يرى أنتوني شديد، وهو مراسل صحفي أميركي مميز، ومن اصل لبناني، في مقال نشر في «الأنترناشيونال هيرالد تريبيون» قبل أيام، بعد أن عاد من زيارة سرية لسوريا، أن الحركات الإسلامية قد تجذرت في المجتمعات العربية، وأصبحت هويتها الأساسية، بعد أن دمّرت الأنظمة العربية، وبالذات التي تدعي الليبرالية، باحتكارها للسلطة، كل مقومات الليبرالية الحقيقية. وقال ان هذه التنظيمات، وخاصة «الاخوان المسلمين»، الذين تمتد جذورهم لعشرينات القرن الماضي، نموا بشكل كبير، بعد أن عجزت السلطات في القضاء عليهم، رغم الترهيب والسجن والقتل، لتحصنهم بالمساجد والملتقيات الأخرى، ونموهم في محيطها، وهو الأمر غير المتوافر لغيرهم، وبالتالي صار الإسلام هو البديل لليبرالية الطغاة وادعاءاتهم المبتذلة! ويعتقد شديد أن وصول الإسلاميين للسلطة شبه مؤكد، ولكن إن سمحوا بتكوين أحزاب ليبرالية، فإن تقدم المجتمعات العربية، تعليما وثقافة، سيرفع من مستوياتها المعيشية ويؤدي في نهاية الأمر، وإن بعد سنوات مخاض طويلة، لتكوين احزاب بإمكانها بلورة مفاهيم ليبرالية، وإقناع المواطن بمفاهيمها المتقدمة ومفاهيم الحرية والديموقراطية الحقة. ويعتقد شديد اننا يجب أن نعطي الحركات الدينية وقتها والا نرتعب من فكرة وصولها للسلطة! انتهى.
كلام واقعي، وشبه متفائل في ظاهره، وأعتقد أن لا مناص من الإيمان به، فليس هناك من بديل، فسيصل هؤلاء حتما للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع، وسيرتكبون أخطاء كالجبال حجما وسيفشلون فشلا لا مناص منه، وهذه هي الطريقة الوحيدة لكشفهم وتعريتهم للجماهير الجاهلة بحقيقتهم، وحقيقة الوهم الذي عاشوه على مدى عقود بأن لدى الإسلاميين النظام البديل والعلاج لكل قضايانا وأمراضنا! أما الذين يعتقدون بأن الدول العربية ستصل لما وصلته تركيا في عهد أردوغان، فهم واهمون، فتركيا اليوم هي ابنة تركيا الأمس والغد العلمانية، وعندما تؤمن الأحزاب الدينية المقبلة للسلطة بمفاهيم الحرية التي يؤمن بها الحزب الإسلامي الحاكم في تركيا، فإننا وقتها سنكون بخير، ولن نحتاج لدروس من احد، والأمر الوحيد المطمئن هو أن الأحزاب الدينية «العربية» التي تفتقد لقاعدة العلمانية التي لدى تركيا، ستفشل كما فشل نظام ملالي إيران وإخوان السودان وحماس غزة، فلا مجال في عالم اليوم للدكتاتوريات، ولو كانت دينية!
أحمد الصراف