتقد هذا الثناء وطالب بالاتعاظ من هذه التجربة، وعدم الخوض فيها، لأنها اوقفت التنمية وشرذمت المجتمع! وهذا حق أريد به باطل، لان العيب ليس في الديموقراطية الكويتية ولا في الدستور الكويتي ولا في النظام البرلماني ـــ وان شابه بعض القصور ـــ لكن العيب في الممارسة من قبل الحكومة والنواب، كل وفق اختصاصه، مما ادى إلى هذا القصور وهذا التشويه.
ان اعداء الحرية والديموقراطية ارادوا استغلال ما تشهده الساحة الكويتية من صراع محتدم بين اطراف هذا الصراع ليستخدموه بعبعاً يخوفون به شعوبهم من هذه الممارسة، وتناسوا ان خداع الشعوب في هذا الزمان قد ولى الى غير رجعة، وتشويه وسائل الاعلام الرسمية للحقائق وقلبها ونقلها بصورة مخالفة للواقع لم يعد لها تأثير في زمان الـ «فيسبوك» والـ «تويتر». الأمر الآخر الذي استوقفني في هذا المؤتمر هو معلومة كانت غائبة عن ذهني، وهي وجود عدد كبير من سجناء الرأي في دول الخليج ومن دون محاكمة! وكنت اعتقد ان العلاقة بين الحاكم والمحكوم تغلفها المحبة والاحترام المتبادل في هذه الدول. وهنا اقول ان على اغلب حكامنا الافاضل ان يستمعوا الى نصائح المحبين لهم من شعوبهم لا الى المستفيدين منهم من حاشيتهم، ان التصالح مع الشعوب هو صمام الامان لبقائهم، فاليوم شعوب الخليج تطالب باصلاح النظام فقط، لكنها غداً ـــ إن طال الانتظار ـــ ستطالب بتغيير النظام متأثرة برياح التغيير التي تجتاح العالم ولا تبقي ولا تذر.
لم يعد النظام البوليسي صمام امان للحكام، ولم تعد القبضة الحديدية كافية لحفظ النظام، الشعب والتصالح مع الشعب واحترام ارادة الشعب وإنسانيته هي الضامن الوحيد.
ختاما.. نهنئ شعوب الخليج تأسيس المنتدى الذي سيكون انطلاقة للوحدة الخليجية التي انتظرناها منذ عقود وهي بلا شك تفيد الانظمة الحاكمة مثل ما تفيد شعوبها، حفظ الله خليجنا وشعوبه من كل مكروه.

احمد الصراف

أأنا العاشق الوحيد؟ (3/1)

تبين لي، بعد أن كتبت مقالات عدة عن لبنان، أن حجم المهتمين بأوضاع هذا البلد الجميل، والمغرمين به وبتاريخه وتعقيداته الاثنية والطائفية، ليس بالقليل. كما ذكرتني طلباتهم باستمرار الكتابة في الموضوع ومحاولة الاجابة عن بعض ما طرحت من أسئلة من خلال تلك المقالات، ذكرتني بقصيدة «الهوى والشباب» التي يغنيها عبدالوهاب للأخطل الصغير، والتي يقول فيها: أأنا العاشق الوحيد لتلقي تبعات الهوى على كتفي؟ فمهمة الاجابة عن تلك الأسئلة، خاصة ما تعلق منها بالجانب الطائفي، في كل جنون التطرف الذي تعيشه مجتمعاتنا، نتيجة قرون من الجهل والتجهيل، ليس بالأمر السهل.
من الواضح أن عشاق لبنان ومحبيه، والهائمين به وبغرائب أحواله كثر، كما أن من يعرفوا أحواله بشكل جيد، من لبنانيين وغيرهم، ليسوا بالقلة، فهذا البلد، الذي بالكاد تزيد مساحته على عشرة آلاف كلم2، والذي بالكاد يبلغ عدد سكانه 5 ملايين، يعيش في المهجر ثلاثة أضعافهم، لا يزال يشكل لغزا للكثيرين ومصدر الهام لغيرهم وفضولا للبقية، ففسيفساء سكانه وخلفياتهم الاثنية والطائفية والدينية كانت وستبقى مثيرة، حتى مقارنة بدولة بحجم الولايات المتحدة مثلا.
كما ذكرنا، فان لبنان يتميز بتعدد طوائف وديانات أفراد الأسرة أو العائلة نفسها، ولا نقصد هنا تلك التي تشترك بالتسمية أو المهنة نفسها، كعائلة النجار أو الخوري أو اللحام أو الشيخ أو الحاج، بل تلك التي تشترك برابطة دم واضحة وتتحدر من الجد نفسه، مثل معلوف وفواز ورحال والخازن وشهاب وغيرهم، فهذه العائلات، على سبيل المثال فقط، تتعدد مذاهب وديانات أبناء العمومة فيها نتيجة عوامل قلما توجد في دولة اخرى، وهذا ما سنحاول تغطيته في مقال الغد.

أحمد الصراف